هل من الممكن أن يتعلم الأطفال تنظيم واستغلال الوقت؟ وهل ستنعكس هذه المهارة على شخصيته ونجاحه في المستقبل أم أنه لا يزال صغيراً على ذلك؟ وبماذا علي ملأ وقت فراغ طفلي؟
_______________________________________
الجواب: التربوية خديجة الدبشة
هناك مقولة مأثورة تقول: "يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك"!
ما أبلغها وأجملها من مقولة عندما نعلمها للأطفال منذ نعومة الأظفار، ربما لا يفقهون معانيها في عمر صغير لكنها ستبقى محفورة بداخلهم، وقبل أن ننظم وقت الأطفال يجب أن نغرس فيهم أهمية تنظيم الوقت.
ما هو الوقت؟ الوقت باختصار هو حياة الانسان وهو البديل لكلمة "حياة الانسان"، الوقت هو ما أعطاه الله لجميع خلقه بالتساوي، كل الناس لديهم نفس الساعات والدقائق والثواني في اليوم الواحد، سواء كانوا كباراً أو صغاراً، آباء، أمهات، معلمين، ملوك، رعية، جميعهم يملكون نفس القدر من الوقت في اليوم الواحد، ويأتي الاختلاف في كيفية استثمار كل إنسان رصيده من الوقت بما يراه مناسباً له، فكلما استثمر الإنسان وقته بشكل نافع كلما انعكس ذلك على إنجازاته في النهاية.
والوقت أثمن شيء في حياة الفرد، وهو عند المسلمين نعمة عظيمة فيه تؤدى العبادات كلها، فكل عبادة شرعها الله عز وجل لها وقت محدد تؤدى فيه، فالصلاة تنظم يوم المسلم، والصيام محدد ومنظم بالثانية من حيث الإمساك عن الطعام وموعد الإفطار، وهناك تنظيم يومي وتنظيم شهري وتنظيم سنوي كالحج، باختصار يقول لنا بشكل واضح أن تنظيم الوقت يجب أن يكون لحظياً في حياة المسلم ويجب أن تكون الحياة كلها منظمة تنظيما دقيقا.
وبالنسبة للأطفال فإن تدريبهم على تنظيم الوقت ممكن وأسهل من تدريب الكبار، وللأسف فإن الطفل يتدرب على العادات الحسنة واللبقة عند استقبال الضيوف وآداب المائدة لكن قليل من الآباء من يدرب أبناءه على تنظيم ساعات يومه، قد نعاني في مرحلة المراهقة من عناد الطفل ومحاولاته في أن يخالف ما اعتاد عليه لكنها ستكون عادة راسخة في حياته وسيعود لها في شبابه وسيكون على ما اعتاد عليه في الصغر من مهارات.
ومما يفشل الآباء في تدريب أبنائهم على تنظيم ساعات يومهم واستغلالها عدم وجود رؤية ووضوح ورسالة للحياة العامة للمنزل، فعندما يكون الوالدان بلا رسالة وبلا أهداف لن تنجح المهمة، لهذا نحتاج إلى خطة تربية ومهارات وأهداف مكتوبة.
وعلينا أن نتذكر أن الأطفال مقلدون، فالأم المنضبطة ينتقل انضباطها لابنها والأبناء يعكسون آباءهم في صغرهم بشكل كبيرفي المرحلة العمرية الصغيرة لذا على الآباء الانضباط وتنظيم أوقاتهم أيضا ليكتسب أبناؤهم هذه المهارة، فالطفل الذي يعيش في بيت فوضوي لن يتعلم تنظيم الوقت.
ولنتذكر أيضاً أن إدارة الوقت في حياة الطفل ستؤثر على نجاحه في كافة مناحي حياته، وسينعكس ذلك عليه بشخصية ناجحة، ويحميه من الفوضى، ويجعله مدركاً لكيفية تحديد أولوياته، ويمنحه الثقة وتقدير الذات وهذا أمر مهم جداً للطفل حيث إن عدم تنظيم الوقت للأطفال سيؤثر عليهم نفسياً كون جميع من حولهم ينجزون أكثر منهم، فمثلاً لأن وقت الطفل غير منظم اضطر للذهاب إلى المدرسة دون حل أحد الواجبات، وقد تم تكريم زملائه بينما تعرض للتوبيخ من المعلم، والطفل غير المنظم يلاحظ تطور مهارات زملائه مقارنة بمهاراته وهذا يؤثر عليه نفسيا، وهذه العادة يجب أن يكتسبها قبل دخول المدرسة وبلا شك هنا على الأسرة التحلي بالصبر خلال تدريب أطفالهم على هذه المهارة.
ولنجاح اكتساب الطفل لهذه المهارة يجب أن تكون هناك إرادة كافية عند الوالدين بالابتعاد عن الدلال الزائد للأولاد والحفاظ على الاستقرار العائلي، فالبيت الذي تكثر فيه المشاكل لن يكون لدى أفراده تفرغ لمثل هذه الأمور، كما يجب الحد من اختلاط الطفل بأطفال غير منظمين وإبعاده عن البيئات الفوضوية واختيار صداقات منظمة له لتعينه على اكتساب مهارة تنظيم الوقت.
ولنتذكر أيضاً أن وقت الفراغ الكبير سيدفع بالطفل للبحث عما يشغل وقته والاتجاه للعب بالإلكترونيات وبرامج التلفاز وغيرها من مضيعات الوقت أو الاتجاه لاستفزاز الآخرين والتكسير والتخريب للفت الانتباه له.
علينا كآباء أن نضع خطة عامة لتنشئة "الطفل"، فيجب أن تكون هناك مهارات وأنشطة تناسب ميول الطفل ويتشوق لاكتسابها، لغة جديدة أو مهارة رياضية محببة، وعلى الوالدين أن يشاركا ابنهما في التخطيط وتنظيم ساعات يومه وأن لا يتفرد في ذلك.
من المهم أن نضع بعين الاعتبار عندما نخطط مع اطفالنا أن نرتب اولويات كل طفل على حدة، ولا نجبرهم جميعا على نفس المهام، والابتعاد عن التشدد في وضع الروتين لكي لا يأتي الأمر بنتيجة عكسية.
ويجب أن يترك للطفل حرية الاختيار وأن ننوع له بالأنشطة وأن لا نضغط عليه ونجبره، فهو له طاقة تحمل معينة، بالإضافة إلى تجريب أشياء جديدة، بحيث يستمتع بوقته، حتى الدراسة يجب أن تكون بطريقة مشوقة وممتعة.