يُعدّ مجال التأصيل الشرعي والفكري الإسلامي للمفاهيم السياسية المعاصرة، من أهم المجالات التي اهتمت بها حركة التأليف الإسلامية في القرن ونصف الأخيرَيْن.
ويعود ذلك إلى عاملَيْن مهمَّيْن:
الأول/ هو أنه كان هناك الكثير من العَوَز في هذا المجال، بينما كانت الصحوة الإسلامية تدعو إلى نموذج إسلامي شامل في مجال الحكم، ويتواكب مع تطور الحضارة الإنسانية.
والثاني/ أن هذا المجال كان من أكثر من ينال منه خصوم الدين عندما كانت الصحوة الإسلامية تطرح البديل الإسلامي للحكم في مرحلة ما بعد تفكك الدولة الإسلامية الجامعة، وخروج الاستعمار الغربي المباشر من البلاد العربية والإسلامية.
وأهم أداة لتوثيق ذلك، وتأكيد احتواء الشريعة الإسلامية على أسس وقواعد سليمة للحياة السياسية والاجتماعية، هي استدعاء النصوص من القرآن الكريم وصحيح الحديث النبوي الشريف.
وبين أيدينا موسوعة علمية مهمة للدكتور توحيد الزهيري، تحمل عنوان: (الحريات العامة والحقوق السياسية في القرآن والسُّنَّة) وهو مجال من أهم المجالات التي يهتم بها المفكرون المسلمون، وكذلك المستشرقين في إطار السجال الفكري بين الطرفَيْن على مساحة الصورة الذهنية للإسلام والشريعة والحضارة الإسلامية.
مع الكتاب
الكتاب موسوعي، يزيد عدد صفحاته عن 600 صفحة، وانتظم في منهجية علمية تناولت كل ما يتعلق بالحقوق والحريات في القرآن الكريم، وفي السُّنَّة النبوية الشريفة.
قسَّم المؤلف كتابه إلى سبعة كتب، وكل كتاب منها قسَّمه إلى أبواب، وتناول في كل كتاب من هذه الكتب السبعة، مجالاً من مجالات الحقوق والحريات، وأدلته في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية.
الكتاب الأول كان عن محاربة الرّق وتحرير العبيد، وفيه أربعة أبواب:
الباب الأول/ تناول فيه مفاهيم عامة عن قضية سيادة الإنسان وتكريمه، وموضع ذلك في الشريعة الإسلامية.
بينما تناول الباب الثاني/ كيف ألغى الإسلام التمييز العنصري.
الباب الثالث/ تكلم فيه المؤلف باستفاضة عن كيفية تجفيف الإسلام لمنابع الرق، من خلال تحرير التجارة في البشر، وتحريم الربا، وإلغاء عقوبة الاسترقاق، وكيف تعاملت الشريعة الإسلامية مع أسرى الحرب.
فيما تناول الباب الرابع/ بعض الوسائل المستحدثة في الشريعة لتحرير العبيد، عاداً إياها فريضة إسلامية.
الكتاب الثاني - وكان موجزاً - تناول فيه النصوص القرآنية والنبوية التي توضح كيفية حفاظ الشريعة الإسلامية على حرية الإقامة والتنقُّل.
الكتاب الثالث تناول قضية شديدة الأهمية بالنسبة للنظام الاقتصادي الإسلامي، وتجد الكثير من التشويش من جانب خصوم المشروع الإسلامي، وهي قضية حرية التملُّك؛ فقد أثبت المؤلف في هذا الكتاب أن الشريعة الإسلامية قد ضمنت الملكية الخاصة والشخصية.
وفي الأبواب التسعة لهذا الكتاب، تناول المؤلف طائفة واسعة من القضايا المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي وقواعده، مثل حماية الملكية الشخصية وأموال الناس، وتحريم الاحتكار، وحق المسلم في الدفاع عن حقوقه، وأحكام الُّلقطة، وإحياء الأرض الموات.
الكتاب الرابع كان أكبر كتب الموسوعة، وكان عن حرية الفكر والرأي والتعبير، وتضمن تمهيداً مفاهيمياً أولياً في تعريف الرأي وحرية الرأي والتعبير، ومظاهر تكريم الإسلام للعقل الإنساني، قبل أن يتناول المؤلف الأحكام الشرعية الناظمة لهذا الأمر.
ومن بين أهم القضايا التي تناولها هذا الكتاب من الموسوعة، قضية تحريم الإسلام للإكراه، وضمانته لحرية الاعتقاد، وضمانات الشريعة للفرد والأمة في مسألة حرية الاختيار، بدءاً من التعليم، وصولاً إلى حرية اختيار الحاكم.
كما أثبت الزهيري في هذا الكتاب، ضوابط الشريعة الإسلامية لحرية الرأي، مثل تحريم القذف والغيبة والبهتان، وضمان حرمة الحياة الخاصة، قبل أن يصل إلى حرمة المساس بالأمن القومي للدولة، وكيف يمكن صيانته من خلال توحيد المواقف، والنهي عن الفُرْقَة.
الكتاب الخامس في الموسوعة خصصه المؤلف لقضية سبق أن تناولها في الكتاب السابق في أحد أبوابه، وهي الحرية الدينية، والتي حددها بحرية الاعتقاد والعبادة، وفيه باب الاختيار وحرية الدعوة والاختلاف، وباب عن قاعدة قرآنية مهمة، وهي قاعدة: "لا إكراه في الدين"، مبطلاً فيه بعض الآراء التي قالت بأن هذه العبارة التي وردت في الآية (256) من سُورَة البقرة، قد نُسِخَتْ.
الباب الثالث من هذا الكتاب، تناول فيه المؤلف قضية مهمة، وهي قضية الحق في تغيير الدين، وتناول فيها بعض القضايا الإشكالية، مثل حد الرِّدَّة، وفيه طرح آراء مخالفة للشائع في هذا الصدد، وكيف تناولها القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة التي تناولت هذه القضية.
الكتاب السادس تناول الحقوق السياسية، التي فصلها عن الحق في التعبير وحرية الرأي التي تناولها في الباب الرابع.
وفي هذا المجال، تناول أربعة قضايا أساسية، أولها قضية البيعة، وحقوق الرعية على الحاكم، ثم قضية العدل، كمعيار أساسي للعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم؛ فقد أكد على أن الطاعة للحاكم نظير عدله مع الرعية.
كما تناول فقه السلطة في الإسلام، وضوابط الإسلام لمنع إساءة استخدامها، مفرداً المجال للحديث في هذه النقطة عن الشورى.
الكتاب السابع والأخير من هذه الموسوعة خصصه المؤلف للحقوق القانونية، والتي وضعها صنو قيمة العدالة، والتي هي القيمة العظمى في الإسلام.
وفيه تناول مفاهيم مثل سيادة القانون، وكيفية تنظيم الشريعة لكل ما يتعلق بالوظيفة العدلية، وما يتعلق بتنظيم إجراءات التقاضي والشهادة أمام المحكمة.
وفي الأخير، فإن هذا المُؤَلَّف على أكبر جانب من الأهمية في توضيح مدى تخصص الشريعة الإسلامية في مثل هذه الأمور التي لا تزال الحضارة الغربية تبحث في استكمالها، وسبق بها القرآن الكريم والممارسة النبوية، مختلف المدونات الغربية التي حاولت رسم طريق هذه المجتمعات على هذا المسار.
مع المؤلف:
المؤلف هو الدكتور توحيد عبد الفتاح الزهيرى، وهو طبيب وكاتب مصري، وعضو اتحاد الكتاب المصريين، له عدد من المؤلفات المنشورة، تتنوع بين الآداب والفنون، بالإضافة إلى قضية تجديد الفكر الديني.
من بين مؤلفاته (نحو فلسفة إسلامية للجمال والفن) وصدر عن دار القلم بالقاهرة، عام 1998م، و(القرآن معجزة كل العصور: مدخل إلى فهم النص القرآني) وصدر عن دار الشعب القاهرية عام 2001م، و(الماء في القرآن والسنة والعلوم الحديثة: مقالات في التفسير) وصدر عن مكتبة الدار العربية للكتاب بالقاهرة، في العام 2003م.
حصل على عدة جوائز منها، جائزة الدكتور محمد شوقي الفنجري لخدمة الدعوة والفقه الاسلامي، عن بحث نُشر في كتاب (التحديات التي تواجه العالم الإسلامي)
بيانات الكتاب:
اسم المؤلف: د. توحيد الزهيري
اسم الكتاب: الحريات العامة والحقوق السياسية في القرآن والسُّنَّة
مكان النشر: القاهرة
الناشر: دار القلم (مصر/ الكويت)
تاريخ النشر: 2007م
الطبعة: الطبعة الأولى
عدد الصفحات: 604 صفحات