تاريخ الاستشراق وسياساته: الصراع على تفسير الشرق الأوسط

الرئيسية » كتاب ومؤلف » تاريخ الاستشراق وسياساته: الصراع على تفسير الشرق الأوسط
كتاب تاريخ الاستشراق وسياساته -.. الصراع على تفسير الشرق الأوسط - غلاف أمامي

تُعد الدراسات الاستشراقية من بين أكثر الدراسات التي يمتزج فيها السياسي بالثقافي والأنثروبولوجي، وبالاجتماع السياسي أيضاً، مع ما كان لها من كبير دور في تحريك سياسات القوى الغربية في العالم العربي والإسلامي، والشرق الأقصى.

ويمكن القول -باطمئنان كبير- إن الدراسات الاستشراقية، والحركة الاستشراقية بشكل عام، كانت أحد أهم مفاتيح فهم المنطقة العربية والعالم الإسلامي بالنسبة للقوى الاستعمارية، وأهلتها للبقاء بين ظهرانينا لقرون طويلة، وأنها لا تنفصل إطلاقاً عن حركة الكشوف الجغرافية التي كانت جذر الاستعمار الأوروبي المباشر في العالم القديم والجديد منذ القرن السادس عشر، بل وكانت جزءاً منها.

وساهمت الحركة الاستشراقية، مع جهود أخرى قام بها الاستعمار البريطاني على وجه الخصوص، في تكريس هيمنة الغرب على العالم العربي والإسلامي، بعد اختفاء الشكل المباشر من الاستعمار.

وعلى هذه الأهمية، حظيت هذه الدراسات في حد ذاتها، باهتمام باحثين كُثُر، عرب وعجم؛ لأجل فهم جوهر فكر وأنشطة المستشرقين، وكيف وجَّهت السياسات الغربية بين ظهرانينا.

مع الكتاب

وكما تقدَّم، ينتمي هذا الكتاب إلى نوعية الدراسات التي اهتمت بالاستشراق ودوره في توجيه السياسة العالمية، وخصوصاً في الشرق الأوسط، وهو نفس مجال الاهتمام الذي اهتم به كُتَّاب عرب -مثل إدوارد سعيد- ويركز على مجال زمني شديد الأهمية فيما يتعلق بعملية تأسيس الواقع السياسي والجيوسياسي للمنطقة بأكملها في الوقت الراهن، وهي المرحلة الممتدة من نهايات القرن التاسع عشر، وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين، أو ما اصطُلِح على تسميته بالقرن الأمريكي.

والكتاب جاء حافلاً بالمقدمات والشروح، ومن بينها ملحق كبير للخرائط قبل التقديم ذاته للكتاب، شمل التطور الجيوسياسي الذي طرأ على منطقة الشرق الأوسط منذ الفتوحات الإسلامية، وحتى القرن العشرين.

وهنا تجب الإشارة إلى أن منطقة الشرق الأوسط التي استعملها المؤلف في وصف المنطقة، هي المفهوم الجيوسياسي الذي تستعمله المدارس السياسية الغربية للإشارة المنطقة الممتدة من المشرق العربي، عند العراق والمغرب العربي ومنطقة الشمال الإفريقي، مع ضم إيران وتركيا لها.

ولهذا دلالة كبرى في منطق الكاتب وهو يضع مؤلَّفَه هذا؛ لأنه يصب في عمق الفكرة التي أرادها، وهي أثر ودور الدراسات الاستشراقية في المجال السياسي الإقليمي والدولي، وتشكيل تفاعلات العلاقات الدولية داخل الإقليم، وأبرز مجالات هذا التأثير وهذا الدور، هو رسم خرائط الدول والكيانات في المنطقة.

وهذا مُتَضمَّن فيه نقطة شديدة الأهمية، وهي تفاعل العالم الغربي مع العالم الإسلامي، ولا سيما في المحطات التاريخية الكبرى، مثل دولة الإسلام الأولى، والدولة العباسية، والدولة العثمانية.

كما تعمق الكاتب في بحثه الجيوسياسي الخرائطي هذا حتى وصل إلى تكوين الأقاليم الفرعية للإقليم الذي يُعنى بدراسته، مثل التطور الخرائطي الجيوسياسي للمغرب العربي ومصر والسودان في مرحلة الاستعمار البريطاني.

المؤلف وضع مقدمتَيْن للكتاب، الأولى مقدمة طبعته الإنجليزية، والثانية مقدمته للطبعة العربية، وفيها خاطب قارئ العربية حول واقع الرؤية المأخوذة في الولايات المتحدة عن العالم العربي والشرق الأوسط، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف ساهمت هذه الصورة أو الرؤية في تشكيل السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، وأهمية إيجاد مقاربة جديدة في هذا الصدد من جانب المثقفين العرب والأمريكيين على حد سواء.

الكتاب جاء في سبعة فصول، تناولت طائفة واسعة من التحولات التاريخية التي طرأت على العلاقات بين الغرب والعالم العربي والإسلامي، أو الشرق الأوسط الذي يشمل شمال أفريقيا والمغرب العربي وفق المسمَّى الغربي، منذ بدايات دولة الإسلام الأولى، والحروب التي خاضتها الكيانات الإسلامية التي ظهرت مع أوروبا، ومثَّلت الحروب الصليبية والصدامات في جنوب أوروبا وقت العثمانيين والأندلس ذرىً عديدةً لها.

"البداية"، و"الإسلام والغرب وما تبقى"، و"الاستشراق والإمبراطورية"، هي الفصول الأولى للكتاب، وكانت عبارة عن تطواف تاريخي لتطور التفاعلات الشرق أوسطية الغربية، منذ ظهور الدولة الإسلامية، وحتى عصر الإمبراطورية البريطانية، والتي رسَّخت الكثير من الأمور التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا من خلال إرسالياتها ومستشرقيها وعلماء الآثار، وعلاقاتها الوطيدة مع القوى المحلية في كثير من مناطق عالمنا العربي والإسلامي، وخصوصاً في شبه الجزيرة العربية والمشرق الإسلامي.

أما أهم فصول الكتاب برأيي، فهي تلك التي تتناول القرن العشرين، وهما الفصلان الرابع والخامس، "القرن الأمريكي"، و"اضطراب في الحقل"؛ حيث تكلمت عن الواقع السياسي والتواصل العربي / الأمريكي والعربي / الغربي في عصرنا الحالي.

وفيها قدَّم المؤلف الكثير من النقاط التأسيسية التي ساهمت في إسناد الصورة الذهنية السلبية التي أتت بها كتابات المستشرقين والأكاديميين الأمريكيين والغربيين، مثل دور اللوبي الصهيوني والتأثيرات التي تمارسها دولة الكيان الصهيوني طيلة عقود الصراع العربي الإسرائيلي الطويلة، وحتى ما بعد اتفاقيات السلام مع مصر والأردن ومنظمة التحرير.

كذلك أولى اهتماماً كبيراً بالعلاقات السعودية الأمريكية؛ باعتبار أنها أساسٌ مهم لإدارة السياسات الأمريكية في المنطقة، وكذلك شخصيات مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين وكيف أثَّرت على نمط التفاعلات الغربية الشرق أوسطية.

كما تناول دور أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م، ضمن المركزيات التي أشار إلى أنها لعبت أبلغ الأدوار في توجيه الأوضاع في المنطقة، ورسم صورة العربي والمسلم في الولايات المتحدة والغرب.

الفصلان السادس والسابع، "استشراق سعيد - كتاب وآثاره"، و"ما بعد الاستشراق"، تناول فيهما لوكمان ظواهر رد الفعل في الأوساط الثقافية والأكاديمية العربية على الاستشراق الغربي: كيف درسه المفكرون العرب، وكيف حاولوا تقديم نماذج للتعامل مع ما ينقله الاستشراق الغربي من قيم وصور مغلوطة.

وبطبيعة الحال، فإن أهم نماذج ذلك هو ما حاوله المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، وفي الفصل الخاص به، قدم لوكمان سيرة ذاتية ومسيرة سعيد الفكرية بشكل شامل.

وبشكل عام، فإن الكتاب مهم لفهم الكثير من الأمور التي تجري في عالمنا العربي والإسلامي في الوقت الراهن، حقيقتها وكيف تشكَّلت، وكيف تؤثر على مشروعات النهضة والتقدم الحضاري التي تحاولها هذه الدولة أو هذه الأطراف أو تلك، وبالتالي، تحسين القدرة على مواجهة ما يعترضها من عقبات مقصودة بطبيعة الحال من خصوم الأمة التاريخيين.

مع المؤلف

يعتبر زاكاري لوكمان أحد أهم الأكاديميين الأمريكيين الذين ينتمون إلى تيار اليسار، وهو أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية والتاريخ بجامعة نيويورك، والذي ينتمي إلى ذات المدرسة التي تضم طائفة واسعة من المفكرين ذائعي الصيت، مثل روجر أوين.

ولوكمان من مواليد 24 ديسمبر 1952م، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد في العام 1983م، وحاصل على جوائز عدة، من بينها زمالة جوجنهايم للعلوم الإنسانية، وهي جائزة مشتركة تُمنَح في كلٍّ من الولايات المتحدة وكندا.

وله عدد من الكتابات في مجال الاستشراق والشرق الأوسط، منها كتابه هذا، والذي صدرت طبعته الإنجليزية الأولى في العام 2004م، وكتاب "ملاحظات ميدانية: كيف يتم إعداد دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة"، وصدر في العام 2016م.

بيانات الكتاب:

اسم المؤلف: زكاري لوكمان
ترجمة: شريف يونس
مكان النشر: القاهرة
الناشر: دار الشروق
تاريخ النشر: 2007 م
الطبعة: الطبعة العربية الأولى
عدد الصفحات: 426 صفحة

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …