تصادف اليوم الذكرى السابعة والثلاثون لمجزرة صبرا وشاتيلا والتي وقعت في حق اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا اللبنانية، وراح ضحيتها أعدادٌ كبيرة من الضحايا كانوا في أقل تقديرٍ لهم ٨٠٠ وفي أقصاه كانوا ٣٥٠٠ لا يزال الكثير منهم مفقودين إلى يومنا هذا. ولسنا بصدد ذكر تفاصيل المذبحة ها هنا ونقل شهادات من عايشوها ونجوا منها فالمواضيع المنتشرة في ذلك الصدد كثيرةٌ وليس الحصول عليها صعباً لأي مُريد، ولكننا نريد أن نتحدث عن أولئك الذين لا زالوا هنا بعد كل تلك السنوات، نريد الحديث عنا نحن.
في كل عام ننسى ما جرى في تلك الأيام المشؤومة في صبرا وشاتيلا أو أحداثاً أخرى كثيرةً غيرها، يمضي علينا العام بأسره ولربما لم تخطر تلك الأحداث في خاطرنا ولو لمجرد الوهلة أو البرهه، إلى أن يأتي ذكرى الحدث فنتفاجأ بينما نحن نتصفح بين منشورات الأصدقاء بأن أحدهم قد نشر صورةً أو شارك خبراً من إحدى الصفحات الإخبارية بأن اليوم يصادف الذكرى السنوية للمجزرة، فنتذكر أو بالأحرى نسترجع تلك الذكرى التي خزنّاها في قسم خاص استحدثناه في أروقة عقولنا تحت اسم (للاستخدام مرةً واحدةً سنوياً) برهةً من الزمن قد نحزن فيها قليلاً أو نشعرُ ببعض امتعاض، وقد لا يتعدى مدى استذكارنا مجرد إعادة مشاركةٍ للمنشور الذي شاركه صديقنا الافتراضي قبلنا، أو حتى مجرد (فيس حزين) نضعه على خبر ذاك الصديق بكبسة زرٍ... وكفى.
ضحايا كل تلك المجازر والمذابح والتفجيرات والاغتيالات كذلك، فكلُ فردٍ منهم عالمٌ متفردٌ بحد ذاته، ولربما كان بقاؤه سيكون سبباً في جلب الكثيرين إلى هذه الحياة ما بين أبناءٍ وأحفاد، وكان كذلك ليغير في حياة الكثيرين
لقد أصبحنا من البلادة بحيث أصبحت كل تلك الأحداث والذكريات تمر علينا مرور الكرام كما تمر سحابة الصيف في حار الأيام، فلا هي تبقى مدةً تحجب الشمس فنشعر بفرق تأثيرها ولا هي تركت وراءها أثراً نستذكرها به بعد حين، فهي ليست إلا مجرد أثرٍ بعد عين بل وحتى قد لا يعاينه الكثيرون فلا يعرفون ولا يشعرون حتى بسابق وجوده. أصبح لدينا ما هو أشبهُ بالمناعة من تلك الأحداث والأحاسيس التي من المفترض أن تعتمل في صدورنا تجاهها، وردات الفعل التي ينبغي أن نقوم بها حيالها، تعودنا على تلك الأحداث حتى لأصبحت بالنسبة لبعضنا مجرد عنوانٍ إخباري تصدر العناوين في يومٍ ما، أو إحصائياتٍ رقميةٍ كان من الممكن أن تكون أكبر وأسوء، فماذا يعني كون سبعة أشخاص قد كانوا ضحية انفجارٍ ضخم وقع في العاصمة العراقية بغداد مثلاً؟ فسبعة أشخاص رقمٌ جيدٌ جداً بالنسبة لانفجارٍ بهذا الحجم وتلك القوة، ففي العادة كان انفجارٌ مماثل ليحصد أرواح العشرات والمئات، فلكم نحن محظوظون بأن الرقم كان سبعةً فقط لا أكثر.
ولكن بالنسبة لأولئك الضحايا وأهليهم فلقد خسروا الكثير ولربما خسروا كل شيء، فواحدٌ من أولئك السبعة كان والداً لثلاثة أطفالٍ فقدوا والدهم وسندهم ومعيلهم، ولربما لو بقي ذاك الوالد حياً لعمل على تدريس أبنائه ومتابعتهم حتى تخرج أحدهم فأصبح طبيباً كبيراً كان لينقذ المئات من الأرواح، وكان الاخر ليصبح مهندساً يبني الكثير من العقارات ويعمل بسببه مئات العمال الذين يعيلون آلاف الأشخاص، ولربما نبت الثالث إلى أن أصبح سياسياً مرموقاً وذا منصب، ولكانت قراراته قد أثرت على ملايين الحيوات، ولكن أولئك الأطفال بعدما فقدوا آباهم في ذلك التفجير قد اتخذوا اتجاهات مغايرة أجبرتهم عليها الخيارات المحدودة وغياب الأب عن الساحة، فأصبح من كان ليكون طبيباً مجرد حمالٍ يعمل بالمياومة ولم تجده الأرواح التي كان لينقذها على الموعد، وذلك الذي كان ليكون مهندساً تحول الإدمان ورفاق السوء فأصبح أداة هدمٍ في المجتمع عوضاً عن أداةٍ لبنائه، وذاك الذي كان ليكون سياسياً بالكاد يستطيع بما يجنيه أن يسوس أمور نفسه..
إن ضحايا كل تلك المجازر والمذابح والتفجيرات والاغتيالات كذلك، فكلُ فردٍ منهم عالمٌ متفردٌ بحد ذاته، ولربما كان بقاؤه سيكون سبباً في جلب الكثيرين إلى هذه الحياة ما بين أبناءٍ وأحفاد، وكان كذلك ليغير في حياة الكثيرين ولربما في حياتي وحياتك أنت شخصياً، لكل فردٍ متفردٍ منهم حياته وذكرياته ودفتر مذكراته، أحداثه التي عاشها وعايشها وصورٌ شكلها أو التقطها، كل فردٍ منهم كان أكثر بكثيرٍ من مجرد رقمٍ في إحصائية خسائر أو صورةٍ نشاركها لضحايا مجزرةٍ قد ولت، لكل وجهٍ من تلك الوجوه ألفُ ألفِ قصةٍ وألفُ ألفِ حكاية، فلنتذكرهم ولنتذكر ما كانوا عليه وما كانوا ليكونوا عليه وما كنا لنكونه لو كانوا لا يزالون بيننا.
يا ضحايا الموت والحقد والإرهاب سلاماً لكم أجمعين فرداً فرداً وشخصاً شخصاً وذكرى ذكرى..