لا خير فينا إن لم نقلها

الرئيسية » بأقلامكم » لا خير فينا إن لم نقلها
EgyptMillitaryEconomy_MAIN_236656

بداية وقبل كل شيء لابد وأن نقر أنه لا دولة بدون جيش قوي، مزود بأحدث الأسلحة في المجال البري والجوي والبحري والبرمائي وكل ما يُستجد من أسلحلة في هذه المجالات وغيرها وكذلك كل ما من شأنه رفع كفاءته القتالية وجاهزيته للمواجهة الرادعة في أي وقت.

ولابد وأن نقر كذلك أن جيشنا المصري قد تم بناءه من عرق ودماء وجهود وأموال المخلصين من أبناء وطننا الحبيب مصر وأن الحفاظ عليه وعلى عزة وكرامة كل مخلص شريف فيه هي مسئوليتنا جميعاً لا يُعفى أحد من هذه المسئولية.
ولابد وأن نقر أيضاً أن هناك من يُخططون للنيل من جيش مصر بشتى السُّبل لإنهاكه وإرباكه وتغيير عقيدة قادته وجنوده، لأنهم يعلمون أنهم لو نجحوا في هذا الدور ستزول الشوكة التي في حلوقهم والعقبة التي تعرقل زحفهم، وأنهم بذلك سيحققون مآرب وأهداف لا يحول دون تحقيقها إلا قوة هذا الجيش وإخلاص قادته وبسالة جنوده.

إن من وسائل وسبل إنهاك وإرباك وتغيير عقيدة قادة وجنود الجيش المصري هو إقحامه في مجالات تفرغه من مضمونه، وتنحيه عن هدفه، وتنسيه دوره فيذوب فيما تم رسمه له من مجالات، وحينها لا تقوم له قائمة.
ولكي نحسم اختلاف وجهات النظر في هذا الموضوع لابد من مراعاة عدة نقاط.

أولاً: إن اقتصاد الجيوش في العالم قائم على خمسة بنود أساسية، وهي:-

1- تحقيق الاكتفاء الذاتي للجيش.
2- تحسين جودة الحياة للجنود وأسرهم.
3- الاستثمار في الإنتاج الحربي والتكنولوجيا الحربية.
4- المساعدة الداخلية في حالات الكوارث الطبيعية والإغاثة.
5- القيام بالإنشاءات الخاصة بالجيش التي تمس الأمن القومي.
- هذه هي الأشياء التي تسمح بها دول العالم للجيوش أن تقوم بها أو أن تتدخل فيها.

لكن عندما ينغمس الجيش في الحياة المدنية ويتحول إلي منافس للقطاع الخاص، ويتحول الشعب إلى زبون له فهذه صورة معكوسة ومغلوطة وتختلف عما هو متعارف عليه عالمياً .

ثانياً: إذا اضطرت الضرورة القصوى إلى تواجد مجموعات من الجيش داخل الحياة المدنية (للمساعدة في الكوارث الطبيعية والإغاثة) فلابد وأن تكون مجموعات محددة في أماكن محددة ولوقت محدد يتم الاتفاق عليه والالتزام به إلى أن ينتهي الهدف الذي تواجدت القوات من أجله. وليس له أن يكون متواجداً في الأماكن والمنشآت التي لا ضرورة لوجوده فيها.

إذا اضطرت الضرورة القصوى إلى تواجد مجموعات من الجيش داخل الحياة المدنية (للمساعدة في الكوارث الطبيعية والإغاثة) فلابد وأن تكون مجموعات محددة في أماكن محددة ولوقت محدد يتم الاتفاق عليه والالتزام به إلى أن ينتهي الهدف الذي تواجدت القوات من أجله. وليس له أن يكون متواجداً في الأماكن والمنشآت التي لا ضرورة لوجوده فيها

ثالثاً: لا يصح للجيش أن ينشغل بالبيع والشراء والصفقات والمزادات والمناقصات... الخ، لأن المعروف أن المال مَفسدة ومَجبنة وكثرة المال مفسدة أكبر ، وكما هو متعارف عليه في الأسواق التجارة والاقتصاد أن "صاحب رأس المال جبان"، وبالتالي فإن الجيوش تنأي بنفسها عن تعاملات البيع والشراء المدنية، لأن هذا ينهك الجيوش ويبعدها عن مهمتها الأساسية كما ذكرنا آنفاً.

رابعاً: عندما يتحول الشعب إلى زبون لدى الجيش يكون من حق الزبون إن لم يُعجبه المُنتج أن ينتقده أو يسخر منه أو أن يشتكي بائعه، وكما يقال في لغة التجارة (الزبون دائماً على حق) وهذا في منتهي الخطورة علي الجيش وهيبته وسمعته ومكانته.

خامساً: عندما يبيع الجيش منتجات أرخص من المنافسين المدنيين فهذا سببه أن تكلفة المنتج من عمالة وأرض ونقل وتخزين وضرائب وجمارك... الخ مختلفة تماماً عن القطاع الخاص، والسماح بفكرة التوسع في اقتصاد الجيش سيؤدي بالتبعية إلي خروج المستثمرين الصغار ومتوسطي رؤوس الأموال من السوق لعدم قدرتهم على المنافسة الغير متكافئة، وهذا سيؤدي إلى انحسار السوق وانكماشه وزيادة البطالة، وبالتالي ضعف الإنتاج والاستثمار المحلي، وهروب المستثمر الأجنبي مما يعتبر احتكاراً للسوق وسيطرة مُحكمة على قوت الشعب يستخدمها الجيش كورقة ضغط ضد الشعب لتطويعه لما يراه من سياسات.

سادساً: إن الجيش ليس وصياً على الدولة ولا على الشعب وليس دولة داخل الدولة بل هو أحد كياناتها الداعمة لها المنوط به عملاً محدداً شأنه شأن الكيانات الأخرى في الدولة  وإن تميز دوره وزاد شأنه فالشبب في ذلك أن الدولة توفر له من الامتيازات والإمكانيات مالا توفره لغيره.

سابعاً: لو وجد في الدولة أي خلل في جانب من الجوانب فإن للدولة دستور، وقانون مُنبثق من هذا الدستور، وبها السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والأجهزة الرقابية التي يجب الاحتكام إليها لرأب أي صدع ولإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ومسارها الطبيعي.

- فلو أن هناك احتكار فيجب أن يطبق قانون الاحتكار.
- ولو أن هناك فساد فلابد من محاربة الفساد بالقانون.
- ولو أن هناك جشع تجار نحارب جشع التجار بأليات السوق المتعارف عليها.
- ولو أن هناك سوء استخدام للنفوذ فالرقابة الإدارية كفيلة بتصحيح الأوضاع ومحاسبة المخطئ.
إذا ليس الحل بأي حال من الأحوال أن يتدخل الجيش بنفسه في مثل هذه الأمور وينشغل عن مهمته الأساسية لأن في ذلك الطامة الكبرى.

ثامناً: الأنشطة الاقتصادية الغير متعارف عليها للجيش أغلبها لا تكون تحت رقابة الدولة ولا داخل ميزانية الدولة وبالتالي فالشفافية والرقابة المجتمعية ونظم الإدارة والمسائلة... الخ غير متوفرة وهذا يُسهِّل الفساد بل يجعله يستشري، وفي حالة حدوث ذلك تنهار الدولة بأكملها لأن الوضع سيكون صراع نفوذ يُحسم لصالح الأقوى وهو الجيش مما يتسبب في حالة من السخط والاحتقان ضده وهنا يحدث ما لا تحمد عُقباه.

تاسعاً: لو اضطرتنا ظروف المنطقة العربية التي تعيش على صفيح ساخن لحرب ومواجهة لأي سبب من الأسباب !!
- هل سيترك الجيش المشروعات الداخلية ليتفرغ للمواجهة وبالتالي تتعطل الأمور وتضيع المليارات ويضيع الشعب الذي تعود على أن هناك من يمده بالمنتجات ويشيد له المشروعات؟
- ولو ترك الجيش المشروعات واتجه لساحة المعركة هل ستكون عنده الكفائة القتالية للمواجهة في ظل ضعف التدريبات وضعف الكفائة القتالية بسبب البُعد عنهما أو التراخي فيهما؟
- هل سيظل الجيش في ظلل الحرب الدائرة مستمراً في أداء المهام الداخلية واستكمال المشروعات فتضيع البلاد كلها؟ وهل.. وهل.. وهل.. ؟

عاشراً: إن الشباب العاطل، والتاجر الصغير، والمستثمر الضعيف، كل هؤلاء يشعرون بأن هناك زحف بل استيلاء على فرصهم وأعمالهم ومجالاتهم... الخ، مما يتسبب في خلق بيئة عدائية مباشرة أو غير مباشرة لا تكون في مصلحة الجيش لأنه بذلك ومع مرور الوقت يقتطع من رصيده في قلوب الأفراد الذين ينافسهم ويزاحمهم في الحصول على لقمة العيش.

ختاماً:

- إن التبعة والمسئولية لتصحيح كل هذه الأوضاع مُلقاة على عاتق الشرفاء والمخلصين في صفوف الجيش وهم كثيرون، ومُلقاة كذلك على عاتق الشرفاء والمخلصين من القائمين على مناهج الكليات الحربية والعسكرية.

إن التبعة والمسئولية لتصحيح كل هذه الأوضاع مُلقاة على عاتق الشرفاء والمخلصين في صفوف الجيش وهم كثيرون، ومُلقاة كذلك على عاتق الشرفاء والمخلصين من القائمين على مناهج الكليات الحربية والعسكرية

- وبقي أن نؤكد على أن من يغرسون العداء بين الجيش والشعب أو بين الشعب والجيش لا يريدون بالوطن خيراً وأن الحل هو العلاج وليس البتر ولا الاستئصال.
نداء...

يا عُقلاء الشعب ومُخلصيه... ويا عُقلاء الجيش ومُخلصيه... اجتمعوا على كلمة سواء تُعلي مصلحة الوطن على كل الأطماع وعلى كل التوجهات والمعتقدات الفكرية والسياسية عسى الله أن يطلع على صدق النوايا فيفرِّج عنا وعن وطننا ما نحن فيه.

اللهم احفظ مصر وأرضها وشعبها وجيشها من مكر الماكرين وكيد الكائدين واقصم اللهم ظهر من أراد مصر وأرضها وشعبها بسوء.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …