ستظل قضايا #المرأة محل سجال ونزاع ومد وجزر يتناولها القاصي والداني، كل يدلي فيها بدلوه ويفرغ ما بجعبته، زاعماً أن رأيه هو الصواب وأنه المنقذ والمخلص للمرأة من ركام الجهل الذي زُجت بقاعه، وأنه المحرر لها من قيود المجتمع البالية، بل ستظل المرأة وقضاياها حلبة صراع بين المتشدقين من جهة، والجاهلين من جهة أخرى، يتبارزون في آرائهم ومقترحاتهم بل وقوانينهم التي يزعمون أن غيرتهم على المرأة وإنسانيتها هي الدافع لهم في محاولات مستميتة لتخليص المرأة من عادات وتقاليد عفا عليها الزمن، بل ويبلغ بهم الأمر لمهاجمة أحكام الشريعة الإسلامية وتعطيلها بحجة أنها تتعارض مع منظومة تحرير المرأة وتخليصها من ألسنة العذاب والشقاء الذي زجها في خضمه المجتمع الذكوري بأحكامه وقوانينه وشرائعه وعاداته.
نعم، لا يختلف عاقلان على أن ضيراً كبيراً أصاب المرأة في فكرها وروحها ووضعها ومكانتها، وأن عقبات شتى عطلت وحجّمت من دورها وقزمت من مكانتها، بل إن تردي مكانة المرأة وتقهقر دورها سيظل عقبة في تطور أي مجتمع وتقدمه؛ لأن المرأة -بدون خلاف- هي الحاضن بل هي الحارس على أهم ثغرة من ثغورنا.
وستظل جهود أي مجتمع مبذولة في هذا المجال تبذل عبثاً ما لم تنطلق من أرضية صلبة متينة، تستنير في خطواتها بأحكام وقواعد ثابتة أصيلة لا تتغير بتغير الأزمان والأوقات ولا الأمزجة والأشخاص، وهذا لا يكون إلا بالعودة للمورد الأول الذي كان وما زال أصدق من كل دعاوى التحرير والغيرة على المرأة وحقوقها، والذي أفرز لنا شخصيات من الرجال والنساء انحنى لها التاريخ إجلالاً واحتراماً وإكباراً كان التنافس بينهم على الصلاح والفلاح والتقوى، فلم تشغلهم صراعات الذكورة والأنوثة التي أغرقت بها مجتمعاتنا؛ لأن هذه ثقافة دخيلة على ثقافتنا، ولأن الذي يتربى على مائدة القرآن الموافقة للفطرة البشرية يدرك تماماً أنّ الكل سواء وما غير ذلك فإن مرده إما لهوى في النفس أو لسوء في الفهم.
مع الكتاب:
جاء الكتاب في تمهيد وقسمين:
التمهيد: ذكر فيه المؤلف أن مجتمعاتنا تعيش في فصام نكد أفرز في حياتنا الاجتماعية -لا سيما في قضية إنصاف المرأة وتحريرها- نماذج متعددة بل ومتنافرة:
الأول/ النموذج الغربي للحركات النسوية التي تنطلق من رؤية ندية المرأة للرجل وتحريرها إنما يمر عبر الصراع ضده.
الثاني/ ويرى أصحابه ودعاته أن لا مشكلة من الأصل والأساس إذ كل عاداتنا وتقاليدنا الموروثة خير وبركة على كل النساء؛ فما خُلقت المرأة إلا لمتعة الفراش الحلال ومعمل تفريخ النسل لبقاء النوع الإنساني وما وراء هذه الاختصاصات حرام ومحظور.
الثالث/ وهو النموذج الوسطي المعبر عن روح التحرير الإسلامي للمرأة، والذي ينطلق من نصوص ومنطق وفقه القرآن الكريم في تحرير المرأة وإنصافها، والمساواة بين النساء والرجال مساواة تكامل الشقين المتمايزين، لا مساواة الندين المتماثلين، وقد ضرب هذا النموذج أمثلة بنماذج من الريادات النسائية اللاتي حررهن الإسلام وباهى بهن الدنيا منذ عصر النبوة وحتى العصر الذي نعيش فيه.
القسم الأول/ أهلية المرأة للمشاركة في العمل العام
تحدث المؤلف عن دائرتين من دوائر المشاركة والاشتراك بين الذكور والإناث، وذلك من خلال الهدي القرآني:
الأولى/ دائرة الأسرة؛ إذ هي اللبنة الأولى في بناء الأمة، والخلية التي يبدأ بها الاجتماع الإنساني.
الثانية/ دائرة الأمة والمجتمع، أي دائرة المشاركة في العمل الاجتماعي العام والذي كان مندرجاً تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد شرّع القرآن الكريم لمبدأ الاشتراك والمشاركة بين الرجال والنساء عندما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
ثم أخذ يسوق المؤلف الأمثلة والوقائع على هذه المشاركة بنماذج من النساء كان لها أفضلية السبق في ميادين شتى؛ فقد بدأت الجماعة المؤمنة بامرأة وكذلك طليعة الشهادة والهجرة، كما شاركت المرأة المؤمنة في العمل العام، وذلك عندما تحملت ما تحمله الرجال في شعب بني هاشم.
ثم تناول المؤلف في هذا القسم الضبط الوسطي لقاعدة سد الذرائع؛ إذ أنّ هذه القاعدة هي الباب التي تعالج في إطاره قضية الاختلاط والاشتراك العام بين النساء والرجال، إلا أن الجدير بالملاحظة أن قاعدة "سد الذرائع" -ككل القواعد في الفقه الإسلامي- لا بد في ضبط تطبيقاتها من الاعتصام بمنهاج الوسطية الإسلامية التي تحقق المقاصد الإسلإمية مع الحذر من غلو الإفراط والتفريط.
القسم الثاني/ خمس شبهات حول النموذج الإسلامي لتحرير المرأة
في هذا القسم تناول المؤلف خمس شبهات اجتمعا على إثارتها طرفا الغلو الديني واللاديني، يحسبها الغلاة من الإسلاميين، الذين حملوا العادات والتقاليد الراكدة على الإسلام فجعلوها دينا، يحسبونها مانعة دينيا من اكتمال أهلية المرأة ومن مشاركتها في العمل الاجتماعي العام. ويحسبها غلاة العلمانيين عقبات إسلامية تحول دون اكتمال أهلية المرأة فتجعل منها نصف إنسان ولذلك كانت دعواتهم لإسقاط الحل الإسلامي لتحرير المرأة، وإلى التماس هذا الحل في النموذج الغربي.
وقد عرض المؤلف هذه الشبهات الخمس المثارة حول أهلية المرأة ومشاركتها للرجل في العمل الاجتماعي العام وهي:
1. شبهة: إن ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر.
2. شبهة: إن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل.
3. شبهة: إن النساء ناقصات عقل ودين.
4. شبهة: ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.
5. شبهة: الرجال قوامون على النساء.
ثم كشف زيفها وبيّن براءة الإسلام من عوارها وعوراتها بعد محاكمتها بالمنطق الإسلامي.
مع المؤلف:
الدكتور محمد عمارة، مفكر إسلامي ومؤلف ومحقق وعضو "مجمع البحوث الإسلامية" بالأزهر الشريف، جاوزت أعماله الفكرية تأليفا وتحقيقا مئتي كتاب، وقد تناولت كتبه السمات المميزة للحضارة الإسلامية والمشروع الحضاري الإسلامي والمواجهة مع الحضارات الغازية والمعادية، وتيارات العلمنة والتغريب وصفحات العدل الاجتماعي الإسلامي والعقلانية الإسلامية.
بطاقة الكتاب:
عنوان الكتاب: التحرير الإسلامي للمرأة.
المؤلف: محمد عمارة.
مكان النشر: جمهورية مصر العربية.
عدد صفحات الكتاب: 143 صفحة