هل يُشرع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء ؟؟

الرئيسية » حصاد الفكر » هل يُشرع الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء ؟؟
muslims25

بعد هذا السؤال المهمّ ، و تلقي أجوبتكم أيها القُرّاء الكرام ، ها أنا أقدم لكم الجواب مأصّلا بأدلّته كالعادة إن شاء الله، بعيدا عن العواطف الدينية المرهفة التي لا يضبطها شرع صحيح، ولا عقل صريح ، فأقول وبالله التوفيق:

رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدوتنا وأسوتنا، كما أقسم الله على ذلك في محكم التنزيل فقال ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) واللاّم في كلمة ( لقد ) يسميها العلماء باللام الموطّأة للقسم.

كما أمرنا الله تبارك وتعالى باتباعه والالتزام بسنته( أي طريقته ) فقال: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقال أيضا ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون).

بيْد أنه لا بد من معرفة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، فضلا عن التثبت في أسانيد ذلك ، اذ منه الصحيح ومنه الحسن ومنه الضعيف ومنه الموضوع في أنواع كثيرة من الأحاديث التي قسمها علماء المصطلح.

ولا بُدّ للمسلم ان يفرّق بين أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يفعل الشيء ولا يلزم منه اتباعه فيه الا بدليل صحيح وصريح.

وهذه أقسام أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام :

1- ما يفعله على سبيل الجِبِلّة البشرية :

كالأكل والشرب والنوم وقضاء الحاجة ونحو ذلك ، فهذا لا يشرع التأسي به فيه الا اذا وجد سبب المشروعية ، كما لو نصّ على كيفية معينة ،كالأكل باليمين أو النهي عن الأكل بالشمال ، أو نهييه عن الكلام والانسان في الخلاء أي في قضاء حاجته ، وهو ما يسمى بالآداب العامة ، في هذه التصرفات،
ومن هذا النوع : أنه عليه الصلاة والسلام جُبل على محبّة أشياء و كراهة أخرى، فقد كان يحبّ العسل والحلوى ، والدّبّاء أي القرَع وكان يتتبعه من القصعة ، فهل نتأسى به في ذلك ونقول من السنة أن نحب نحن العسل والقرع؟؟؟ لا ابدا ولم يقل أحد من أهل العلم ذلك لأن هذا من الأمور الجِبلّية التي لا يظهر فيها جانب التشريع للأمة، كما كان يكره بعض الأشياء ككراهته لأكل الضبّ ( حيوان زاحف) وقد رآه على مائدته فعافه، وأكله خالد بن الوليد رضي الله عنه أمامه ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم!! فهل يقال إن خالدا خالف السنة ؟؟؟ لا قطعا ،لأن هذا من الأمور الجِبلّية.

2 - ما فعله على سبيل العادة:

أي عادة قومه و المجتمع الذي كان يعيش فيه ، كاللباس العربي، في شكله و صفته ، فهنا لا يشرع التأسي به فيه ، لأنه لم ينصّ على ذلك أبدا ، بل وافق قومه الذين كانوا على الشرك في ملابسهم، مما يدلّ على أن ذلك ليس من التشبه بالكفار المنهيّ عنه ، والسنة ههنا كما قال علماء الأصول: أن يلبس المسلم لباس قومه ما لم يكن منهيا عنه شرعا أو كان كاشفا للعورة أو مخِلاّ بالحياء .
وأما قول أم سلمة فيما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه لبس القميص ) فهذا كما سبق من الأمور الجِبلّية التي هي أمور شخصية ونفسية كحبه للعسل وأكل القرع !!
ويجب أن نفرّق بين المشروع والمباح ، فالمشروع هو ما يكون شِرعة متبعة يُتعبّد لله بها ، وهذا يفتقر إلى القرائن الدالة عليه وليس مجرد فعله عليه الصلاة والسلام يدل على المشروعية للشيء ، كما قال النّاظم :

وكلّ فعل للنبي جُرّدا عن أمره * فغير واجب بدا

ومن هذا النوع أي مما فعله على سبيل العادة: اتخاذه للشَعر فإنه عليه الصلاة والسلام كان ذا شعر طويل تارة يصل إلى شحمة أذنيه وتارة ينزل بين كتفيه ، و هذا لم يفعله تعبدا لله عز وجل ولا نصّ عليه ، غير قوله ( من كان له شعر فليكرمه) وإنما اتخذ الشعر لأنها عادة العرب في ذلك الزمان ، وكان الشعر الطويل للرجل من علامات الرجولة !! وهذا بخلاف زماننا الذي صار فيه الامر بالعكس تماما !! فتبع النبي صلى الله عليه وسلم عادة الناس ولم يخالفهم، لأن العرف له اعتبار في ثبوت الأحكام الشرعية. وهو يتغير بتغير الزمان والمكان كما هو معلوم.
وعلى هذا ليس من السنة التعبدية اتخاذ الشعرللرجل في زماننا !!

3 - ما فعله تعبّدا لله سبحانه :

وظهر فيه جانب التقرب إلى الله ، فهذا يكون واجبا عليه من أجل البيان للأمة كما قال تعالى( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل اليهم ) ثم يكون إما واجبا عليه لا علينا كقيام الليل ، أو مستحبا له ولنا كصلاة الضحى ، أو واجبا علينا وعليه كالصلوات الخمس ، وطواف الإفاضة و الوقوف بعرفة وغير ذلك من الواجبات .

4 - ما فعله لسبب :

كاتخاذ الخاتم فإنه لما قيل له إن الملوك لا يقرؤون كتابا أي رسالة إلا إذا كانت مختومة( أي عليها الامضاء ) وهو عرف ديبلوماسي سائد في ذلك الزمان ، ولما كان عليه الصلاة والسلام لا يكتب ولا يقرأ ، أشار عليه بعض الناس باتخاذ خاتم و كتابة صفته عليه، فأقرّ على ذلك واتخذ الخاتم لأجل هذا السبب والغرض ، فصار يختم به الكتب التي يرسلها للناس ، وعلى هذا فلبس الخاتم ليس من السّنّة التعبدية في شيء !!
ومن هذا النوع أيضا : الحِجامة: فإنه عليه الصلاة والسلام احتجم لما مرض، ونصّ على فضل الحجامة في أحاديث صحيحة ، ولكنّ ذلك في إطار التداوي والعلاج وليست الحجامة من السنن التعبّدية على سبيل الإطلاق، فلا نحتجم الا إذا وجد السبب وهو المرض !!!

5 - ما فعله على سبيل الخصوصية :

وهذا لا بد أن يعلم أيضا ، فهو رسول الله، ونبي الله ، وليس أحد مثله ، ولذا خصّه الله تعالى بأشياء لا يشاركه فيها أحد ، لا إباحة ولا تعبدا ، من ذلك الوصال ، أي أن يصل بين صيام يومين أو أكثر دون أن يأكل شيئا ، فقد قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه حينما تأسوا به وواصلوا يوما ويوما ثم ظهر هلال العيد فقال لو لا الهلال لزدتكم قال أبو هريرة رواي الحديث( كالمنكل بهم ) أي المعاقب لهم ، ثم قال : ( إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي فيطعمني ويسقين) .
ومن ذلك قضاءه لراتبة صلاة الظهر بعد العصر كما في حديث أم سلمة الذي رواه أحمد.
ومن ذلك جواز التزوج من المرأة بلا ولي ، ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) ومع ذلك لم يفعل وما تزوج الا بولي المرأة. ( غير جويرية بنت الحارث وصفية بنت حُيي) .
ومن ذلك زواج الهبة أي بلا مهر ولا شرط، لقوله تعالى( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) و مع ذلك لم يتزوج هذا النوع من الزيجات.
ومن ذلك عدم وجوب العدل بين الزوجات في القَسم والمبيت لقوله تعالى( تُرجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) ومع ذلك فقد عدل بين زوجاته في المبيت!!
ومن ذلك ، اذن الله له في أن يجاوز الاربع زوجات فقد جمع تحته إحدى عشر زوجة ومات عن تسع ( تنبيه :للخبثاء والحمير البشرية أنبياء بني إسرائيل كانوا أكثر منه نساء فإن سيلمان عليه السلام كان له 700 امرأة وفي الصحيحين أنه طاف على مائة زوجة في ليلة واحدة ، وهذا خاص بالرسل الكرام ).
والخصوصية في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم قليلة جدا وهي خلاف الأصل لأن الأصل التأسي به فيما ظهر فيه جانب المشروعية الا بدليل.

هذه خمسة أنواع لافعال النبي صلى الله عليه وسلم، يجب التفريق بينها ، مع ضرورة معرفة أمر آخر يتعلق بتصرفاته التي هي أيضا مبحث آخر قد يحتاج الى مقال مستقل، حيث أنه تارة يتصرف بمقتضى أنه رئيس الدولة ، وتارة بمقتضى أنه قاضي ، وتارة بمقتضى أنه امام مسجد ، وتارة بمقتضى أنه مرشد لا ملزم ولا آمر ، وتارة بمقتضى أنه مفتي بلا إلزام، وتارة بأنه نبي مرسل وغير ذلك من التصرفات النبوية التي بين الإمام شهاب الدين القرافي رحمه الله انواعها في كتابه ( الفروق ) .

معذرة على الإطالة لأن هذه المسألة تحتاج الى تفصيل .

شكر الله لكم .

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …