إفشاء الطفل لأسرار البيت: كيف ندفعه لكتمانها والحفاظ عليها؟

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » إفشاء الطفل لأسرار البيت: كيف ندفعه لكتمانها والحفاظ عليها؟
children

شبير: حديث الكبار عن أمور الآخرين، وجلسات الفضفضة أو (النميمة) أمام الأطفال، ونقلهم لأخبار بعضهم البعض، إما بشكلٍ مباشر أو من خلال الهاتف، في حضور الأطفال يدفعهم للتقليد.

شبير: القدوة هي أسهل أساليب التربية، لذلك يجب أن تحفظ أسرار طفلك التي يُؤّمنك عليها ولا تثرثر بها أمام الآخرين.

عزارة: بعض الأطفال لا يميزون بين السر والحديث العام، لذلك يجب توضيح ماهية هذه الأسرار وحدودها، مع إعطاء أمثلة توضيحية.

تجتمع "أم عمر" كل أسبوع مع جاراتها في جلسة "فضفضة" يتناولن خلالها كلّ ما يخطر على البال، بدءاً من الوضع السياسي والمادي مروراً بالمشاكل الأسرية والحديث عن أزواجهن، ثمّ يتحدثن عن أولادهنّ ومستواهم الدراسي، ولا تنسى "أم عمر" وصديقاتها تناول آخر مستجدات "الحارة"، والأهم من ذلك كله أن جلسة "الفضفضة" تلك تتم على مرأى ومسمع من أطفالهن.

ومن هنا بدأت تظهر مشكلة "عمر" الذي بات يُقلدها دون أن تدرك أنها السبب في ذلك، فقد قالت ذات يوم في تلك الجلسات بأنّ ابنها حصل على علامات سيئة، وتصرف بسلوك معين وعاقبه الوالد رغم أنّها وعدته بأنها ستسامحه ولن تقول لأحد، أليس ذلك إفشاء لسر وخصوصية عُمر!

واليوم وصل عمر لمرحلة إفشاء أسرار البيت والتحدث أمام أصدقائه وأقربائه عمّا حدث من خلاف بين والديه للجميع، شارحاً ذلك بكل تفاصيله مع بعض الإضافات من خياله، وغيرها من الأمور الأخرى التي تجهل الأم إفشاء طفلها له أثناء غيابها، حتى علمت أن أسرار بيتها أصبحت مكشوفة للعلن، فما الذي يدفع الطفل إلى إفشاء أسرار البيت؟ وكيف يمكن علاج هذه المشكلة؟

شخصية الطفل والتنشئة الاجتماعية

د. وليد شبير: إفشاء الأطفال لأسرار البيت يعود لأسبابٍ مرتبطة بشخصية الطفل، أو لأسبابٍ مرتبطة بأساليب التنشئة الإجتماعية

من جهته، قال الدكتور وليد شبير (أستاذ مشارك في علم الاجتماع في الجامعة الإسلامية بغزة): "إنّ إفشاء الأطفال لأسرار البيت يعود لأسبابٍ مرتبطة بشخصية الطفل، أو لأسبابٍ مرتبطة بأساليب التنشئة الإجتماعية"، موضحاً أن الطفل ضعيف الشخصية يحاول تعويض ذلك بالحديث عما يخص الكبار، ونقل تصرفاتهم وأفعالهم وتعليقاتهم، محاولاً دمج نفسه في منظومة المجتمع، وإثبات شخصيته.

وحول ما يخص جانب التنشئة الاجتماعية، أوضح شبير أنّ الطفل يتعامل مع الأسرار وخصوصية البيت بحسب ما يعوّده عليه والداه داخل المجالس ، لافتاً إلى أنّ حديث الكبار عن أمور الآخرين، وجلسات الفضفضة أو (النميمة) أمام الأطفال، ونقلهم لأخبار بعضهم البعض، إما بشكلٍ مباشر أو من خلال الهاتف، في حضور الأطفال يدفعهم للتقليد.

وذكر شبير أنّ الطفل يُسجّل كل تحركات والديه ثم يقلدهم ولو بعد حين، "من أجل ذلك احرص أن يكون حديثك وتصرفاتك وفق ما تريد لطفلك أن يفعله".

وشدد شبير على أن "عفوية الأطفال وعدم إدراكهم للنتائج، غالبًا ما تدفعهم إلى إفشاء الكثير من الأسرار بدون تفكير، ونقل ما يحدث داخل الأسرة من مشاعر سلبية وتفاصيل وملاحظات وتعليقات، أو نقل أي كلام قيل على ألسنة الوالدين"

ونوه إلى أن الطفل يمر بمراحل عمرية وبنموٍ مُختلف، "فالطفل ذو العامين أو الثلاثة أعوام لا يستطيع نقل الأسرار، لكن من عمر 4 سنوات وما فوق يجب توعيته بمخاطر ذلك خاصة إذا لاحظ الوالدين أنه نقل أي حديث داخل الأسرة للغرباء؛ لأنّ الطفل مرآة الأسرة"، على حد تعبيره.

القدوة أسهل أساليب التربية

وشدد شبير على أن القدوة هي أسهل أساليب التربية، "لذلك يجب أن تحفظ أسرار طفلك التي يُؤّمنك عليها ولا تثرثر بها أمام الآخرين، وحين يأتي طفلك ليخبرك بما شاهده في منزل الأقارب، أو الجيران، أخبره بأنك لا تريد أن تستمع لما يقال؛ لأنّ ديننا نهانا عن فعل ذلك، وأنه يجب علينا حفظ أسرار المنازل التي ندخلها.

ولفت شبير إلى أنّ أكبر خطأ يقع به الوالدان وبعض المقرّبين من الطفل بأن يُرحبوا ويستمعوا للطفل أثناء نقله للكلام دون منعه في الحال ، بل وإحاطته بالاهتمام حُباً وفضولاً في معرفة هذا السر عن الآخرين؛ لأنّ ذلك يُشجع الطفل على الاستمرار والتمادي في هذا الأسلوب.

وذكر أنه يجب تعويد الطفل على التحدث أمام الناس والمشاركة في الجلسات التي تناسب سنّه لتقوية شخصيته وزيادة ثقته بنفسه، مستدركاً "لكن يجب في الوقت ذاته الحذر من قِبل الوالدين في الحديث أمام أطفالهم في المواضيع الخاصة كالأمور المالية والمشكلات العائلية، والابتعاد عن المشاجرة أمامهم فالأطفال لديهم قدرة تخزين هائلة لجميع ما يستمعون له ويحدث أمامهم.

دوافع إفشاء الأسرار

المرشدة التربوية أسماء عزارة: حُب الفضول عند بعض الأمهات وتصرفاتهن الخاطئة كأن تطلب الأم من طفلها بأن يتلصص على أقاربه لتعرف أسرارهم، ينمي عند الطفل حب الفضول والميل إلى كشف أسرار الآخرين

من ناحيتها، قالت المرشدة التربوية أسماء عزارة:" إن ما يدفع الطفل لإفشاء أسرار المنزل خارجاً يتضمن عدة عوامل منها: الضغط الخارجي من قِبل الغرباء أو بعض الأقارب أو الجيران الذين يدفعهم الفضول لكشف أسرار الغير من خلال الأطفال عبر الأسئلة المتكررة والمحرجة التي لا يستطيع الطفل ببراءته وخجله أن يتهرب منها"، منوهةً إلى أنه مِن المهم شَرْح معنى الحفاظ على الأسرار، وتنبيه الطفل ألا يستجيب لأسئلة الاستدراج من الأقارب أو الأصدقاء.

وأضافت أنّ بعض الأسر لا تهتم بأطفالها ولا تستمع لمشاكلهم، وعندما يجد الطفل نفسه مهملاً من قِبل والديه فيتحدث عن مشاكل الأسرة وأسرارها للآخرين.

وبينت عزارة أنّ حُب الفضول عند بعض الأمهات وتصرفاتهن الخاطئة كأن تطلب الأم من طفلها بأن يتلصص على أقاربه لتعرف أسرارهم، ينمي عند الطفل حب الفضول والميل إلى كشف أسرار الآخرين ويبني سلوكاً سلبياً عنده.
وأردفت قائلة:" كما أن بعض الأطفال لا يميزون بين السر والحديث العام، لذلك يجب توضيح ماهية هذه الأسرار وحدودها، فمثلاً أن أبي أشترى لنا ألعاباً جديدة، هل يعد سراً؟ أو أن أمي اليوم كانت تبكي، هل يعد هذا سراً، أعطهم أمثلة توضيحية"

كيف يمكن علاج مشكلة كشف الأسرار

وأوضحت أنّ أكثر ما يؤثر في الطفل هو الحكايات والقصص، لذلك يجب على الأم تسخير الجانب القصصي في تعديل سلوكيات أبنائها السلبية، من بينها أهمية الحفاظ على أسرار المنزل.

وأضافت أنّ منع الطفل من فعل أمرٍ ما دون توضيح السبب يدفع الطفل لتكرار التصرف السيئ؛ لأنه غير واعٍ بمخاطر ذلك، مشيرةً إلى أنه يجب على الوالدين أن يشرحا للطفل بصورة مبسطة أهمية الحفاظ على الأسرار بصورة عامة.

وبينت عزارة أن تعزيز وغرس الجانب الديني داخل نفس الطفل له دور كبير في تعديل السلوك من منطلق الشرع وما حثنا عليه من حفظ الأسرار وثوابه الكبير عند الله ، فيتربى لديه هذا الإحساس منذ الصغر كحفظ وصون الأمانة وعدم إفشاء الأسرار.

وأكدت عزارة على ضرورة التحدث مع الأطفال حول سلبيات كشف أسرار المنزل أمام الطفل وما نتج عنها كأن تتحدث الأم عن حزنها لطفلها؛ لأنه أخبر الآخرين بشيء يضايقها وقد أشعرها ذلك بالإحراج، واستخدام أسلوب الإقناع وتوجيه الأسئلة كأن تسأله: هل تحب أن يعرف أحدٌ من الأقرباء أنك حصلت على درجات متدنية في الامتحان؟

وعن كيفية تعامل الوالدين مع الطفل لحظة إفشائه لأحد الأسرار أمام الآخرين أو محاولة إحراجهم بنقل كلام سلبي ذُكِرَ على لسانهم، أكدت عزارة على أنه: "يجب تجنب الصراخ على الطفل أو اتهامه بالكذب أمام الضيوف، بل يجب إيقاف حديثه بطريقة لبقة ومُشجّعة ومحفزة كأن تقول "فلان" شاطر ومتميز لكن له خيال واسع ويحب التحدث وتطلب منه أن يخبرهم ماذا عمل اليوم في البيت كترتيب غرفته، أو ما الجائزة التي حصل عليها الفترة الماضية وتدفعه للحديث عن إنجازاته واهتماماته بدلاً من المشاركة في حديث الكبار".

وختمت عزارة حديثها بالقول: "يمكن تدريب الطفل الذي اعتاد على نقل الحديث على كتمان الأسرار بإعطائه سراً بسيطاً، والاتفاق معه بألا يعلم أحد به، وإن نجح في ذلك يجب مكافأته والثناء عليه أمام الأسرة وإشعاره بالفخر، أما إن فشل في ذلك فيجب على الأم أن تخاصمه مدة قصيرة بحسب عمره، وأن توضح له السبب، مع الابتعاد تماماً عن الضرب؛ لأنه يعمّق المشكلة ويزيد الفجوة بينكما وعلى كل أم ألاّ تنسى فضلَ الدعاء والصبر والنفَس الطويل".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …