أسرارُ الأرقام… قدرة التحريك

الرئيسية » خواطر تربوية » أسرارُ الأرقام… قدرة التحريك
results-tracking

الأرقام في عالمنا حروف ناطقة، ولغة تروي الكثير من التفاصيل، تخبرك بالمستتر، وتعلِّمك فن اتخاذ القرار، وتحثك على تحريك عجلة الحياة[/tweetable]، فلا غرابة من أن تجد اهتماماً إسلامياً بالدواوين وتوثيق تفاصيل الحياة اليومية وشؤون الدولة بمختلف تفاصيلها آنذاك -والحديث عنها يطول- والتي باتت تُسمى في يومنا هذا –أو لعلني أسميها– علوم تحليل البيانات والإحصاءات، والتي تأخذ حيزاً مهماً واهتماماً واسعاً اليوم؛ إذ إنها غدت مرجعاً مهماً لصانعي القرار وأهل الاستشارة، وأساسات متينة تبنى عليها عمليات التخطيط والتطوير ورسم السياسات.

عندما كنت أراجع بعض ما يتعلق بالمؤسسات التربوية والدعوية بمختلف مجالاتها واهتماماتها، جالت في خاطري تساؤلات عديدة عن مدى حاجة تلك المؤسسات إلى إحصاءات رقمية ودراسات علمية؛ تدفع بعجلة الإنجاز نحو الأمام بخطى واثقة حثيثة مليئة بخبرات الماضي ومتسلحة بقراءة واقعية للحاضر ومتفائلة بمستقبل مشرق، فما علاقة هذه الأرقام والمعادلات الحسابية والرسومات البيانية بمؤسساتنا التربوية والدعوية، وما هي أهميتها أو مدى الاستفادة منها؟ أم أن الحديث عن مثل هذا ضروب من الخيال وشيء من مخدر الغد؛ ليُنسي واجب اليوم، وقد يعده البعض محقاً للبركة الربانية!

الأداء المعرفي وما يبنى عليه من دراسات وأبحاث ورصد حركة الحياة هو مفصل مهم من مفاصل العمل لنهضة المجتمعات والأمم ، فالمعلومات رأس مال فكري وقيمة نوعية وقوة هائلة إذا ما استثمرت بشكل صحيح وفعال، ومع الكم الهائل من البيانات والمعلومات وتسارع الأحداث مطلوب من المؤسسات أن تواكب هذه الظروف وتعمل على جمع وتنظيم المعلومات وتحليلها ودراستها؛ لتكون قادرة على المنافسة والبقاء واستقطاب الجماهير إذ إنها بذلك تكون قادرة على وضع الخطط وصناعة القرارات وبناء الوسائل واستحداثها ومعالجة الأخطاء بأقصر الطرق وأيسرها، فمن غير المقبول اليوم أن تبقى هياكل المؤسسات الدعوية والتربوية خالية من مجالس ولجان "بيت التفكير (Think Tank)" بل يجب أن تكون هذه المجالس رديفة لمجالس صناعة واتخاذ القرار؛ فهي قادرة على أن توفر أجوبة شافية لأسئلة ظلت معلقة برسم الإجابة دهراً من الزمن أو يجب أن تكون كذلك، مثل: لماذا نتأخر هنا؟ ولماذا يغيب تأثيرنا على ساحة ما؟ ضعف الاستقطاب أو شيخوخة المؤسسة؟ وغيرها من الأسئلة والتحديات التي قد لا يلتفت إليها في ميدان العمل على الأرض.

على المؤسسات أن تواكب الظروف الحالية وتعمل على جمع وتنظيم المعلومات وتحليلها ودراستها؛ لتكون قادرة على المنافسة والبقاء واستقطاب الجماهير إذ إنها بذلك تكون قادرة على وضع الخطط وصناعة القرارات وبناء الوسائل واستحداثها ومعالجة الأخطاء بأقصر الطرق وأيسرها

ولكي تستدرك ما فاتها في موضوع علم البيانات، على المؤسسات التربوية والدعوية أن تبدأ حالاً في استحداث "بيت التفكير (Think Tank)" ليعمل باستقلالية، ويقدّم معلوماته بشكل علمي واقعي منطقي لا ينجر خلف العاطفة المجردة أو الانفعال الآني ، ولا السذاجة والعفوية التي تصاب بها مؤسساتنا في بعض قرارتها، وهنا جملة من الخطوات التي من شأنها أن تساعد في تحقيق ذلك:

- تطوير العمل الجماعي: ليغدو العامل من مقلد تابع يقتدي بمن سبق إلى قيادي يجتهد ويتوغل.

- الملفات التخصصية: يُفرَزُ مجموعة من المهتمين لتجهيز ملفات تخصصية -كل في مجاله وعلمه واهتمام - تُهيأ له الزيارات الميدانية، ويعمل على بناء قاعدة بيانات محكمة موثقة، تصبح مرجعاً ومستنداً مهماً يخدم الجميع.

- أوعية الخبرة: ونقصد تناقل الخبرات بين الأجيال المختلفة التي تضيف صنعة قيادية للباحثين الجادين، ولأجل ذلك فإن على المؤسسات الدعوية أن تؤثر مشاركة الشباب وتصبر وتنتظر، تنمي القدرات وتشجعها، وتمدهم بالدعم اللازم والرعاية الكاملة للوصول إلى النضوج، ولنتذكر بأن الخبرة لا تنمو في فراغ.

- المؤسسات البحثية: وهي مكملة للمقترحات السابقة؛ إذ إنها نقلة نوعية في العمل البحثي والإحصائي وهندسة مؤسسية تُعلِّم، تُدرِّب، تُـطوِّر، وتستمر.

- العمل على تأسيس المجالس التنموية: والتي من شأنها أن تجمع المهتمين والباحثين ممن برعوا فيما ذكر سابقاً، وظيفتها اكتشاف الأسرار والأرقام والعلاقات، واستشراف المستقبل، وتنقيح المشاريع، والخروج إلى تنفيذ جريء والسبق إلى الفرص.

وما هذه الاقتراحات العملية إلا تربيت على كتف القاعد المتراخي، ودعوة لتربية تخصصية في محاضننا؛ لتكون دفعة إيجابية ولبنة نوعية تضاف لصرح العمل الدعوي، لا نخشَى المحاولات الفردية ولا نغفل نقطة البداية والتحفيز وهي "التكليف"، وإياكم ومن يحدثكم: "وما شأن الهيئات الاستشارية في مؤسساتنا إذاً!"؛ فحديثنا هنا مختلف.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • رؤى تخطيطية، محمد أحمد الراشد
  • منهجية التربية الدعوية، محمد أحمد الراشد
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدون أردني مهتم بالشأن التربوي

شاهد أيضاً

مفهوم الشغف وتجارة بيع الأوهام

من آثار رواج ثقافة الشغف بين المسلمين التباس تصوراتهم لمفاهيم ومعايير "الحياة الطيّبة"، وبالتالي يتخبطون …