صور من حياة الصحابيات

الرئيسية » كتاب ومؤلف » صور من حياة الصحابيات
e4357729dceb33beab706b3453decb8b

الأمة التي لا تحفظ تاريخها ولا تنتمي لماضيها وتتيه بحثاً عن السرابِ بينما الماء بين يديها زلال هي أمة تقف على مشارف الهاوية، تموت ظمأً وتنطمس معالم وجودها، يتخبط أبناؤها في البحث عن بصيص من النور، وأنّى لهم أن يبصروا النور وقد أداروا له ظهورهم وعمت الغشاوة أبصارهم خلال البحث عن قيمتهم في حضارات أخرى، فتعلقوا بأذيال الغرب تارة والشرق تارة أخرى، ولا عجب أن يصبح أحدهم إمّعة يتبع هذا وذاك، وتضيع ملامحه فلا يكاد يتعرف على نفسه، وكيف بمن يتنكر لماضيه ويجهل قدره ومقداره أن يبني مستقبلاً أو أن يحلم ببصيص نور وقد فرط بما بناه الأولون وشيدوه من دمائهم وأعمارهم وأشلائهم.

من هنا تكمن أهمية مثل هذا الكتاب، فهو نور على الطريق يبصِّرُ الأجيال بماضيها العريق وأسلافها العظام الذين لم تمنعهم ظروفهم ولا صعوبات عصرهم من أن يساهموا في بناء حضارة شهد بفضلها الأعاجم والأعداء قبل الأصدقاء؛ فكانوا الغرة البيضاء التي يشار لها بالبنان في ناصية التاريخ.

ومن هنا كان لزاماً على كل من ينشد المجد والعراقة والتمكين لأمته أن يجعل من سيرة السلف الصالح -صحابة رسول الله، خير القرون- نماذج وقدوات يقتدي بها ويربي على نهجها كل من له ولاية عليه، فيعزز ثقتهم بتاريخهم وأسلافهم.

بل يجب على أصحاب الشأن والاختصاص أن يجعلوا دراسة سيرهم فروضاً من فروض الحياة وواجباتها، بدلاً من حشو كتب التاريخ بهفوات -لم تخل منها البشرية منذ بدء الخليقة– يبثون بها الشك والحيرة في نفوس النشء، ولذلك كان لزاماً تعلم الأصول قبل الفروع؛ لبناء قاعدة وأرضية ننطلق منها ونحلق في أنحاء المعمورة، ومن ثم إليها نفيء.

إن المسخ الذي بلغناه في حاضرنا بلغ ذروته، فعندما تتفحص اهتمامات هذه الأجيال وأولوياتها، ستكتشف أن أمل الأمة ومستقبلها -شباناً وشابات- ينحصر اهتمامهم في تتبع أخبار اللاعبين من نجوم الرياضة، ويتابعون حيوات الفنانين في التمثيل والغناء أكثر ممن اهتمامهم بسيرة المصطفى وصحابته الكرام، بل ستخر الصاعقة على رأسك وتصدمك الحقيقة المرة عندما تجد أحدهم يحمل شهادات عليا فإذا سألته عن فرد من العترة النبوية فغر فاه وكأنك أتيت بأحجية عصية على الحل.

بل ويزيد من حسرة قلبك وحيرة فكرك أن يكون هذا الشخص قد أسماه أبواه باسم شخص من آل البيت أو صحابته الكرام، وهو في جهل مطبق بصاحب الاسم الذي سُمي تيمناً به.

 

مع الكتاب

تبرز أهمية كتاب (صور من حياة الصحابيات) في أنه أشبه بقبس من نور ينشر أنواره البهية في دروب أجيال يعتم على تاريخها عن قصد، من خلال طمس معالم تاريخها وتقطيع حبال الصلة بينهم وبينه، فجاء هذا الكتاب ليتناول ثمان شخصيات من الصحابيات اللواتي لا ينكر عاقلٌ فضلهن وأهميتهن وما قدمنه للأمة، وهذه الشخصيات نماذج للمرأة التي ترعرعت في عصر النبوة، فجاء هذا الكتاب كما السفير يجوب بنا حياة المرأة المسلمة التي بُنيت شخصيتها وصقلت في ظل رسول الرحمة المهداة للعالمين موضحاً المنهج الإسلامي الذي وضع الأسس لحقوق المرأة وواجباتها، في وقت عجزت فيه حضارة اليوم - ومؤسساتها - عن صون حقوق المرأة والحفاظ عليها؛ إذ تجد أول من يخترق حقوقها هم من يطلق عليهم بدعاة وحماة حقوقها.

نعم، لقد تناول المؤلف في كتابه الشيق سهل المنال لكل الفئات العمرية والطبقات الثقافية نماذج من النساء اللاتي تربين ونشأن على المنهج الإسلامي في المدرسة النبوية، واللاتي وقفن إلى جانب أخوتهن الرجال على قدم وساق، فصدق فيهن قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال" [سنن أبي داوود]، فلم يقتصر دورها على الزوجية والأمومة - مع فضيلة ذلك - بل كانت المجاهدة الصابرة في كل الميادين.

ومن خلال الشخصيات التي تناولها بدأ بأم النبي -صلى الله عليه وسلم– في الرضاعة، ومروراً بمن حرست طريق هجرته وزودته بالماء والغذاء، وانتهاء بمن تحملت آلام الغربة ومفارقة الأهل والديار والخلان، فهاجرت فراراً بدينها من أن تمتد له يد الكفر والضلال، قدّم المؤلف النموذج الحي والذي يعين كل فتاة -تعتز بالله رباً وبالإسلام ديناً وبحمد نبياً ورسولً – على أن تقتفي أثرهن وتقتدي بهن، لا يثني عزمها أحدٌ كائناً من كان، ولا يشغلها عن رسالتها نعيق الحاقدين والمتربصين من كل صوب وحدبْ، فتؤسس لكيانها على أساس متين وتنطلق لأداء رسالتها بجدية، فتعلق بصرها بمعالي المهام لا تشغلها ولا تضيع من وقتها وعمرها وجهدها سفاسف الأمور.

 

مع المؤلف:

عبد الرحمن رأفت الباشا وُلد عام 1920 في بلدة أريحا شمال سورية، تلقى دراسته الابتدائية فيها وتخرج في المدرسة الخسروية بحلب، وهي أقدم مدرسة شرعية رسمية في سورية.

تلقَّى دراسته الجامعية في القاهرة، نال الشّهادة العليا لكلية أصول الدّين في الأزهر، وشهادة اللّيسانس أيضًا في الأدب العربي من كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم بعدها درجتي الماجستير والدّكتوراه من الجامعة نفسها.

اشتغل مدرسًا فمفتشًا، ثم كبيرًا لمفتشي اللّغة العربية في سوريا، ثم مديرًا لدار الكتب الظّاهرية المنبثقة عن المجمع العلمي العربي في دمشق، وأستاذًا محاضرًا في كلية الآداب في جامعة دمشق، ثم انتقل إلى السّعودية للتدريس في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد شغل منصب رئيس قسم البلاغة والنّقد ومنهج الأدب الإسلامي.

له العديد من المؤلفات منها: "العدوان على العربية عدوان على الإسلام"، "نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد"، "صور من حياة الصحابة"، "صور من حياة التابعين"، "أرض البطولات".

 

بطاقة الكتاب

العنوان: صور من حياة الصحابيات

المؤلف: د. عبد الرحمن رأفت الباشا

دار النشر: دار الأدب الإسلامي

سنة النشر: الطبعة الثامنة 2011

عدد الصفحات: 128 صفحة

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …