تسهم الأسرة في تحديد نمط شخصية الابن من خلال التعامل خلال السنوات الأولى من عمره تحديداً، كما تبني الأسرة أساسات دائمة للنمو العاطفي والنفسي والفكري؛ لأن الأسرة هي أول مؤسسة تربوية تحتضن الابن وتبدأ بتشكيله نفسياً وعقلياً وروحياً .
ولا يجب أن يخلو هذا التشكيل من الحماية، ولكن يشترط أن تكون الحماية بوعي شديد وحذر بالغ؛ لأن المبالغة في حماية الأبناء تصنع منهم أشخاصاً مشلولي الإرادة مستقبلاً، وتضطرهم للبحث -طيلة حيواتهم- عمّن ينقذهم كلما تعرضوا لمشكلة أو ضغط، ولن يبادروا بالتعلم وتحمل المسؤولية وحدهم أبداً.
وأكثر من ذلك، سوف يعاني الأبناء من مشاكل نفسية كلما تعرضوا لمشكلة لسنوات طويلة، حتى يأتي الوقت الذي يتعودون فيه على المواجهة والتصدر للمشكلات وإيجاد الحلول بطريقة منطقية أو مقبولة على الأقل!
المبالغة في حماية الأبناء تصنع منهم أشخاصاً مشلولي الإرادة يبحثون عمّن ينقذهم كلما تعرضوا لمشكلة ولن يبادروا بالتعلم وتحمل المسؤولية
أغلب الناس يواجهون مشاكل حين ينفصلون عن أبويهم؛ لأن الأبوين يبالغان في الحماية، يصدّان الضربات دائماً بدون أن يعلم عنها الابن شيئاً، وفي أول موقف يجد الابن نفسه فيه وحيداً بدون والديه، تبدأ الصدمات تنهمرُ، سواء كان الانفصال اجتماعياً كالزواج، أو مالياً كالوظيفة، أو جغرافياً كالسفر... إلخ.
لتعرف إذا ما كنت تحمي ابنك أكثر من اللازم
إليك بعض الممارسات التي يلجأ الآباء إليها في ظروف اجتماعية ونفسية وتربوية مختلفة –ظناً أنها الطريقة المثلى للتعبير عن حبهم واهتمامهم– وأكثر الظروف التي تدفع بالوالدين لحماية ابنهما أكثر مما يجب:
1. إذا كان الابن وحيداً لأبويه، أو إذا رزقا بمولود بعد انتظار طويل وحرمان من الإنجاب.
2. إذا كان الابن مريضاً وله وضع صحي أو حركي خاص.
3. إذا كانا مغتربين ولا يثقان بالبيئة المحيطة تماماً.
4. إذا كان أحدهما يعاني –أو عانى سابقاً– من اضطرابات نفسية متعلقة بالقلق والوسواس، أو تعرض للتنمر أو تلقى تربية غير سوية في طفولته.
5. إذا كانا مشغولين –أو أحدهما مشغولاً– وأراد أن يعوّض ابنه عن غيابه القسري.
6. توارث أساليب التربية التي لا تناسب الواقع والظروف، وإهمال تعليمات التوعية والإرشاد التخصصية.
وأغلب ممارسات حماية الأبناء تكون طبيعية إن كانت في حدود المعقول، لكن المبالغة في ممارستها تحولها إلى ممارسات مؤذية -للأسف- ويكتشف الآباء لاحقاً أنها آذت ابنهم بدلاً من أن تحميه.
ممارسات حماية الأبناء تكون طبيعية إن كانت في حدود المعقول، لكنها مع المبالغة تؤذي الابن بدل أن تحميه
ولعل أهم النتائج السلبية التي يحذر خبراء الصحة النفسية من حدوثها بسبب الحماية الزائدة للابن:
- الفصام النفسي والضياع بين ما هو عليه وما يجب أن يكون عليه.
- الاتكال على الآخرين وعدم القدرة على تحمل المسؤولية.
- التردد في أية خطوة بسيطة كانت أم مهمة ومصيرية.
- العجز الكامل عن اتخاذ أي قرار حاسم والمضيّ بدون إشراف من آخرين.
- الهروب من المواجهة، وبالتالي التعرض لمشاكل نفسية وعملية.
- الاعتماد على الآخرين وضعف الثقة بالقدرات الشخصية.
ولكي تتجنب إيذاء ابنك بالحماية الزائدة، حاكم نفسك بالأسئلة التالية، فتلك هي أهم مظاهر الحماية الزائدة للأبناء:
1. هل تقلق على ابنك لدرجة أنه يتذمر من قلقك عليه ويشعر بتقييد حريته؟
سواء كان قلقك المفرط ناتجاً عن اضطراب نفسي تعاني منه لأسباب متعلقة بك أو بمحيطك أو بطفولتك، أو كان قلقاً متعلقاً بحالته النفسية وصحته وبيئته، يجب أن تخفف هذا القلق وتعالج الأمر مع نفسك بعيداً عن حياته وصحته النفسية.
2. هل تدلل ابنك أكثر مما يجب وتلبي كل طلباته بدون رفض أي منها؟
مهما كان السبب الذي تفعل ذلك لأجله، فإنك تفسد ابنك وتضعه على أول طريق الفشل وقلة الحيلة، أعد النظر وتعامل معه بحكمة فأنت تبني حياة كاملة، ولا تتعامل مع شخص عابر!
3. هل تستاء من انتقاد أمك أو أبيك أو أقاربك أو معلمة ابنك له، وتضايقك تعليقاتهم على سلوكه أو أدائه؟
إذا كانت الانتقادات موضوعية ومنطقية ومهذبة حين توجهت إليك أو إليه من أي شخص تثق بأنه يحبكما ولا يقصد إيذاء أي منكما، فعليك –واسمح لي– أن تعيد النظر في تصرفك، دع ابنك يتلقى الانتقاد المهذب البنّاء ويعمل على تحسين سلوكه .
4. هل تجد ابنك طوال الوقت أصغر عمراً وأقل قدرة من أن يلبي طلبات واحتياجات البيت من سوبر ماركت قريب، أو ينتظر حافلة المدرسة وحده، أو يرتب غرفته ويستعمل دورة المياه وحده؟
أود تنبيهك إلى أن الطفل الذي لا يتحمل المسؤولية ويشعر بها وينشأ مسؤولاً عن شيء ما -ولو كان ألعابه وقرطاسيته المدرسية- في طفولته لن يستطيع تحمل المسؤولية لاحقاً إلا بعد معاناة لسنوات.
الطفل الذي لا يتحمل المسؤولية ويشعر بها وينشأ مسؤولاً عن شيء ما في طفولته لن يستطيع تحمل المسؤولية لاحقاً إلا بعد معاناة لسنوات
5. هل تغيب ساعات طويلة عن المنزل -بحكم العمل أو غيره– وحين تعود تطلب من ابنك أن يلتصق بك ولا تفترقان إلا للنوم أو للخروج مرة أخرى؟
تذكر أن مهمتك ليس تدليله أو تربيته أو توجيهه في ساعة واحدة من النهار؛ إذ يجب عليك مرافقة ابنك بذكاء في جميع مراحل حياته وأنشطته اليومية، وإن كان عملك وانشغالك يمنعك عن ذلك فلا تضغط عليه في الساعة التي تقضيها معه في المنزل؛ لكي لا يكره وجودك وينفر من الاقتراب منك.
6. هل تخشى من أن تلحق بابنك مشاكل تعرضت لها بشكل شخصي؛ لأنك فقدت اهتمام والديك في صغرك، وتحاول ألّا تُعرّض ابنك لها؟
ليس شرطاً أن يعيش ابنك الحياة التي فرضت عليك، وإن كنت تظنّ أنك تمنع عنه مشكلة فأنت تعرضه لمشاكل أكبر بكثير، قد تخلّف انفصاماً في شخصيته.
7. هل تحاول تنشئة ابن مثالي لا يخطئ، أو يهمك أن تكون والداً مثالياً يمتدح الناس كماله؟
بالسعي إلى الكمال تضيع في الطريق الكثير من تفاصيل الحياة، وتضع الابن في حيرة مستقبلاً لا هو بمستطيع الوصول إلى الكمال ولا بقادر على العيش بشكل طبيعي ، دعه يواجه ويخطئ؛ ليتعلم!
8. هل تشعر بأنك تحاول معاملة ابنك كما عاملك والداك تماما؟
تذكر أن الزمان الذي ولد فيه ابنك مختلف بإمكاناته ومعطياته وتطوره عن الزمن الذي نشأت فيه، بتصرفك ستنشئ طفلا معاقاً في عالمه ولن يستطيع التعامل معه .
9. هل تمنع ابنك من المشاركة في الأنشطة المدرسية والنادي؛ خوفاً عليه من التضرر والاحتكاك مع البشر؟
متى سيحتك بالبشر إذن؟ عندما تتركه وحيداً في الحياة ويجد نفسه مضطراً لدفع الثمن من جهده وعمره؟