1. الخلط بين الحاجة والرغبة
من أكبر مداخل فوضى الأولويات في حياة المسلم، الخلط بين ما تحتاجه من جهة، وما تحبه أو ترغب فيه أو تشتهيه من جهة أخرى .كيف ذلك؟
لنقل إنك تحب العصير، وترغب فيه، بما يعني أنك في الغالب ستكثر الشرب منه، لكنك مهما عبأت جوفك من العصير فلن يحل محل الماء في الرَّي، أو يعوض أثر نقصه في بدنك، فأنت تحتاج إلى الماء وإن لم تكن تحبه أو تشتهيه كالعصير، إن الحاجة هي أمرٌ يجب إشباعه، أما الرغبة فأمر ينبغي إشباعه أو ربما يتوجب في أحيان، لكنه تال في ترتيب الحاجات.
- لعلك تود أن تحسن رفقة لأصحابك وزملائك، لكنك تحتاج إلى أن تحسن عشرة أهلك.
- لعلك ترغب في تعلم الفيزياء أو الفلك أو إدارة الأعمال، لكنك بحاجة إلى أن تتعلم دينك.
- لعلك تتمنى أن تكون روائياً مرموقاً، لكن عليك أن تتقن مبادئ الكتابة الصحيحة وتكون قارئاً جيداً في الأساس.
- لعلك تشتهي أن تنجز الكثير على قائمة مهام اليوم، لكنك تحتاج إلى أن تتم أورادك من الذكر والقرآن أولاً.
2. عقدة البطولة
حضرت مرة ندوة للشيخ إدريس توفيق –رحمه الله- قدم فيها نصيحة ذهبية دام أثرها معي حتى اللحظة، وهي أن العمل لله أو الدعوة إليه لا تتخذ دائماً هيأة القيادة والأدوار الرئاسية والبارزة اجتماعياً، ثم أشار إلى رجل عجوز قائم بضيافة المشروبات للحضور وقال: "أحيانا سيتمثل دورك -في العمل لله- في تقديم الشاي لأصحاب الزمام"!
هو ذاك، ليس في قاموس المسلم أدوارُ بطولة وأدوارٌ ثانوية، العبادة عبادة على أية هيئة مشروعة كانت، والعمل الصالح عملٌ صالح بأي قدرٍ كان، وليس ثمة حياة كبيرة وأخرى صغيرة في ميزان الله تعالى، بل النوايا هي التي تعظم أو تصغر.
لذلك خلّص نفسك من نزعة اللهاث وراء البطولات، وتحرر من الرغبة الملحة في تأمين التصديق الخارجي على مدى إنجازات وسعة أثرك ، وبكل بساطة وحّد قبلتك واصرف تركيزك إلى أن تكون فرداً مسلماً مسؤولاً، ودع حس مسؤوليتك الشخصي يأخذ بيديك لأدوارك ومهامك، لا العكس.
الخلاصة/ للشاعر الأمريكي ويليام روس والاس قصيدة بديعة عن الأمومة، يقول في بيت منها: "لأن اليد التي تهز المهد * هي اليد التي تحكم العالم".
ليس في قاموس المسلم أدوارُ بطولة وأدوارٌ ثانوية، العبادة عبادة على أية هيئة مشروعة كانت، والعمل الصالح عملٌ صالح بأي قدرٍ كان، وليس ثمة حياة كبيرة وأخرى صغيرة في ميزان الله تعالى، بل النوايا هي التي تعظم أو تصغر
3. نقص التفاعل الجاد مع الذات
كثيرٌ من المفاهيم المتعلقة بالذات تعاني من سوء الفهم وسوء التطبيق معاً ، من ذلك: الوعي بالذات، تقدير الذات، الثقة بالنفس، الأنانية، الغيرية... إلخ، وكل مفهوم يتطلب تفنيداً منفصلاً؛ لنفي ما علق به من شوائب المستوردات الأجنبية، فنكتفي في هذا المقام بالتفرقة الواضحة بين مسارين متداخلين:- السباحة الهائمة داخل رأسك والتجوال على غير هدى بين خواطر نفسك من جهة.
- التفكر الجاد والتحاور المجدي مع نفسك من جهة أخرى.
النوع الأول لا يعدو في الحقيقة كونه حيلة لتلافي مواجهة نفسك بالغطس في أعماق نفسك، ما معنى ذلك؟
تخيل إحضار كافة المقادير المطلوبة لعمل كعكعة ما، ثم إلقاءها جميعاً معاً في إناء وضربها ببعضها؛ بدعوى عمل كعكة، هل تتوقع حقاً أن يكون نتاج تلك الفوضى مادة تشبه الكعك من قريب أو بعيد؟ بالتأكيد لا؛ لأن عملية صنع قالب من الكعك تتطلب ترتيب أولويات الخطوات، وفصل المقادير والتعامل مع كلٍ بحسب طريقة طهوها، أما إذا كنت منشغلاً جداً، أو خائفاً جداً، أو متكاسلاً جداً، أو أي نوع من الأحوال المانعة جداً، ولا وقت لديك لأداء العمل على وجهه الصحيح، فلن تصل لعمل كعكة، أياً كان ما ستفعله وأياً يكن قدر الجهد الذي تبذله.
الكثيرون يعدون أنفسهم ممن يكثرون الحديث مع الذات والتفكر في دواخل أنفسهم، ومع ذلك، لا يبلغون شيئاً ذا جدوى أو أيَّ شيء على الإطلاق
وهذا هو السر في أن الكثيرين يعدُّون أنفسهم ممن يكثرون الحديث مع الذات والتفكر في دواخل أنفسهم، ومع ذلك، لا يبلغون شيئاً ذا جدوى أو أيَّ شيء على الإطلاق.
ذلك أن التفاعل الجاد مع الذات يعني المعرفة والفهم الواعيين لطبائع شخصيتك، ودوافعك، ومشاعرك، ورغباتك، ومخاوفك، في محاولة لتسترخي أو تصنع أو تبني أو تصلح أو تحسن أو تحل أو تتغاضى أو تتجاوز، أو تفعل أي فعل بنائي أو هدمي.
الخلاصة/ بناء تفاعل جاد مع الذات والحفاظ عليه هو نهج حياة من صحبة الذات، وليس مهمة تنجز في مرة، لذلك فهي تتطلب التعلم والتجريب إلى أن تصل لطريقتك الخاصة في التفاهم والتعامل مع ذاتك.