وتعود الثورة من جديد لمصر.
لكن، كيف عادت؟ ولماذا الآن؟
لما بدأت ثورات الربيع العربي، وكانت بدايتها من تونس ثم مصر، كانت هناك وجهتا نظر: وجهة نظر أرجعت ما حدث للظلم الواقع على الشعوب العربية اقتصادياً وسياسياً، ووجهة نظر رأت أن ما حدث هو تدبير من أنظمة معادية للوطن العربي، أرادت هذه الأنظمة نشر الفوضى والدمار -عبر تدبير الثورات- والسعي لتقسيم البلدان العربية أكثر مما هي عليه، لتصبح فكرة الشرق الأوسط الجديد واقعاً معاشاً، وهي فكرة تقوم على أساس تقسيم البلدان العربية، وإذكاء الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية.
لكن الذي لا يستطيع أحد أن ينكره كذلك، أن الأنظمة العالمية -بمخابراتها وعملائها- تسعى لإدارة دفة الأحداث دائماً تجاه مصالحها واستراتيجياتها وخططها كيف تلعب أجهزة المخابرات العالمية بربيعنا العربي؟، فمن الوارد أن تكون هذه الأنظمة بمخابراتها قد علمت يقيناً أن الأمور تسير في الوطن العربي تجاه الانفجار، وأن الثورة قادمة لا محالة، فبادرت باستخدام عملائها الكثيرين المنتشرين في أوطاننا العربية من أجل بداية الثورات بطريقة ترسمها هي وتديرها؛ لكي تكون نتائج الثورات في النهاية كما تحب وترجو.
أو أن الثورات لم تشتعل بتدبيرها ورضاها، وعاجلتها لحظتها، فدبرت بعد ذلك لاحتوائها من خلال عملائها، وبصناعة عملاء جدد، وذلك من أجل تسيير الثورات في النهاية لما تريده.
الخلاصة هي أن الثورات العربية ثورات شعبية لم يترك الحكام لشعوبهم خياراً غيرها، ولم تقف أنظمة المخابرات العالمية موقفاً محايداً أمام هذه الثورات، ولن تقف فيما هو آت محايدة كذلك، بل تحاول بكل ما تستطيعه أن تسيّر الأمور لمصلحتها، إما بصنع الأمر من البداية برمته، أو بالتأثير فيه والسيطرة عليه وتوجيهه بعد بدايته إن هو بدأ على غير ترتيبها وتدبيرها.
الثورات العربية ثورات شعبية لم يترك الحكام لشعوبهم خياراً غيرها، ولم تقف أنظمة المخابرات العالمية موقفاً محايداً أمام هذه الثورات، ولن تقف فيما هو آت محايدة كذلك، بل تحاول بكل ما تستطيعه أن تسيّر الأمور لمصلحتها، إما بصنع الأمر من البداية برمته، أو بالتأثير فيه والسيطرة عليه وتوجيهه بعد بدايته إن هو بدأ على غير ترتيبها وتدبيرها
نعود للثورة المصرية كأهم ثورة في الربيع العربي لأهم بلد عربي جغرافياً وتاريخياً وثقلاً استراتيجياً.
لقد بدأت الثورة تعود من جديد، والظاهر أنها ستنجح هذه المرة فيما فشلت فيه من بعد الانقلاب العسكري في 2013م.
فكيف عادت؟ ولماذا الآن؟
عادت الثورة من جديد لمّا دعا إليها مقاول مصري كان يعمل مع الجيش في مشاريعه الإنشائية، وصرّح الرجل بأنه لم يتقاض مستحقاته المالية من أجهزة الجيش المصري، وأنهم اضطروه إلى الهروب خارج مصر، فقرر أن يفضحهم وأن يشارك في الثورة عليهم.
والظاهر بقوة: أن هذا المقاول لا يعمل وحده، وأنه تقف وراءه أجهزة في الدولة، إما أنها أجهزة موجودة في الخدمة الآن بقيادتها ورجالها، أو أنها قيادات كبيرة من أجهزة الدولة السيادية لم تعُد في الخدمة، وقد قررت الانقلاب على النظام الحاكم الذي أقالها من قبل من مراكزها القيادية الحاكمة.
وواردٌ جداً وبقوة أن تكون الأنظمة العالمية بأجهزة مخابراتها وراء ما يحدث؛ وذلك لمعرفتها اليقينية الآن أن هذا النظام الحاكم المصري يستحيل بقاؤه مع ذلك الطغيان الذي لم يحدث في تاريخ مصر الحديث.
وبالتالي، فهي كأنظمة عالمية بأجهزة مخابراتها تسعى للتغيير الذي ترى أنه سيحدث لا محالة، وتحاول بخططها أن يبقى التغيير في صالحها، وأن لا يأتي إلا برجالها، ويكون الأمر بالنسبة لها مجرد استبدال رجال برجال، وكلهم في النهاية رجالها وعملاؤها.
ولماذا يسمح بذلك الآن؟ فيما لم يسمح به من قبل؟
ذلك لأن الضغط على الشعب زاد عن حده، والانفجار بات وشيكاً جداً، ثم إن العقبة الكؤود التي كانت تمنع من السماح بذلك قد أزيحت من المشهد، فالرئيس مرسي قُتل، وانتهت شرعيته، التي كان ينادي بها الكثيرون إلى آخر لحظة في حياته، وبالتالي فلو قامت ثورة جديدة من قبل الخلاص من مرسي، لربما كانت النتيجة العودة بمرسي وجماعته لسدة الحكم، وهذا ما يستحيل أن تقبله الأنظمة العالمية بأجهزة مخابراتها.
فلما مات مرسي وبعد الخلاص منه، رأوا أن الانفجار وشيك، فقرروا أن يلعبوا لعبتهم، ويذهبوا برجال ويأتوا بآخرين؛ لتبقى خيوط اللعبة دائما في أيديهم.
لكن، وبرغم أن الصورة صارخة بأن الأمر هذه المرة بتدبير خارجي أو داخلي بلا ريب، إلا أنه وبرغم ذلك، فإن الخير للمصريين في أن يزول هذا النظام الحاكم القائم برجاله، وأن يأتي رجال غيرهم، وإن كانوا عملاء للأنظمة العالمية كمن سبقوهم، فإن رجال النظام القائم طغاة أكثر مما يطاق، وفاسدون أكثر مما يطاق، ودمويون أكثر مما يطاق.
وإنه من الخير للمصريين أن يأتي رجال غيرهم، وإن كانوا مجرد رجال أقل طغياناً وأقل فساداً وأقل دموية.
إن الشعوب التي تريد الحرية وتعمل لها ستُكتب لها الحرية ولن يستطيع أحد أن يمنعها عنها، وإن الشعوب التي تأبى أن تلعب بها الأنظمة العالمية ومخابراتها سيكون لها ذلك ولن يستطيع أحد أن يلعب بها.
فالقضية قضية إرادة وعزيمة وعقول واعية يقظة، تأبى أن تُلعب عليها اللعبة كما لُعبت من قبل.