عَجِّل قبل الثلاثين!

الرئيسية » بصائر تربوية » عَجِّل قبل الثلاثين!
clock-statistics

في مجتمع لا يكف عن عقد المقارنات، واستعجال الشباب؛ لإنجاز كل الإنجازات المجتمعية المتعارف عليها والممكنة، مثل: الزواج، الحصول على وظيفة، استكمال الدراسة، السفر، أو ادخار المال، يحتار الكثير من الشباب ويشعرون بالتيه المطلق، وضياع أحلامهم وأهدافهم التي قضوا طفولتهم يحلمون بتحقيقها حين يكبرون، ثم يأتي المجتمع ليهدمها بما يُسمى بالواقع، ومتطلبات الحياة، فيهجر الشباب أحلامهم وتوقعاتهم، وينطلقون في دوامة الحياة، حتى إذا ما قاربوا الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر، اكتشفوا سيرهم في الطريق الخاطئ، فمنهم من يقرر تعديل المسار، ومنهم من يوقن بفوات الأوان لدرجة لا تدفعه لمحاولة التغيير.

فما المطلوب ممن تخرجوا حديثاً، ومن تجاوزوا العشرين بقليل، ولم تتبق سنين الطويلة حتى يصلوا الثلاثين؛ ليحققوا طموحاتهم وإنجازات المجتمع في آن؟ وما هو المخرج من تلك الحيرة لتحقيق ما يريده الفرد، والتخلص من ضغط الأهل والمجتمع لتنفيذ ما يرونه الأصلح من وجهة نظرهم:

1. حدد أولوياتك:

فبرغم كون هذه الخطوة بدهية للغاية، إلا أن الكثيرين - للأسف - يتجاهلون أهميتها وعمقها في حل الكثير من المشكلات وإنهاء مشاعر الحيرة، فإذا كانت أولوية إحدى الفتيات هي تعلم مهارات معينة واستكمال مسار الوظيفة في التعليم الجامعي أو الدراسات العليا أكثر من الزواج، فالأفضل أن تستخير الله وتتبع أولويتها، وكذلك القول بالنسبة للمتزوجة التي تعطي أولوياتها للعمل ولا ترغب في إنجاب الأطفال لفترة معينة، فكذلك يفضّل أن تميل لكفة هذه الأولوية في أفعالها، والشاب الذي يفضل أن يدخر مبلغاً من المال، أو يبدأ في مشروعٍ ما قبل الزواج، ويرى في هذا خطة أفضل بالنسبة له، فليفعل ذلك.

السبب في ذكرنا للزواج في الأمثلة السابقة كآخر أولويات الشباب (سيما من هم في مقتبل العمر أي في بداية العشرينات أو تجاوزوها بقليل)، هو أن تلك الترجيحات والتي لا تشمل الزواج كأولوية تمثل شريحة كبيرة من الشباب في عصرنا الحالي، فما يحدث هو أن يتخرج إنسان من نظام تعليم فاشل في مجمله، ثم يجد نفسه وقد ضيع 12 عاماً ثمينة من عمره، ليجد الشاب نفسه مُطالباً -على المستوى الشخصي- بأن يتعلم من جديد؛ للحصول على وظيفة مناسبة -على أقل تقدير- إن لم تكن مرموقة، ولهذا تجد الكثير من الشباب مُقبل على التعليم الذاتي وحضور الدورات والحصول على الدبلومات لسد فجوة التعليم المتردي.

ثم إذا ما فكر في أمر الزواج، فعليه الحصول على وظيفة وتوفير مبلغ من المال -هذا من الناحية المادية والتي تكون الشغل الشاغل للمعظم مع الأسف- وما إن يحققها حتى يظن نفسه مؤهلاً للدخول في مؤسسة الزواج، ولكن الواعين من الشباب سيدركون أنهم محتاجون للتأهيل النفسي والعملي والعقلي والتربوي والديني قبل الزواج أو إنجاب الأطفال، وهذه الأمور تستغرق وقتاً وجهداً.

ولكن ما يحدث -مع الأسف- وبرغم إدراك البعض لأولوياتهم وأهمية تلك الأمور المذكورة آنفاً، إلا أن ضغط الأهل والمجتمع يأتي ليحطم كل هذه المفاهيم والأولويات والمعايير، ويجد الكثير من الشباب أنفسهم وقد غرقوا في دوامة الوظيفة (غالباً في غير التخصص أو المجال المُفضَّل) بدون إعطاء أنفسهم فرصة لاكتشاف مهاراتهم الحقيقية وما ينوون عمله فعلاً، والبعض الآخر ينطلق لخوض تجربة الزواج وهم لما يكتشفوا ويتعرفوا على أنفسهم، أو على الطرف الآخر بشكل مناسب، وما لهم وعليهم من حقوق وواجبات، أو كيفية إنشاء مؤسسة الزواج على وجهه الصحيح، وتربية الأطفال كما يجب، وهكذا... تجد الشاب قد تَخرَّج وهو لا يملك أدنى فكرة عن تحمل المسؤولية، أو العمل وكسب لقمة العيش، ثم يقفز في مركبة الزواج، فيُصبح ليجد نفسه مسؤولاً عن بيت وزوجة ولا تكاد تمر شهور أو بضع سنوات حتى يصير أباً، وهو لم يفقه معنى الزوج الصالح أو الأب المسؤول.

برغم إدراك البعض لأولوياتهم وأهمية تلك الأمور المذكورة آنفاً، إلا أن ضغط الأهل والمجتمع يأتي ليحطم كل هذه المفاهيم والأولويات والمعايير

وتكون النتيجة هي ما نراه اليوم من ارتفاع نسب الطلاق والاكتئاب والعنف ضد الأطفال من ذويهم يصل أحياناً للقتل العمد، وكثيرون ممن وصلوا الثلاثين أو جاوزوها بقليل، وبدلاً من شعورهم بالفخر بإنجازاتهم -أو لنقل الإنجازات التي فرضها عليهم المجتمع- يجدون أنفسهم لما يتقدموا ولو خطوة واحدة، وما قطعوه من الخطوات الخاطئة يبدأون فعلياً في دفع ثمنها الآن.

والحل المقترح هو حرص كل إنسان في كل مرحلة من حياته على معرفة ودراسة أولياته قبل اتخاذه لأي قرار ، والعلم بأن هذا القرار قد يوافق أو يخالف هوى الأهل أو المجتمع، لكن على الإنسان أن يُجمع أمره طالما أن المتأثر الأول والأخير بالقرار هو الشخص نفسه لا غير.

ثم بعد المضي في أمر تحقيق الأولوية، تأتي مسألة تحمل التبعات، فالحاصل أنك قد تجد إحداهن بعد أن أجمعت أمرها وقررت الزواج بعد التخرج مباشرة، ثم لاقت نفسها مسؤولة عن بيت، ثم عن طفلة ثم أطفال وإذا بها تفيق في الثلاثين، لتكتشف أنها في حياة لم تردها، ومسؤوليات وأعباء لم تستعد لحملها، وأحلام رغبت في تحقيقها ولم يعد بوسعها الآن... إلخ. من دوامة الندم والإشفاق على النفس، فحين يتخذ الإنسان قراراً، عليه أن يدرس كافة التبعات ويكون متأكداً من قدرته على تحملها في نطاق المعطيات والفهم والاستعداد النفسي للشخص، وهذا مع الاستخارة والاستشارة وتفويض الأمر لله عند وبعد اتخاذ القرار اللازم.

حين يتخذ الإنسان قراراً، عليه أن يدرس كافة التبعات ويكون متأكداً من قدرته على تحملها في نطاق المعطيات والفهم والاستعداد النفسي للشخص

2. لا تتعجل:

قد يحصل بعد ترتيب الأوليات أن يتعجل الإنسان البدء بالعمل الذي هو بصدده حتى ينتقل لغيره، فتمضي به السنوات وهو ينتقل من مهمة لمهمة بدون الاستمتاع بالطريق نفسه الذي اختاره لتحقيق أهدافه، فيتعجل صاحب الوظيفة الترقية؛ للحصول على مرتب أكبر؛ لكي ينفذ مشروعاً ما أو يتزوج، وحين يحدث هذا يتعجل مرة أخرى للحصول على ترقية أو منصب آخر، أو يتعجل في الزواج إنجاب الأطفال وكبرهم، ولا خير في العجلة؛ ذلك أن الإنسان لا يعرف أين الخير ومتى، ثم إن الإصرار على أمر معين في الحياة أحياناً، كالزواج أو السفر أو غيرها من الطموحات الكبيرة لدى الناس وتجاهل الكثير من الأمور المهمة مثل ظروف ومكان السفر بالنسبة للسفر، واختيار الشخص المناسب بالنسبة للزواج، قد يفسد الأمر برمته ويجعله نقمة لا نعمة.

3. أعد اكتشاف ذاتك من حين لآخر:

فقد يقرر الإنسان مجالاً معيناً في بداية حياته، ثم يتراءى له بعد ذلك مسارٌ آخر، فلا بأس في اتخاذه -طالما رغب في هذا- ولا يوجد في العمل ما يُغضب الله، فالبعض قد يتردد في ترك تخصص ما، والانطلاق في مجال يحبه وهو موهوب فيه؛ لأنه ليس متخصصاً فيه ولا يملك الخبرة الكافية ، بيد أن عليه أن يتذكر أنه لن يعرف أبداً بدون التجربة، وأنه يملك هذه الفرصة الذهبية والمتاحة له الآن والتي قد لا يملكها لاحقاً.

وأخيراً، فاعلم أنك تملك عمرك كله لتنطلق فيه فلا تُحجِّم فرصك في الحياة وتَحصُر نفسك في نطاق زمني معين، وهذا لا يعني ألا تزن الأمور، ولكن في نفس الوقت انتبه ألا يمنعك حرصك وحذرك من استغلال الفرص المتاحة لك، فالكثير من الفرص الرائعة والمميزة لا تأتي إلا مرة واحدة، أما عن ترتيب أولوياتك فلا تضع في الصورة إلا نفسك طالما كان المُتأثر الأول والأخير هو أنت، وأولاً وأخيراً عليك بالدعاء والاستخارة فلا توفيق إلا بالله ومن عنده.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومترجمة من مصر، مهتمة بقضايا التعليم والأسرة والتطوير الذاتي

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …