“الصادق الأمين”… دليل الداعية لإصلاح النفس

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » “الصادق الأمين”… دليل الداعية لإصلاح النفس
unnamed

أبو توهة: " المصلح لغيره لا بد وحتما أن يكون صالحاً في ذاته

المظلوم: من أهم ما يجب أن يصلح الداعية نفسه فيه، علاقته بالمجتمع، فالناس بحاجة لدعاة اجتماعيين

أن يسعى الداعية لإصلاح المجتمع، فهذا دوره، لكن هذا الدور لا يكتمل إلا بإصلاح من نوع آخر، إنه إصلاح النفس، وهذا ما قد يغفل عنه بعض الدعاة، فيكونون نموذجاً لا يحبّذ المجتمع الاقتداء به.

الاستزادة من العلم، وتطوير الذات، والاهتمام بالمظهر وارتداء الملابس الأنيقة، واللباقة في الحديث، وتكوين العلاقات الطيبة، كلها جوانب يتعين على من يدعو إلى الله أن يلتفت إليها؛ فالعلم الشرعي لا يكفي للتأثير في الناس، وهنا يكون السؤال: كيف يجمع الداعية بين إصلاح نفسه وإصلاح مجتمعه؟

كفاءةٌ أدبيةٌ وعلمية

يقول الداعية مصطفى أبو توهة: "الإصلاح وتكوين الأخلاق مهمة الأنبياء والمرسلين؛ لكي يؤدي الناس الهدف الذي من أجله وجدوا على هذه الأرض -خلافةً وإصلاحاً- وقبل ذلك عبودية لله -جلّ وعلا- وعلى آثار الأنبياء وخطاهم سار المصلحون"، مستدلاً بقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].

ويوضح: "المصلح لغيره لا بد وحتما أن يكون صالحاً في ذاته؛ ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن هنا نقول إن صلاح الداعية شرطٌ أساسي لإصلاح غيره، كما قيل: "ابدأ بنفسك ثم ادعُ غيرك" وصدق القائل حين قال: "قبل أن تشير إلى قذارة الآخرين انظر إلى نظافة إصبعك".

الداعية مصطفى أبو توهة: بقدر ما يطور الداعية من نفسه في كل ميدان، بقدر ما يحقق نجاحاً أوفر وحظاً أكبر في دعوته

وانطلاقاً من قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] يبين أبو توهة: "تذييل الآية بـ"أفلا تعقلون" يعني أن نصح الآخرين ونسيان النفس من التذكير هو لونٌ من الجنون، بذلك فإن نبوة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- سبقها أنه لبث بين قومه أربعين عاماً اتسم خلالها بالخلق الرفيع حتى استحق بجدارة وامتياز لقب الصادق الأمين".

ويقول: "هذا يفرض على كل داعية شرطين أساسيين، الأول/ الكفاءة الأدبية وإزاؤها الكفاءة العلمية، فالأولى بوابة الوصول إلى القلوب من أوسع أبوابها، فإذا أحبت القلوب اتبعت محبوبها "فإن المحب لمن يحب مطيع"، والشرط الثاني/ هو بوابة الدخول إلى القناعة العقلية، فإذا ما توفر الشرطان، كان التوفيق والسداد، وإلا فهو السقوط والفشل، وفي بيت الشعر العربي: "لا تنهَ عن خلق وتأتِ مثله، عار عليك إذا فعلت عظيم."

وبالطبع فإن الكفاءة الأدبية معناها واسع، فهي تشمل الخلق والسلوك والتعامل مع الناس، بالإضافة إلى الشخصية الجيدة والاهتمام بتطويرها، وكذلك الحرص على تطوير الذات في مختلف الجوانب، كالعلم والمهارات.

وبحسب أبو توهة، فإنه "بقدر ما يطور الداعية من نفسه في كل ميدان، بقدر ما يحقق نجاحاً أوفر وحظاً أكبر في دعوته، ذلك أن طبيعة الحياة لا تعرف السكون؛ فهي متغيرة متحولة على مدار الساعة واليوم، والركون يعني الموت، فعلى الداعية أن يترقّى في مدارج الصالحين العابدين الوقافين عند كلامهم، فعلاً وممارسة وليس كلاماً ومدارسة، وبالتوازي مع ذلك عليه أن يتوسّع في الاطلاع والقراءة والبحث   ، ليقف على ثلاثية الفقه المطلوب (فقه النص، وفقه العصر، وفقه النفس).

ويؤكد: "إذا امتلك نواصي النجاح، فإنه سيرى النتائج في الميدان، وليستحوذ على مكرمة الله تعالى لهذا الصنف من الدعاة، كما في قوله عزّ وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

فقه التوازن

من جانبه، يبدأ عضو رابطة علماء فلسطين -الدكتور جودت المظلوم- حديثه بقول الله تعالى: {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14، 15]؛ ليبين أن المسلم يجب أن يتصف بالصلاح والفلاح وتقوى الله، خاصة لمن أراد أن يعيش داعياً إلى الله، فهذا الشخص ينبغي أن يكون قوله مطابقاً لفعله.

د. جودت المظلوم: صورة الداعية تؤثر على دعوته، فإما أن يحبب الناس فيها أو يكون سبباً في نفورهم

ويقول: "الصلاح لا يقتصر على الجانب الديني، بل يكون في أمور الحياة كلها، الشخصية والعلمية والاجتماعية".

ويضيف: "من أهم ما يجب أن يصلح الداعية نفسه فيه، علاقته بالمجتمع، فيكون مهذباً مع الناس، مراعياً لأحوالهم، مساهماً في تلبية احتياجاتهم، لا أن يكتفي بالأمر والنهي ثم ينغلق على نفسه، فالناس بحاجة لدعاة اجتماعيين".

ويتابع: "يحدث أحياناً أن ينغمس الداعية في هموم دعوته إلى الحد الذي ينسيه نفسه، فلا يأخذ ما يحتاج من العلم، ولا يهتم بمظهره، وربما يغفل عن أهل بيته، فيدعو الناس، بينما أبناؤه بحاجة إلى من يربيهم ويقوّم سلوكهم، وهذا من أكبر الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الداعية"، مواصلاً: "لا بد من فقه التوازن، به يعطي الداعية كل شيء حقّه، ولا يسمح لجانب بأن يطغى على آخر".

ويؤكد أبو توهة: "صورة الداعية تؤثر على دعوته، فإما أن يحبب الناس فيها أو يكون سبباً في نفورهم".

ويوضح: " الداعية الذي يهتم بإصلاح نفسه، يحظى بقدرة أكبر على التأثير في مجتمعه، لكونه يصبح قدوة حسنة، يقتنع الناس بكلامه، ويلتزمون بتعليماته  ، وخير دليل على ذلك أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كان مُلقباً بالصادق الأمين قبل أن ينطلق في الدعوة للإسلام، وكان هذا من أسباب إيمان الصحابة بما جاء به".

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية من غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية، تكتب في عدد من المواقع المحلية والعربية

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …