هذا ما عاش لأجله العظماء، وماتوا على حواف نهره البؤساء، وارتقى عند شلاله الشهداء...
ليست معركة كأي معركة، وليس فارسها كأي فارس، وليس شجعانها كأي شجعان، وليس شهدائها كأي شهداء...
عندما انتُكبت الأمة في عام 1948م باحتلال فلسطين الحبيبة، بتفاصيل مهينة تعجز عن تحمّلها الرجال، ثم نُكّست أعلامها مرة أخرى بعد حرب كاذبة خاطئة في عام 1967م بأجواء لا تقل كآبة أو حزنا عما بدى في صفاقة وخيانة القيادات لجيوشها وشعوبها عن سابقتها المؤلمة، أبت (الكرامة) أن تفارق أهلها، واحتضن الأنصار شرقي نهر الأردن إخوانهم المهجّرين من غربيه، والتقى الهم بالهم والجرح بالجرح والثأر بالثأر، وزاد الطينة بلة ما أبداه (موشيه دايان) حينها من غطرسة حين قال ذات مساء (سنشرب غدا الشاي على مرتفعات السلط، ونتغدى في عمان)، فدوّت صرخة الجازي حينها فقال وهو يضع يده على المصحف الشريف (أقسم بالله العظيم أن أقاتل في الميدان حتى آخر قطرة من دمي، وألا أفر من المعركة ولو كان في ذلك موتي، وإنني لن أسمح لأي صهيوني أن يمر من موقعي إلا على جسدي، والله على ما نقول شهيد)، وانطلق كالرعد هو وشجعانه، يُسقطون أحلام اليهود بابتلاع أرضنا عبر بنادقهم وأسلحتهم كأنهم يصطادون سربا من القطا المغنج.
ولما حمي الوطيس واحمرت الحُدق وحاولت القيادة أن تثنيه عن إكمال ما بدأ من أعراس الشهادة الغنّاء، قطع الاتصال بهم وقال وعينيه تلمع إصرارا (سأتحمل قراري هذا، ولن نبقي إلا على اتصالنا بالخالق، وأقول لجنودي أن الأوامر هي أن تضربوا بكل قوة، حتى لو دفعت بدل قطع الاتصال هذا غاليا، فحياتي ليست أثمن من مبادئي)، فكان النصر حليفهم.
وما كان تهميش هذا النصر من كتب تاريخنا التربوي إلا لمدى قدرته على تخليق روح (الكرامة) من جديد، وما الأحداث التي جرت بعده : من حرق للمسجد القبلي في الاقصى، مرورا بأحداث أيلول الأسود، وصولا إلى توقيع وادي عربة، إلا سلسلة من المخازي التي يراد بها قتل البقية الباقية من (الكرامة) فينا.
فهمت الآن يا أيمن العتوم لماذا حاولوا أن يمنعوا إقامة حفل إطلاقها في منتدى شومان، ولماذا منعوا دخول النسخ المطبوعة منها عبر الجمارك بعد استيفائها الأوراق الرسمية، فهم لا يملكون إلا أن يحاولوا إخفاء الشمس بغربالهم المهترئ ويطفئوا حق الله بأفواههم الباطلة (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
أكمل يا أيمن هذه الكتابات، فإنها تغرس معاني العزة والكرامة في جيل لم يشهد أحداث (الكرامة) ولكنه أحب (مشهور).