بندقية المقاومة.. إرث أجيال فلسطين

الرئيسية » بصائر الفكر » بندقية المقاومة.. إرث أجيال فلسطين
palestine

أثبتت السنوات الخمس الأخيرة، أن المقاومة والنضال للتحرير مكون أساسي في النسيج الفلسطيني، يرضعه الأطفال في لبان أمهاتهن، لا يحتاجون فيه لخطب أو شعارات أو تنظيمات، بل تكفيهم حجارة، أو سكين، أو حتى بالون، وربما حفنة أرز، لاختطاف النوم والأمن من أعين الاحتلال.

فبالرغم من الضغوط الداخلية والخارجية على العمل النضالي الفلسطيني، إلا أنه منذ أعيد إشعال فتيله فيما يعرف بالانتفاضة الثالثة أو انتفاضة القدس في 2015، لم ينطفئ بريقه حتى الآن، بل يزداد إرهابًا للعدو، وإبهارًا لمتابعي المشهد.

أزمة الخناق

إن العمل عن بضع عمليات نوعية تشهدها الساحة الفلسطينية اليوم بتمجيد، لا يأتي من منطلق ضعف الهمم في مقاومة الاحتلال حتى بات القليل داعياً للانبهار؛ وإنما لأن الشباب الفلسطيني استطاع اختراق جدران التضييق المختلفة، ولم يضع بوصلة الجهاد ضد الاحتلال بالرغم من محاولات تغيير وتمويه أصول القضية .

فمعظم منفذي العمليات شباب في العقد الثاني من العمر، وربما ولد الكثير منهم بعد اتفاقيات أوسلو، ونشأ في ظل تقارب السلطة الفلسطينية من الاحتلال بتنسيق أمني، أو صمت سياسي.

كما لم يعايش العديد منهم تنظيمات العمل النضالي التي تجوب الشوارع الفلسطينية تحت أي لواء يحارب الاحتلال، بمسمى الجهاد الديني، أو الكفاح القومي، أو حتى العمل الإنساني، بعد أن اختطفت الحسابات السياسية بوصلة بعض من الحركات الفلسطينية.

ويضاف لما سبق؛ أن القضية الفلسطينية تعاني أسوأ حالاتها التاريخية؛ فقد تخطى الأمر اتهام الشعب الفلسطيني ببيع أرضه وخيانة جيرانه ...، إلى حد التشكيك في عدالة القضية ذاتها، والسعي دون حرج لتسويتها بأي تنازلات ترضي الجانب الغربي في المحافل الدولية.

القضية الفلسطينية تعاني أسوأ حالاتها التاريخية؛ فقد تخطى الأمر اتهام الشعب الفلسطيني ببيع أرضه وخيانة جيرانه، إلى حد التشكيك في عدالة القضية ذاتها، والسعي دون حرج لتسويتها بأي تنازلات ترضي الجانب الغربي في المحافل الدولية

أما الحديث عن الدعم الغربي للصهاينة، فهو غني عن الذكر، لا سيما في ظل سفور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في قراراته المجحفة للشعب الفلسطيني، والجائرة على ما ارتضاه من بعض الحقوق التي اعترف بها المجتمع الدولي، منذ بداية المأساة الفلسطينية.

ووفقًا لما سبق فإن النظر للعمليات النضالية اليوم، لا يمكن حصره في مشهد إصابة أو مقتل جند من الاحتلال، على أحد الحواجز، أو في بعض المستوطنات؛ بل يجب إدراك ما يحمله من تدافع الأجيال في المقاومة الفلسطينية، والإصرار على أدبيات القضية بالرغم من محاولات تمويهها.

فتشير إحصائيات مركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، إلى أن عام 2018، شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عمليات المقاومة التي بلغت أكثر من 4367 عملية، أردت 11 قتيلًا، و160 مصاباً.

وتنوعت تلك العمليات بين مواجهات مباشرة، وإلقاء حجارة، وزجاجات حارقة، وتبادل إطلاق نيران، وطعن، ومحاولات دهس، وعبوات ناسفة، وتصدٍ للمستوطنين، ومظاهرات ومسيرات.

كما أوضح الدكتور محسن صالح، في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني السنوي الصادر عن مركز الزيتونة، أن إحصائيات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، تشير إلى أن عام 2017 سجل 1096 عملية مقاومة في الضفة الغربية، و368 في مدينة القدس، بينما أشارت إحصائيات موقع (فلسطين نت)، إلى أن العدد بلغ 4758 عملية.

وفي 2017 أشار إحصائيات (الشاباك) إلى أن عمليات المقاومة بلغ عددها 1096في الضفة الغربية، و368 في القدس، في حين أحصاها التقرير السنوي لموقع (فلسطين نت) 4758 عملية، أما عام 2016م، فجاءت إحصائيات الشاباك فيه تسجل 1033 عملية مقاومة في الضفة الغربية، و327 في القدس.

وجاءت إحصائيات الجهة ذاتها لعمليات المقاومة في 2015، توضح بلوغها 5383عملية؛ وهو ما عني زيادتها عن عم 2014 بمعدل ضعفي عمليات إطلاق النيران، و5 أضعاف عمليات الدعس، وضعفي استخدام العبوات الناسفة.

الذئاب المنفردة

وبرزت خلال السنوات الخمس الأخيرة، استراتيجية (الذئاب المنفردة)، في أعمال المقاومة الفلسطينية، والتي نجحت في إفشال أهم ركائز نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، من الإنذار المبكر والردع؛ وهو ما قال عنه الكاتب العبري رون بن يشاي في صحيفة يديعوت أحرنوت "إن انتفاضة الشباب عفوية لا يوجد معلومات عنها، فلا تمتلك الحكومة الإسرائيلية وسيلة عسكرية ولا سياسية لوقفها".

وتعرف الأمم المتحدة "الذئاب المنفردة"، بأنهم أشخاص ينفذون عمليات مسلحة بوسائل مختلفة بشكل منفرد بدوافع عقائدية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو حتى مرضية دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، ومن دون أن يكون لهم ارتباط مباشر بشبكة على الأرض المستهدفة.

تعرف الأمم المتحدة "الذئاب المنفردة"، بأنهم أشخاص ينفذون عمليات مسلحة بوسائل مختلفة بشكل منفرد بدوافع عقائدية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو حتى مرضية دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، ومن دون أن يكون لهم ارتباط مباشر بشبكة على الأرض المستهدفة

ويقول الباحث العسكري رامي أبو زبيدة، في تصريحات نشرها المركز الفلسطيني للإعلام، إن المقاومة الفردية ليس مجرد فكرة رومانسية، أو حراك لغرض التجديد، ولكنها نتاج الحالة المتأزمة والضغط الكبير الذي يتعرض له قطاع غزة، والقضية الفلسطينية، والشباب على وجه الخصوص .

ويضاف لما ذكر أن تلك العمليات تدفع الشباب الفلسطيني للاقتداء بها، لاسيما وأنها تتميز بالشجاعة وبساطة التنفيذ، وتعتمد في الأساس على عنصري المواجهة والمفاجأة.

مشاهد البطولة

فأثرت عملية الشهيد عمر أبو ليلى، الملقب بـ(رامبو فلسطين)، على الرأي العام الفلسطيني، والإسرائيلي، لا سيما وأنه نجح في طعن مجند صهيوني عند نقطة أمنية والاستيلاء على سلاحه، ثم أخذ سيارة عسكرية وهاجم تجمع عسكري صهيوني، كما هاجم مستوطنين بالمنطقة، ثم اختفى عن الأنظار.

وقد أظهرت عملية سلفيت مدى ارتباك جيش الاحتلال أمام تلك التحركات، لا سيما وأن المنفذ كان في الـ16 من عمره، واستطاع قتل ثلاثة صهاينة بينهم حاخام صهيوني، مسؤول عن مدرسة عسكرية دينية، كما أصاب العشرات، ولم يتمكن الصهاينة من أبو ليلى إلا بعد 3 أيام وبتنسيق أمني مع السلطة الفلسطينية.

كما لفت الشهيد أشرف نعالوه الأنظار، وهو الذي لم يتجاوز 23 عامًا؛ إذ نجح عبر عملية "بركان" في أكتوبر 2018، في النيل من مستوطنيين صهيونيين، وإصابة الثالث بجروح خطيرة، بمستوطنة قرب سلفيت، باستخدام سلاح (الكارلو) المعروف بسلاح الفقراء، كما أعجز أمن الاحتلال عن العثور عليه لمدة 65 يومًا.

ولم ترصد أجهزة الاحتلال للشاب أي تحركات تربطه بتنظيمات، فضلًا عن أنه كان ميسور الحال، ومتفوقًا في دراسته، إلا أنه قبيل تنفيذ العملية نشر على حسابه الرسمي بموقع فيس بوك تدوينات عن مجازر صبرا وشاتيلا، ودعوة نصها: "اللهم بشّرني بما أنتظره منك، فأنت خير المبشّرين".

كما كان في قصة الشهيد باسل الأعرج (المثقف المشتبك) أسوة حسنة، للشباب الذي تفوق في دراسته، إذ حصل على بكالوريوس الصيدلة في جامعة القاهرة، ولم ينس قضيته إذ عاد إلى فلسطين يجوب قراها موعيًا بأهمية المقاومة، والثقافة في مواجهة الاحتلال، إلى أن نال الشهادة بجانب بندقيته في مارس 2017.

البارود يحي القضية

وجدير بالذكر أنه بالرغم من انتشار العمليات المنفردة بمقتضى الواقع الذي تعايشه الساحة الفلسطينية حاليًا؛ إلا أن ذلك لم يوقف العمليات التنظيمية ؛ ومن ذلك عمليات الشهداء أحمد جرار، وهاني أبو صلاح، وصالح البرغوثي... وغيرهم.

وإذا ما أردنا الخلاص بنتيجة من متابعة محاولات المقاومة الفلسطينية تكييف أوضاعها وفقًا لتطورات الميدان سياسيًا وعسكريًا؛ فإننا في النهاية نعود لنتيجة واحدة لخصها الكاتب محسن صالح في كتابه (القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة)؛

فيقول صالح: "إن الكفاح المسلح أجبر العالم على سماع صوت أبناء فلسطين، وفرض عليهم احترامه، لكن الضربات التي تلقتها المقاومة الفلسطينية، والضعف والتمزق العربي والإسلامي، قلل من إمكانات الاستفادة الجدية من الدعم الدولي".

وبالرغم من عدم إشراقة المشهد؛ إلا أن أروع ما فيه هو ما منعه الاحتلال في النشيد الوطني الفلسطيني السابق (موطني)، فكتبه الواقع كل يوم، وردده الصدى مرنمًا: " الشبابُ لن يكلَّ همُّه أن تستقـلَّ أو يبيدْ".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
باحثة مصرية في شؤون الصراع العربي- الصهيوني والقضية الفلسطينية، حاصلة على ليسانس الإعلام من جامعة الأزهر بالقاهرة، كاتبة ومحررة في عدد من المواقع العربية

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …