- وصف الإمام البنا "الفهم" المطلوب أن يكون عليه الأخ بأنه "الفهم الدقيق"، وجعل الفهم أول أركان البيعة، وذلك لأهميته.
وأصبح الأخ يحتاج مع جهاده وحركته بالدعوة إلى: "الفهم الدقيق - التكوين العميق - الحب الوثيق".
وتلك الصفات لهذه المتطلبات ليست أمرًا بسيطًا أو مجرد ثقافة أو مرحلة نمرّ بها مرور الكرام، إنما تحتاج إلى جهد متواصل، وتربية مستدامة، وضوابط ومظاهر تقوم عليها.
– ونوضح هنا - باختصار - تعريف بعض المصطلحات أو المسميات وتحديد المفاهيم التي يحدث فيها تداخل أو التباس، وهي:
1- الجماعة (أي جماعة الإخوان المسلمين).
2- المشروع الإسلامي المتكامل.
2- الأوعية التي تنشئها الجماعة.
4- الجماعات الإسلامية وغيرها من جماعات وطنية.
أولاً: جماعة الإخوان المسلمين
نذكر في هذا الشأن تلك النقاط المهمة:
هي جماعة من المسلمين، وليست جماعة المسلمين، ولا تحتكر صفة الإسلام لنفسها ولا تحتكر الحق عندها وتمنعه عن غيرها، أو تمنع غيرها من العمل للإسلام.
وهي تقوم على الفهم الشامل للإسلام وعلى العمل الشامل المتكامل له.
ولا تتبنى مذهبًا فقهيًا خاصًّا بها، وتحرص على الفهم الوسطى المعتدل الذي يسع الجميع.
ومن دخلها بإرادته واقتناعه بأهدافها ومنهجها، أصبح ملتزمًا بقيادتها وبضوابط وقواعد العمل فيها، ومن أراد أن يفارقها فله ذلك ولا ينزع ذلك الخروج عنه صفة الإسلام أو يمنعه من العمل للإسلام وفق رؤيته.
وهي - أي الجماعة - لا تنعزل عن المجتمع، وتمدّ يدها للتعاون على ما فيه مصلحة الإسلام والوطن. لكنها ملتزمة بثوابت الإسلام وبالثوابت الخاصة بها كجماعة، وبكيانها الذي تحرص عليه وعلى استمراره.
تحرص الجماعة على استمرار كيانها وتماسكه، وعدم ذوبانها أو انحسارها في مجال ضيق، أو التنازل عن أي جزء من مبادئها. وتاريخها الطويل وثباتها أمام شتى أنواع الضغوط مثال على ذلك.
الجماعة في مرحلة الدعوة والتكوين ستتعرض لكل أنواع المحن، وقد تطول بها مدة الامتحان، وليس هذا علامة فشل، طالما هي متمسكة بدعوتها، ملتفة حول قيادتها سائرة على طريقها. يقول الأستاذ الهضيبى للإخوان: "من شأن أصحاب الدعوات أن تموت في سبيل مبادئها".
ومحاور العمل ومراحل نموّها تسير في تلك المحاور: التعريف بالدعوة - التكوين بالتربية - التنفيذ بالعمل المتواصل والإنجاز للأهداف.
منطلقها وصبغتها إسلامية، وهي تحرص على ذلك، ومرجعيتها دائمًا إلى الإسلام وقواعده.
الجماعة لها أهداف كبرى تعمل لتحقيقها، وقد حددها الإمام البنا في مراتب العمل في رسالة التعاليم، وهي تحقيق: (الفرد المسلم – البيت المسلم – المجتمع المسلم – استقلال الوطن – إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق – استعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية وإعادة الخلافة – أستاذية العالم ونشر دعوة الإسلام فيه).
وتتبنى الجماعة مشروعًا إسلاميًا متكاملاً لنهضة الأمة الإسلامية، وتتحقق فيه تلك الأهداف الكبرى، وتدعو الجميع للعمل عليه والمشاركة فيه، كما قال الإمام البنا: "تتعاون عليه قوى الأمة جميعًا".
الجماعة تستمد مشروعيتها وحقها في العمل والدعوة من مشروعية العمل للإسلام والحق الذي تحمله وتدعو إليه، وليس لقانون أو حاكم أن يمنع ذلك أو يسلب منها ذلك الحق.
الباعث والرسالة: الباعث لنشأة الجماعة يتلخص في أنه: إبراء للذمة وأداء لواجب المسئولية التي نُسأل عنها أمام الله، وجبر للكسر الذي حدث في تاريخ وحال الأمة الإسلامية، فقد قامت ونشأت الجماعة لتؤدي هذا الواجب، وتُعلِي كلمة الله، بالعمل على التمكين لدينه في الأرض كلها وتطبيق شريعة الإسلام.
وبالتالي تكون كل أعمالنا من المنطلق التعبدي لله. كما لا تكون الجماعة غاية أو وسيلة، وإنما واجب وفريضة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وتستمر الجماعة إلى أن يتحقق كامل الأهداف والرسالة التي قامت من أجلها.
وهذه الرسالة من الناحية العملية توضحها الأهداف الكبرى التي تعمل لتحقيقها.
ليس من وسائل الجماعة إراقة الدماء واستهداف الأرواح أو استباحة الأعراض والأموال أو تخريب المنشآت، وعليها الصبر على ما تتعرض له من محن وإيذاء، سواء من الحكام الظالمين أو من غيرهم، وهذا هو سبيل أصحاب الدعوات من السلف.
وامتلاك الجماعة للقوة بالمفهوم الشامل: (قوة العقيدة والرابطة قبل قوة الساعد) أمرٌ خاضع للسياسة الشرعية ولضوابط الجماعة من حيث الإمكانية وتقدير مآلات الأمور وحالة الضرورة إلى غير ذلك من الضوابط التي أشار إليها الإمام البنا في رسالتي المؤتمرين الخامس والسادس. وقد يكون ذلك ممنوعا في مرحلة، وجائزا في مرحلة أخرى أو حتى واجبا، مع مراعاة الضوابط الشرعية والضوابط الخاصة بالجماعة.
توضح رسائل الإمام البنا وما صدر عن الجماعة من وثائق معالم وتفاصيل دعوتها والضوابط التي تلتزم بها.
ثانيًا: المشروع الإسلامي
تقدمه الجماعة للأمة الإسلامية بصورة محددة واضحة الأهداف والمعالم، وهي تتبناه وتقوده حسب رؤيتها، وتدعو الآخرين للعمل عليه والأخذ به. فهى تقدمه للأمة جميعًا ليعمل من يريد العمل عليه حتى ولو لم ينضم إليها، أو يعمل على جزء منه فقط، وكل ما تطلبه هو التعاون والتنسيق "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه".
الجماعة ترى أن هذا المشروع لنجاحه لا يمكن أن تنفرد به الجماعة وحدها، يقول الإمام البنا: "نريد إصلاحًا شاملاً يتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل، وتتعاون عليه قوى الأمة جميعًا"، وبالتالي فنجاحه هو محصلة عمل جميع العاملين للإسلام في المجتمع.
وإن هذا المشروع لا يمكن فرضه على الأمة بالقوة أو بالسلاح، أو من أعلى، وإنما ببناء المرجعية في القلوب للإسلام، وبصبغ المجتمع في مفاهيمه وسلوكياته بالصبغة الإسلامية، وهذا يتحقق بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالتربية والتأثير الإيجابي في المجتمع.
وإن المتطلبات الأساسية لنجاح هذا المشروع وضمان تطبيق شرع الله، هي:
تربية جيل مسلم، تربى على الإسلام، وحريص على حمايته وافتدائه والتمسك به، وهذا الجيل لا يقتصر على أعضاء الجماعة، وقد سماه الأستاذ سيد قطب: "القاعدة الصلبة" التي يقوم عليها الحكم الإسلامىي.
وكذلك من المتطلبات: تغيير حال المجتمع في عمومه، وانحياز غالبيته في عاطفته ورغبته إلى المرجعية الإسلامية والمشروع الإسلامي.
ولا بد من امتلاك السلطة التنفيذية - أي الوصول للحكم - وذلك بعد تحقق الأمرين السابقين في الغالب.
ولا يمكن التمكين للإسلام، واكتمال تطبيق شرع الله، دون تحقق هذا الأمر، ليس لذات السلطة، ولكن لأنها جزء أصيل في شريعة الإسلام وفي نجاح المشروع الإسلامي.
كما لا بد من تحقيق الاستقلال الحقيقي للوطن، خاصة في متطلباته الأساسية، وهذا الأمر يتم العمل عليه من ناحية قوى المجتمع، ومن ناحية السلطة التنفيذية أيضًا.
وإذا اختل شرط من الشروط السابق ذكرها، فإن التمكين لا يكون كاملاً - حتى ولو وصلوا للسلطة - ولا بد من السعي لاستكمال باقي أركانه.
يشير الإمام البنا في انحياز السلطة التنفيذية: "بعد عموم الدعاية، وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين".
لا يُغني مجرد العمل المنظم ووجود تنسيق وتعاون لمن يعمل في المجتمع، لا يغني ذلك عن قيام ووجود الجماعة المترابطة التي تقود وتوجه وتخطط وتواجه المعوقات والأعداء، وتتابع العمل عبر مراحله الزمنية.
لا تمانع الجماعة في الإدارة المشتركة لهذا المشروع الإسلامي الكبير، مع احتفاظ كل كيان بخصوصيته، أو حتى الوقوف عند حدوث التعاون والتنسيق في جزئية من جزئياته، وتسعى إلى ذلك دائمًا وترحب به.
ليس معنى وصف المشروع "بالإسلامي" أنه لا يسع القوى الاجتماعية والوطنية الأخرى، أو ينزع عنها صفة الإسلام، وإنما لتمييز منطلقات وصبغة ما يُطرح من مشروعات مختلفة، فإن كل من يعمل لإصلاح جانب من جوانب المجتمع ويعمل على تقدمه أيًّا كانت منطلقاته هو يؤدي دورًا في نجاح المشروع الإسلامي.
المشروع الإسلامي، إذا تكلمنا عن منطلقاته وضوابطه وأهدافه الثابتة، يتم فيه الاجتهاد البشري لوضع الخطط العملية، وتلك المساحة في المشروع (الخطط والبرامج) ليست ثابتة بل هي قابلة للتعديل والتطوير وتنقية ما يوجد فيها من نقص وأخطاء، وأصحاب المشروع الإسلامي يستفيدون من كل مصدر وتجربة ناجحة ومن المراجعة والتطوير (الحكمة ضالة المؤمن..) بشرط ألا تتعارض مع الثوابت، وأن يصطبغ تطبيقها بالروح الإسلامية.
ثالثًا: الأوعية التي تنشئها الجماعة
الجماعة لنجاح مشروعها وامتداده في شتى المجالات، ولتوظيف طاقات في المجتمع للعمل فيه، فإنها تُنشئ أوعية أو أذرعًا لها تحمل جزءًا من المشروع أو مجالاً من مجالات العمل والنشاط.
ولا يُشترط في هذه الأنشطة أن يكون عليها اسم الجماعة.
ومن أمثلة تلك المجالات: الذراع السياسية (أو الحزب السياسي) – الأنشطة الاقتصادية – المجالات والمؤسسات العلمية والمهنية من نقابات وخلافه – المدارس والجامعات – الإعلام والفنون – النشاط الرياضي.. إلخ.
وينضم لهذه الأوعية من عامة الشعب (رجل أو امرأة، مسلم أو غير مسلم) كل من يريد أن يسهم في ذلك الوعاء أو العمل والنشاط، وليس معنى انضمامه ومشاركته أنه أصبح من الإخوان أو يجب أن يؤيد الجماعة في مواقفها.
ويضع الإخوان ضوابط واضحة لمثل تلك الأوعية، منها:
أ- إذا كان الوعاء هو الذي أنشأته الجماعة، فتستمر تبعيته لها، حتى ولو بصورة غير مباشرة.
ب- أن يكون التوجيه في صورته العامة العليا للجماعة؛ لأنها التي أنشأت الوعاء وكلفت أفرادًا منها للعمل فيه لتحقيق جزء من خطتها ومشروعها.
ج- أن تراقب أداء ونشاط الإخوة المشاركين حتى لا ينحرفوا عن الهدف أو يهملوا في أداء واجبهم.
د- أن تقدم لهم التأهيل المناسب ليحققوا النجاح المطلوب، وكذلك الزاد التربوي المناسب لهم، وألا يهتز أو يتناقص ولاؤهم للجماعة إذا تنازعتهم مشاركات متعددة في هذا الوعاء أو في أوعية أخرى.
هـ- أن يتم تحديد المساحة المستقلة التي يتحرك فيها مسئولو ذلك الوعاء، وكذلك مجالات التنسيق مع الجماعة أو أوعيتها الأخرى حتى لا يحدث التضارب والاختلاف، وقد ظهر ذلك التنسيق والتفاهم في أداء المجموعة السياسية بالبرلمان أو في النقابات المهنية أو في غيره من أوعية، فقد تبنوا قضايا الأمة الإسلامية التي يعمل عليها المشروع الإسلامي، بالإضافة إلى اجتهادهم في وضع البرامج والأنشطة لمجال عملهم.
ألا يكون تعدد تلك الأوعية معناه تجزئة الجماعة إلى أقسام منفصلة: جماعة دعوية – حزب سياسي – جماعة أو جمعية خدمية.. إلخ، وإنما كيان الجماعة واحد بقيادة واحدة وبرؤيته الشاملة ومنهجيته للعمل فى كل المجالات، وإنما هذا وعاء يأخذ جزءًا من الخطة ويعمل عليه منطلقًا من مرجعيته للجماعة وإشرافها العام، ولا يسلب وجوده الجماعة من اهتمامها بهذا المجال أو غيره.
وهذا لا يتعارض مع احترام التخصصية بالنسبة للأفراد، والجماعة تحرص على حسن تأهيل وتوظيف الأفراد، وهو يساعد على إبراز رموزها في المجتمع في كافة المجالات.
هذه الأوعية تخضع في تشكيلها لقانون المجتمع الموجود، والذي ينظم مجال عملها وشروط إنشائها.
رابعًا: الجماعات الإسلامية الأخرى وغيرها من جماعات وقوى وطنية
1- الجماعة ترحب بوجود كل ذلك، وتسعى دائمًا للتعاون والتنسيق حتى ولو في مجال جزئي أو موقف من المواقف أو نشاط من الأنشطة، مع احتفاظ كل كيان بخصوصيته.
2- منهجية الجماعة مع الآخرين دائمًا تحرص على البعد عن الدخول في صراع، وإنما تدعو الجميع للعمل الإيجابي وليس السلبي "ميدان الجهاد فيه متسع للجميع".
3- الجماعة تعمل على إزالة حواجز الفرقة، وتتمنى أن يتفق الجميع على أسس واضحة للفهم والعمل دون الإخلال بأسس المشروع الإسلامي الذي تقدمه الجماعة، وبناء الثقة فيما بينهم واحترام كل كيان لخصوصية الآخر.
4- ولا مانع عند الجماعة من تعدد الجماعات العاملة للإسلام أو أن يزداد عددها، ويعمل كلٌّ منها على جزء من المشروع الإسلامي أو حتى عليه كله.
ولكي يكون دورها إيجابيًا ينصح الإمام البنا: أن تكون هناك آلية للتعاون والتنسيق حتى لا يُضادّ بعضهم بعضًا، وأن يبني اللاحق على عمل السابق فلا يبدأ من الصفر، وألا يعتبر عمله على جزء من المشروع الإسلامي أن هذا هو الإسلام كله، وأن يكون هناك اتفاق ووحدة في الأهداف والرؤية.
ونأمل أن يأتي يوم تتسع فيه مساحات التعاون مع الجماعات الإسلامية إلى نوع من الوحدة والائتلاف، فهم شركاء أصليون معنا في المشروع الإسلامي.
5- تضع الجماعة ضوابط للأفراد في علاقتهم بالدعاة الآخرين، منها حسن أداء النصيحة، والتعاون إذا كان متاحًا، وعدم التطاول أو الاستعلاء على أحد حتى ولو كان عمله جزئيًا، والاهتمام بنشر الفهم والوعي الإسلامي الصحيح بأسلوب مناسب. ومن يخرج من أفراد الجماعة على هذه الضوابط، فقد خالف منهجية الدعوة وخرج على آدابها وضوابطها.
6- تعتبر الجماعة آلية الانتخابات بالمجتمع جزءًا أساسيًا من آليات الديمقراطية، ومنفذًا قانونيًا للتعريف ببرامجها وأهدافها ورموزها، وتهتم بذلك المجال حسب إمكانياتها، وتعتبر هذا مجال تنافس وطني شريف بين البرامج العملية، وليس صراعًا ينبني عليه التناحر وتباعد النفوس وغير ذلك من مظاهر سلبية، وهي تضع لمشاركتها في هذا المجال أهدافًا محددة وتتعاون مع من يرغب في إطار تلك الأهداف.
وفى الحياة البرلمانية، تعتبر الجماعة أن وجود المعارضة الصحيحة القوية نقطة مهمة لسلامة الحكم وعدم انحرافه أو استبداده.
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الإخوان المسلمون