تشرفت مؤخراً بحضور ندوة سياسية نظمتها حركة الأحرار الفلسطينية بعنوان" انتفاضة الحجارة ومسيرات العودة... محطات فاصلة في مسيرة النضال والمقاومة"، أجمع المتحدثون على عبقرية الشعب الفلسطيني في استحداث أدوات نضالية تناسب المرحلة.
أتفق مع ما قاله المتحدثون، فالمتتبع لمسيرة قطار النضال الفلسطيني منذ بداية القرن العشرين ضد الوجود البريطاني ومن بعده الاحتلال الصهيوني، يلحظ قدرة هائلة لدى الفلسطينيين على ابتكار ما يناسبهم من أدوات مقاومة، حتى وصل قطار الإبداع لمحطة انتفاضة الحجارة 1987 التي غيرت مجرى التاريخ ،وخلقت تغيرات عديدة في الواقع الفلسطيني حيث:
1_نقلت قيادة المقاومة للداخل الفلسطيني بعدما كانت مقتصرة على علميات ينفذها الفدائيون انطلاقاً من الدول المجاورة لفلسطين.
2_ استوعبت طاقات شعبية كبيرة ضمن أطر منظمة ،حيث إنه بعد أسبوع من الانتفاضة انطلقت حماس.
3_ لفظت الخوف من الوعي الجمعي الفلسطيني فواجه الأطفال بحجارتهم البسيطة الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح.
4_أكدت على وحدة التلاحم الوطني، ففتح الشعبُ للمقاومين الذين عملوا في ظروف بالغة التعقيد بيوته، وزودهم بما يلزمهم في مسيرتهم النضالية.
5_ أوضحت البوصلة بعدما عاشت البوصلة مرحلة التيه، في ظل الخذلان العربي الرسمي.
الموقف العربي و الدولي الرسمي من انتفاضة الحجارة :
رغم ما كان يقال في الإعلام الرسمي العربي والدولي ،أنهم مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، لكنهم سراً يعملون العكس حتى تم إنتاج اتفاق مدريد1991 واتفاقية أوسلو 1993، وكان هدفهم من ذلك:
1_إنهاء الانتفاضة بأيد فلسطينية.
2_إحضار الطائر الثائر ووضعه في القفص لإحكام السيطرة عليه (ياسر عرفات).
3_الظهورأمام العالم بمظهر المحب للسلام .
4_إحداث شرخ في الصف الفلسطيني.
فهل نجح العدو في مبتغاه؟
الواقع يقول " نعم" وإلى حدٍ كبير، فهدأت الانتفاضة تحت بريق الامتيازات، ووضع الثائر الطائر في قفص الدبلوماسية القاتلة، وظهر العدو بمظهر الحمل الوديع، ووقع شرخ في الصف الفلسطيني.
لكن سرعان ما عدّل الشعب بوصلته، فبدأت عمليات المقاومة الفلسطينية تتوسع ممثلة بالعمليات الاستشهادية حتى جاءت هبة النفق 1996، ويصل قطار المقاومة الفلسطينية لانتفاضة الاقصى عام 2000 حين دخل شارون للمسجد الأقصى، وما أنتجته من تطور هائل في أدوات المقاومة من تطوير الصواريخ وحفر الأنفاق أدى لطرد الاحتلال من غزة عام2005 ،مرورا ب 2008 و 2012و 2014حيث العدوانات الصهيونية على غزة، ثم انتفاضة القدس" السكاكين" عام 2015 والتي فتحت شهية الفلسطيني تجاه تفعيل عمليات الطعن والدعس ضد الاحتلال والمستوطنين.
واستمر قطار المقاومة ليصل لمسيرة العودة التي تنسجم مع ظروف المرحلة ومع القوانين الدولية باعتبارها مقاومة شعبية سلمية، ومثلما أن انتفاضة الحجارة لم تكن أول الإبداعات، فلن تكون مسيرة العودة آخر الابداعات الثورية.
أختمُ بما قاله صلاح خلف في كتابه " فلسطيني بلا هوية" إن إرادة الفلسطينيين التي لا تُرد في مواصلة المعركة كائناً ما كانت الظروف، هي حقيقة لا تأتيها الريبة من بين يديها ولا من خلفها، بل إنها إرادة تمليها طبيعة الأشياء، ونحن عازمون على البقاء كشعبٍ وسيكون لنا ذات يوم.... وطن.