كيف نربي طفلاً قارئاً؟

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف نربي طفلاً قارئاً؟
child-reading-under-tree

لا شك في أن مستقبل أية أمة مرهون بواقع أولادها، ذكوراً كانوا أو إناثاً، وأن الأمم المتقدمة تسخر كافة إمكانياتها لتلك الشريحة العمرية، حتى تصنع منهم نخبة مبدعة متطورة قادرة على القيادة والتأثير، ومن المسلّمات أن القراءة والثقافة والاطلاع من عوامل نهضة أية أمة تبتغي للمجد سبيلاً، وللخلود الفكري لتاريخها مساراً.

والأمة المسلمة هي أفضل الأمم بنص كلام ربنا عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] والأفضلية هنا مسؤولية وتكليف، وليست موضع مدح وتشريف، لكن لمن يعي حقيقة المهمة والرسالة الملقاة علينا كمسلمين، وظنّي أن الجميع مطالب باستنفار طاقاته وملكاته من أجل دينه وعزة أمته وتحقيقها الريادة والأستاذية.

ونحن اليوم سنتحدث عن إطار من الأطر الفكرية المهمة في سبيل الغاية الكبرى للأمة وكيف نحققها وهي:

كيف نربي طفلا قارئاً؟

إن القراءة من ثوابت هذه الامة، فنحن أمة اقرأ المباركة، وعليها، فتلك تبعة تستوجب العمل لا الركود، والنشاط لا الكسل، والاستنفار لا السبات.

والسؤال: ما هي الأدوار التي يجب تفعليها في سبيل تربية طفل قارئ؟ أو بصورة أخرى ما هي الفئات أو الجهات التي تستطيع تحقيق هذا واقعياً؟ والجواب سهل يسير وعليه ويتمثل بالآتي:

1. البيت
البيت هو المحضن التربويّ الأول الذي يؤسس كل جميل في الطفل لو أحسن الآباء فهمه، ويزيل كل سيئ ويطور كل موهبة بعد اكتشافها، ويعالج أي قصور في مهده، ولذلك فهو رائد التأسيس الأول، ومنه وإليه تعود المسؤولية في تنشئة الطفل بالشكل المرجو، والقراءة وغرسها في الأطفال كأية قيمة وخلق حسن نغرسها في أولادنا، بل هي قيمة متميزة، فلا يفعلها الكثيرون بل لا يقدمون عليها -إلا من رحم ربي- ولذلك فعلى الأسرة أن توفر لابنها مع بداية معرفته الحروف ما يدعم استمرار حركة لسانه ونطقه وصولاً لقراءته، فيأتي الأب بكتب الأطفال المنتشرة والمحددة لسنّه، والتي تحتوي على صور وأشكال، وتأتي الأم بحقائب فيها حروف وتقسيمات وكلمات معبرة، وتلك البداية ممتازة؛ لأن حصادها سيكون تنمية لذكائه ونضجه سريعاً، بالإضافة أن اليوم أصبحت الكثير من المتنزهات بها مكان للطفل وكتبه، وتلك فرصة حقيق أن تُستغل، فضلاً عن تشجيعه لاحقاً مع كبر سنه على القراءة وأهميتها، ودعمه بذلك مادياً وتحفيزياً، وهذه مهمة غاية في الأهمية على مستوى التأسيس العقلي له.

2. المدرسة
المدرسة هي المحضن الثاني للطفل، ودورها كبير في تأسيس العقل أيضاً، وتثبيت كل الأفكار السليمة ومتابعتها والعمل على تطويرها وجعلها واقعاً ميدانياً، وبغض النظر عن أن الكثير من المدارس تفرز في الطفل وعبر إدارتها لملف القراءة والكتب شيئاً من الكراهية تجاه الكتاب، فتجد الكثير من الأطفال يمزقون كتبهم الدراسية ويتذمرون من طريقة التدريس، وخصوصاً في المرحلة الابتدائية، وعليه فعلى الإدارات التربوية والتعليمية في المدارس الابتدائية أن تعيَ خطورة رسالتها في تعميق القراءة، وأهميتها في تميز عقل الطفل، وعليه فالدور خطير والوسائل مهمة، ومنها:
- جعل القراءة واقعاً في جدول الحصص لمزيد من التفتح والاطلاع.
- انتقاء الكتب التي تتناسب مع عقل الطفل؛ كي لا ينفر ويكره الأمر في مهده.
- الاهتمام بالمكتبات المدرسية وتغذيتها بما يحقق آمال الطلاب في الشغف بالقراءة.

3. الإعلام
إن الإعلام كان ولا يزال درجة من درجات الرسالة النبوية، والنبي الأكرم أمره ربه بأن يصدع بما يؤمر، والصدع هو إعلان، والإعلان جزء من الإعلام والتبليغ؛ لكي يسمع الجميع محتوى الرسالة والإعلام كرسالة أخطر ما يكون، فهو موجه للعقول ويعمل على تنفيذ ما يريده بالدعم المفتوح.
واليوم ووفق التطور الهائل في منظومة الإعلام المرئي والتقني أصبح العالم كله قرية صغيرة، ولذلك فالأمر جد خطير، ولا داعي لتجاهل الإعلام بحجج واهية بل إنني وبمنتهى الوضوح أزعم أن الإعلام أكبر داعم لكل خير وكل شر، وأسهل في غرس القيم، وفي هدمها أيضاً، وكل هذه الأمور واضحة وجلية ولا مجال للنكران، وعليه فالإعلام فطن لدوره وبدأت الكثير من القنوات في توسيع استضافة الكُتَّاب والمثقفين، وعمل حفلات توقيع لإصدارتهم وإقامة الندوات الثقافية، بل وجود برامج خاصة يقدمها كُتّاب، وأهل رأي وأصحاب أقلام، بغض النظر عن الأيديولوجية الفكرية.

4. النظم الحاكمة
إن الدولة عليها مسؤولية في تربية القرَاء وتربية الأجيال على حب القراءة وعشقها والشغف بها، ففي عام 2003م أصدرت وزارة الثقافة الفرنسية إحصائية لنسبة القراء في الشعب الفرنسي فأظهرت الدراسة أن معدل القراء هبط إلى 50% أي أصبح نصف الشعب الفرنسي يقرأ، فلم تعجب هذه الإحصائية وزير الثقافة الفرنسي فخرج بصحبة كبار الكتاب والمثقفين إلى الشوارع ليوزعوا الكتب على أفراد المجتمع ويحثوهم على القراءة والاطلاع، وأقاموا مهرجاناً كبيراً سموه (جنون المطالعة) وزعوا فيه الكتب مجاناً على أفراد الشعب؛ تشجيعاً لهم على القراءة، وهذه الفاعلية عظيمة الأثر حتى الآن، وقد كان لها أثر إيجابيّ على ما بعدها، وعليه فالدول العربية أولى بذلك الأمر، وتلك الهمّة فنحن أمة اقرأ ويجب غرس هذا الفهم وتحقيقه بشتى الوسائل المتاحة، والممكنة، كتخفيف تكلفة الطباعة والنشر، وعمل مهرجات شعبية ودعمها، كتلك التي تحدث متوازية مع معارض الكتب السنوية، المهم أن تتوفر الإرادة لذلك الأمر بعيداً عن الفساد والإفساد.

5. المجتمع
المجتمع هو التجمع الكبير للآراء والأطروحات والمراحل السنية والمتعددة وكل الأفكار وأصحاب الرأي، وعليه، فالدور الأكبر للمجتمع يكمن في نخبة وصفوة أهل الرأي والفكر والثقافة الكتاب والمثقفين، ودورهم يكمن في نشر مقالات وإذاعة حلقات عن أهمية القراءة، وتدعو لمجتمع قارئ، وتشدد على تربية الطفل القارئ؛ لكي يكون المستقبل مبشراً، كذلك من السهل عمل مسابقات بأسمائهم في سبيل إحداث حالة من التنافسية في القراءة، بما يخدم على الأمر بشكل فعلي وواقعي، بعيداً عن كثرة التنظير والإفراط في الأماني، ولو كانت الأماني لا تزال ممكنة.

ختاماً.. أولادنا هم مقلة العيون، والتربية التقليدية في كثير من الأمور لا تؤسس لتقدم، ولا تحدث عقلاً، ولا تبشر بمستقبل واعٍ، وأن صلاح الآباء وإن كان شرطاً أساسياً في صلاح الأبناء فأيضاً على الآباء أن يأخذوا بكل تطور وتقدم تقني أو علميّ في تربية الأبناء.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

لا تنظيم بلا التزام: كيف نحمي صفنا من الداخل؟

لا يمكن لأي مؤسسة أو شركة أو حتى جمعية صغيرة أن تحقق النجاح والاستمرارية ما …