بلاغ الرسالة القرآنية

الرئيسية » كتاب ومؤلف » بلاغ الرسالة القرآنية
8600639

القرآن الكريم هو الحبل الممتد من الله إلى البشر ونجاتهم تقوم على مدى التمسك به شريعة وعقيدة علماً وعملاً باطناً وظاهراً، كما هو رسالة السماء إليهم فيه حياتهم وعزهم وتمكينهم، وحتى يتلقى المسلمون هذه الرسالة بمزيد عناية وفائق اهتمام كان لا بد من التعرف إلى المُرسل والرسول ومتن الرسالة وفحواها، فكان هذا الكتاب ليجدد المسلم إيمانه ويصحح مساره وينطلق من القرآن نحو عمران يستهدف الإنسان إذ هو الفرد والمؤسسة وهو العامة والخاصة وهو المجتمع والدولة.

مع الكتاب

تحدث المؤلف في مقدمته عن ضرورة تأميم الدعوة إلى الله، أي تحريرها من كل انتماء حركي ضيق بالمعنى السياسي للكلمة؛ لأن الدعوة أو (الصحوة) هي في الأغلب الأعم اشتغال بالمعلوم من الدين بالضرورة إذ قلما يميل الشأن في هذا إلى مجرد الاختلاف، ثم ركز المؤلف في كتابه على ضرورة تعديل المنهج المقلوب الذي انطلق به البعض من (العمران إلى القرآن) حيث يبدأ الانطلاق من (القرآن إلى العمران) والذي هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته ودعوته.

ثم أردف المؤلف المقدمة بصفحات تحدث فيها عن تبصرة المنهج: وهو العودة للقرآن الكريم مدارسة وتدبرا، فالتدبر يكشف أن النظر لا يغني عن الإبصار، فالمرض نظر بلا إبصار، والقرآن كله بصائر للناس، والبصائر جمع بصيرة وهي الآية التي تبصّر الناس حقائق الوجود، وتدلهم على الطريق السالكة إلى الله.

في اكتشاف القرآن تدبرا وتفكرا

يوضح المؤلف أن القرآن الكريم هو متن الرسالة التي أرسلها الله عز وجل إلى الخلق ولا سبيل لمعرفة الحقيقة إلا من خلاله، فلا بد من التدبر الذي هو المنهج الرباني لقراءة القرآن والذي بدوره يحيل الإنسان على التفكر الذي هو المنهج الرباني لقراءة الكون، وبالتدبر والتفكر يكون الإبصار.

في التعرف إلى الله والتعريف به
إذا كان القرآن الكريم هو رسالة الله فإن أول مقاصد القرآن هو تعريف الناس به، لهذا جاء تعريف الله لذاته سبحانه بأسمائه الحسنى مباشرة بعد التنبيه لعظمة القرآن كما ورد في سورة الحشر، والإنسان إذا وصلته رسالة فإن عينيه تبحث بسرعة عن المُرسِل إذ أنّ قدر قيمة المُرسِل عند المرسل إليه تكون قيمة الرسالة، فلا بد من معرفة صاحب الرسالة بداية.

وثمة حقيقة وجودية تفضي إلى أنّ الإنسان مخلوق لذا كان الواجب الأول عليه أن يبحث عن الله الخالق بصفة الخالقية وكان أول حق لله رب العالمين على الناس هو حق الخالقية.

ثم بين المؤلف مفهوم الخلق وكيف أن قضية الخلق تمثل مفتاح فهم الربوبية والمعنى الوجودي والوظيفي للإنسان وأن الإحساس بوجوب حق الخالقية على الإنسان يخرج المرء من التيه الوجودي الذي تاهت به أفكار الكفار من العالمين وبالتالي يخرجه من الظلمات إلى النور.

في اكتشاف الحياة الآخرة
الحياة الآخرة وهي التي تنتمي لعالم الغيب، والتي هي ركن من أركان الإيمان، وإن كان المسلمون يؤمنون باليوم الآخر إلا أن آثار ذلك في حياتهم قليل بسبب عدم الإحساس بحقيقته في وجدانهم وضعف السير إليه، فهو عدم إبصار، فلا بد لكل مسلم من عمل إيماني وجب عليه السعي لاكتسابه لاكتشاف المشاهد الإيمانية للحياة الآخرة من خلال المشاهد القرآنية.

في اكتشاف الصلوات وحفظ الأوقات
الصلاة كانت أول عمل من العبادات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان بالله وتوحيده، كما أن الصلاة أول عمل تعلمه الرسول الكريم من تطبيقات القرآن مما يدل ذلك على أهمية الأمر في ضرورة معرفة أول ما يبتدأ به من أمر البلاغ.

فالوظيفة الأولى للإنسان في الكون هي عبادة الله عز وجل وأن خلاصة دين الإسلام عقيدة وشريعة، هي إخلاص العبادة لله الواحد والصلاة هي مفتاح كل شعيرة من شعائر الإسلام، وكما أنّ الصلاة فعل فهي كذلك ترك لكل منكر من الكبائر، وكأن الصلاة هي ذاتها شخص معنوي في هيئة نبي مرسل يؤدي مهمة تبليغية أو عبد مصلح يقوم بوظيفته الإصلاحية.

في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإسلام رسالة، وكل مسلم تعلقت به الرسالية، بل إن شهادة الله لهذه الأمة بالخيرية بناء على هذا البلاغ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المؤمنين مقرونة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله، وهذا كله نتيجة الموالاة في الله، ثم استدل المؤلف على عشر قواعد في الدعوة إلى الله من كتاب الله وقد بينها وشرحها شرحا ممتعا وافيا.

في اتباع السنة تزكية وتعلما وتحلما
السبيل إلى كل البلاغات القرآنية السابقة لا يكون إلا عن طريق اتباع المبلِّغ محمد رسول الله إلى العالمين، ويوضح المؤلف كيف يكون التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم وكيف نتبع سنته في الوقت الذي يسيء فيه كثير من المتدينين للسنة؟
يكون الاتباع للنبي والتأسي به عن طريق التزكية والتعليم، فالتعليم فهو معرفة الحلال والحرام وسائر أحكام القرآن والسنة، والتزكية: تطهير النفس وتربيتها، ومن ثم فإن الاتباع العام للرسول صلى الله عليه وسلم مفتاحه التحلم بحلمه، فالأسوة هي التخلق، والتأسي: اتباع السيرة، والتخلق بما كان عليه المتأسّي به من خُلق عام، والخُلق هنا هو كل الأوصاف التي كان يوصف بها في سلوكه وعمله، عدا الأوصاف الجبلية التي لا يمكن اكتسابها بالتأسي ولا غيره.

في المفاتيح الثلاثة
يبين الكاتب أن الدين جاء ليكون حركة إنسانية في الزمان والمكان لا نصوصاً تتلى ولا قصصاً تُحكى فحسب، فالأمانة التي حملها الإنسان إنما هي أمانة عمل، ثم يباشر المؤلف بتوضيح مفاتيح باب الخروج إلى العمل والتي هي أصول لما سواها وهي:

المفتاح الأول: اغتنام المجالسات، ويكون هذا الاغتنام في الحرص على مجالس القرآن وهذه المجالس خير أنواع مجالس الذكر، ويقوم هذا العمل على منهج واضح وبسيط ويعتمد على قسمين:

- الاعتصام بالقرآن آية آية كمصدر أول للتدين والدعوة إليه: ويكون هذا الاعتصام بأن يسلك الإنسان في مجالس القرآن ومن خلالها يسير إلى الله ويتتبع المنهج القرآني بالتلاوة والتعلم والتعليم والدراسة والتدارس والتدبر في الآيات والنظر في مآلاتها وعواقبها في النفس والمجتمع.

- الاعتصام بالشمائل المحمدية نموذجا أعلى للتطبيق: ويكون بتتبع معالم سَيْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك مبثوث في كتب السنة وعلومها، ويرى المؤلف أن أجمع علوم السنة الموضوعة لبيان هذا المنهج هو (علم الشمائل المحمدية): وهو علم يبحث في صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم الخِلْقية والخُلُقية، وكيفية سيرته مع ربه، وسيرته في نفسه، وفي أهله، وفي أصحابه والناس أجمعين.

المفتاح الثاني: التزام الرابطات، والمقصود بها بيوت الله حيثما كانت، حيث إن المقياس الذي يقاس به نجاح التربية في المجالسات هو مدى الالتزام برباط الصلوات، فرباط المسجد منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد من سار على سنته هو المدرسة الأساس للدعوة الإسلامية.

المفتاح الثالث: تبليغ الرسالات، ويقوم هذا المفتاح على كيف البلاغ؟ إذ البلاغ في المسلمين اليوم ليس بلاغ (خبر) هذا الدين وإنما البلاغ الذي يحتاجه المسلمون اليوم هو بلاغ (التبصير) لا بلاغ التخبير.

مع المؤلف:

فريد الأنصاري ولد في إقليم الرشيدية في المغرب عام 1960م، حاصل على عدة شهادات منها دكتوراة في الدراسات الإسلامية تخصص أصول فقه، له عدة مؤلفات قناديل الصلاة، سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة، ميثاق العهد في مسالك التعرف إلى الله.

بطاقة الكتاب:

اسم الكتاب: بلاغ الرسالة القرآنية من أجل إبصار لآيات الطريق
المؤلف: فريد الأنصاري
مكان النشر: القاهرة
سنة النشر: 2018م
عدد صفحات الكتاب: 182صفحة

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …