شبابنا والعنف.. الأسباب والعلاج

الرئيسية » بصائر تربوية » شبابنا والعنف.. الأسباب والعلاج
91288_ec613da19ad0539fa7fffdabd4973c6a-2

يوماً بعد يوم نقرأ ونشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي حوادث "عنف" فتارة نسمع عن مقتل شاب على يد آخر؛ لأنه تصدى لتحرشه بفتاة في الطريق، وتارة أخرى نسمع ونقرا أن هناك حادثة قتل لشاب في العشرين من عمره على يد شاب في نفس عمره، وتارة ثالثة نرى صور لمجموعة من الشباب وهم يرقصون بالسلاح الأبيض، وأصبحت هذه الأخبار عادية ومتداولة بشكل يقلق الجميع ،فالمجتمع كثر فساده وإفساده بشكل مريب، وتحولت مظاهر البلطجة إلى شيء عادي الأمر الذي يهدد السلم الاجتماعي. والخطير في الأمر أن جل هذه الحوادث والمظاهر تحدث على أيدي الشباب، وهذا شيء يدعو للخوف والشفقة في نفس الوقت، وعليه فاليوم نكتب عن هذه الظاهرة أسبابها وكيف نعالجها بشكل من الفهم والوعي.

أسباب العنف

1- العنف الأسري " البداية القاتلة"

لا شك أن لكل شيء جذوره ولا يوجد شيء فوق السطح بلا أعماق، والعنف في مكنونه ترجمة لتلك الحالة التى نشأت وترعرعت بداخل الشاب في صغره، فكم كان يتعرض لهذه المأساة من والديه أو معلمته أو يعاقب بشكل سيء، أويتم عقابه بشكل أسوأ أمام أقرانه أو يتم التنكيل به بحرمانه مما يحب، وهذا في نظري كمتخصص من أهم عوامل العنف وظهوره وتمدده لدى الشاب منذ صغره حتى أصبح واقعاً في حياته قد اعتاده مع الأسف ولا يجد فيه مشكلة بل لديه جرأة غير عادية على العنف، والضرب بل والقتل والأيام خير شاهد والأخبار تؤكد ذلك مع الأسف.

والأخطر في ذلك الأمر أنه قد يكون متوارثاً بمعنى ورثه والده مثلاً أو أمه من الأجداد فيتحول العنف لسمت يتحكم به البعض وآخر يتحكم فيه العنف وفي الحالتين المتضرر هو المجتمع من هذا الداء والوباء المتفشي.

2- البطالة " الفراغ الإجباري"

والمعنى واضح وضوح الشمس في قارعة النهار، فغياب العمل باب خطير جداً لانتشار هذه الظاهرة وتفشيها، خصوصاً أن نسب البطالة في عالمنا العربي مفزعة ومخيفة، والبطالة أكبر دافع لليأس والانتحار، فكيف تطلب من شاب في العشرينات أن يتزوج أو يعول أسرة أو يؤمن مستقبله وهو أصلاً لا يجد ما يحيا عليه ولا عمل يكتسب منه، ومع الأسف هذا واقع لا ينكره إلا مكابر، ونهاية المطاف تكون بتحول بوصلة الشاب لأعمال البلطجة حتى يكسب مالاً ويحيا، فينشط في الأفراح ويرقص بالأسلحة ثم تكون النهايات كما نعلم جميعاً، وهذا ليس تبريراً بقدر ما هو رصد واقع نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا.

3- غياب الحوار " القهر"

والمعنى الذي أقصده هو غياب الحوار بالشكل الشمولي بين الشباب والآباء في البيت، وتمسك كل طرف برأيه، وهذه طامة دافعة للتخلي عن الحياة السليمة والجنوح نحو العنف، كذلك غياب الحوار بين الشباب والمجتمع أو ما يمثله من هيئات مجتمعية إصلاحية أو إن شئت فقل رسمية حكومية، فلا تواصل بالشكل المطلوب ولا إقناع ولا إقامة ندوات أو أي مظاهر حماية وصيانة مضادة للعنف ومظاهره المتعددة، فالكل يخشى مجرد الدخول لهذه المنطقة، حتى وإن دخل فلا يكون بالشكل الذي يلبي طموحات وآمال الشباب بل روتين وتقليد عقيم وهذا دافع أكبر للنفور والفتور.

4- الإعلام "التضليل الرسمي"

قلنا مراراً وتكراراً أن الإعلام رسالة قوية جداً لحماية المجتمع من كل الموبقات المنتشرة به، فالمهم سلامة المقصد والهمة العالية وقبل كل هذا الغاية الطاهرة في نشر ثقافة العفة ومكارم الأخلاق، وكل هذا مع الأسف غير موجود، فالإعلام اليوم تحول لمفجر لكل الطاقات الشاذة لأشخاص يعتبرهم الشباب الذي يسير في حقل البلطجة ومظاهره قدوة ونبراس،مع الأسف، وهو شيء يدعو للبكاء على واقع الإعلام.

وعليه فالمسلسلات والأفلام والدراما وغيرها من مظاهر الإنتاج الإعلامي "الحكومية والخاصة" إلا قليل مسئولة عن انتشار العنف والبلطجة عند الشباب، فهم يرون الفنان الذي تكرمه الدولة بلطجياً لكن بشيء من الأناقة، فتفتح له الأبواب ويسمع له الجميع وتلك مصيبة نسأل الله العفو والعافية منها.

العلاج..

ونحن كما عددنا الأسباب سنذكر بعض الوسائل العلاجية لهذه الظاهرة، ومنها:

1- التربية الصحيحة

إن الأساس دوماً من البيت وهو أول سبب للعنف الأسري وعليه فالتربية الصحيحة بشيء من الفهم من قبل الزوجين من عوامل النشأة السليمة مروراً بمراحل عمر الابن المختلفة، ونحن كنا ولا زلنا نؤكد على عظمة وأهمية هذا الدور كمحضن تربوي هام في تأسيس الرجال بالشكل الذي يرضى ربنا عز وجل وبنهج الرفق واللين والتسامح والكلمة الطيبة؛ حتى يكونوا ذخرا لآبائهم يوم القيامة وعونا لهم في الدنيا.

2- توفير فرص العمل

فعلى الدولة أن تعزز من فرص العمل وجعلها واقعاً من خلال ملتقيات التوظيف الحكومية والخاصة بالشكل الذي يلبي طموحات الشباب كأخطر مرحلة عمرية يمر بها المرء.

3- تصحيح رسالة الإعلام

إن بوصلة الإعلام عليها أن تسير وفق منظومة صالحة مصلحة، تهدف لتحقيق استقرار المجتمع ونبذ ثقافة تلميع المجرمين وجعلهم قدوات مجتمعية في الوقت الذي يسببوا للمجتمع آثاراً وخللاً واضح في تكوينه ومكوناته ويضرب بهم المثل في البلطجة والأخلاق الغير منضبطة، وتلك سوأتان للإعلام عليه أن يتطهر منهما قبل أن يأتي يوم ونجد الأجيال القادمة تتخذ من مدمني المخدرات والبلطجة قدوات ونبراساً.

ختاما

الأمر جد خطير والواقع أخطر ولا أحد يتمنى تفشي هذه الظاهرة لكن وحتى نكون واقعيين كلنا مسئولون لذلك فعلى الجميع أن يقوم بدوره بداية من البيت والمدرسة والمسجد ومنظمات المجتمع المدني حتى لا يأتي يوم ونجد العنف سمتاً والبلطجة صفة في مجتمعاتنا العربية .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …