قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
إن موضوع "الطريق إلى قلب الزوج" من الموضوعات التي قتلت بحثاً؛ فكم ألفت فيه كتب وقدِّمت فيه نصائح وتوجيهات، وكم عُقدت من أجله ندوات ومحاضرات، وكم صِيغ فيه أشعار وأدبيات، وكم تناولته دراسات ونظريات وفلسفات، وكل يُقدم حُججه ويدافع عنها ويُنافح، وكأنه طريق بين الأدغال أو في مغارات الجبال، أو كأنه طريق في طبقات السماء أو في أعماق البحار تحت الماء.
خدعوا المرأة فأقنعوها بأن (الطريق إلى قلب الرجل معدته)، فانكبت المسكينة على تعلم وصنع ما لذ وطاب من الطعام والشراب، وتبذَّلت في الهندام والثياب، وأذاقت نفسها الويلات والعذاب ولم تصل إلى قلب زوجها.
نسيت المسكينة أن كل ما تفعله داخل البيت أو خارجه لا يعفيها من كونها زوجة ينتظر منها زوجها أن تسره إذا نظر إليها، وتؤنسه إذا جالسها، وتروي مشاعره إذا خلا بها، فيستغني بها عن غيرها ولا يمد عينيه إلى سواها.
وخدعوا المرأة فأقنعوها بأن (الطريق إلى قلب الرجل شهوته) فاتجهت المسكينة إلى الاعتناء بجسدها ونسيت الاعتناء بقلبها وعاطفتها وأهملت روحها ومشاعر زوجها.
بين يدي الموضوع
إن شرعنا الحنيف لم يترك قدر النقير ولا القطمير في ضوابط العلاقة الزوجية الناجحة ولا غيرها إلا بيَّنه بياناً لا لبس فيه ولا غموض.
وقبل أن نتناول موضوع (الطريق إلى قلب الزوج) بتفاصيله يجب أن نعرِّج على بعض الأحاديث والمواقف والأقوال التي نبني عليها أسس موضوعنا.
1. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قيل لرسولِ اللهِ - ﷺ - أيُّ النساءِ خيرٌ؟ قال: التي تسرُّه إذا نظر، وتطيعُه إذا أمر، ولا تخالفُه في نفسِها ومالها بما يكره" (رواه النسائي).
2. عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - ما - أن النبي - ﷺ - قال: "لا آمُرُ أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ، ولو أمرتُ أحدًا أن يسجدَ لأحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها" (رواه الترمذي).
3. عن طلق بن علي الحنفي - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: "إذا دعا الرَّجلُ زوجتَه لحاجتِه فلْتُجِبْه وإنْ كانتْ على التَّنُّورِ" (رواه ابن حبان). والتنور هو الفرن الذي يُخبز فيه.
إن هناك من ينظرون للحياة الزوجية نظرة تشاؤمية، فما تجد بين الزوج وزوجته سوى تناطح كتناطح الكباش، وكأن البيت أصبح ساحة للمبارزة وليس عشاً للمودة والرحمة والمؤانسة.
هناك من ينظرون للحياة الزوجية نظرة تشاؤمية، فما تجد بين الزوج وزوجته سوى تناطح كتناطح الكباش، وكأن البيت أصبح ساحة للمبارزة وليس عشاً للمودة والرحمة والمؤانسة
أمور تؤدي إلى قلب الزوج
1. إن (الطريق إلى قلب الزوج) زوجة "إذا نظرَ إليها سرَّتْه، وإذا أمرَها أطاعَتْه، وإذا غابَ عنها حفظَتْه" (الجامع الصغير).
جاء في "عيون الأخبار" لابن قتيبة أنَّ أبا الأسود نصَح ابنتَه قبل زفافها قائلًا: "إيَّاكِ والغَيْرةَ؛ فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، وأزينُ الزينة الكُحل، وعليك بالطِّيب، وأطيبُ الطيب إسباغ الوضوء".
2. زوجة "يلاعبها وتلاعبه، كما قال النبي - ﷺ - لجابر - رضي الله عنه - حين علم أنه تزوج ثيباً فقال له: "هَلَّا تَزَوَّجْتَ بكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ" (صحيح البخاري).
- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -ﷺ- قال: "عليكم بالأبكارِ، فإنهنَّ أنتقُ أرحامًا، وأعذبُ أفواهًا، وأقلُّ خَبًّا، وأرضى باليسيرِ" (حديث حسن رواه ابن ماجه). ومعنى أنتقُ أرحامًا: كثُر ولدُها. و أقلُّ خَبًّا: أقل خداعاً.
3. زوجة تعرف لزوجها قوامته، وتُعلِي أمام الناس شأنه، وتحترم أهله، وتحسن تربية ولده، وتحفظ سرَّه، وتصون عِرضه، وتقدِّر غيرته، وتعرف كيف تعفه.
جاء في كتاب "منار السبيل شرح الدليل" لابن ضويان: "وللزوج أن يستمتع بزوجته كل وقت، على أية صفة كانت لقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ} [البقرة:223] قال جابر: من بين يديها، ومن خلفها، غير أن لا يأتيها إلا في المأتى" [متفق عليه].
4. زوجة تطمع في حبه ولا تطمع في ماله، فالزوج يبغض المرأة الأنانية ويقدر القنوعة العفيفة الراضية.
5. زوجة لا تستفزه إذا غضب ولا تصب زيت حماقتها على نار غضبه فتزيده تأجُّجًا.
6. زوجة لا تتزين إلا له، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، ولا تخضع بالقول خارج بيتها فيطمع فيها الذي في قلبه مرض.
7. زوجة تشاركه فكره، وتسلِّم برجاحة عقله وسبق خبرته فتلزم حدها وتعترف بضعفها وتفخر بكونه قدوتها ومرشدها وإمامها.
8. زوجة ترافقه في دربه، وتقرِّبه إلى ربه، فلا تحمِّله من الهموم ولا من الذنوب ما لا يطيق.
9. زوجة لا تعرف عيب المقال ولا تعرِّض نفسها لمكر الرجال، قاصرة عينها وزينتها وتفكيرها على زوجها.
10. زوجة تفرح لفرحه وتغضب لغضبه وتؤثره على نفسها ولا تشكوه لأهلها ولا تنام وهو غضبان عليها.
جاء في حديث كعب بن عجرة - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: "... أَلَا أُخْبِرُكُمْ بنسائِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ الودودُ الولودُ، العؤودُ، التي إذا ظُلِمَتْ قالت: هذه يدي في يدِكَ، لا أذوقُ غُمْضًا حتى تَرْضَى" (رواه النسائي في السنن الكبرى والطبراني).
11. زوجة لا تنسى لزوجها فضله وحسناته، ولا تذكره بزلاته وهفواته.
عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنَّ النبي - ﷺ - قال: "أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ قيلَ: أيَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ" (صحيح البخاري).
12. زوجة لا تعامل زوجها بالحمية والندية ولكن بالإيثار والمبادرة، فتفكر في رضاه قبل رضاها وفي راحته قبل راحتها وسعادته قبل سعادتها.
13. زوجة تعرف كيف تستخدم (السحر الحلال) الذي وهبها الله -تعالى- إياه وهو تلك (الأنوثة) التي تأسر قلوب الرجال وتستعبد رقاب الملوك.
يُروى أنه قد عُرضت على المأمون جارية بارعة الجمال، فائقة الكمال، غير أنها كانت تعرج برجلها، فقال لمولاها: خذ بيدها وارجع، فلولا عرج بها لاشتريتها، فقالت الجارية: يا أمير المؤمنين إنه في وقت حاجتك لن تنظر إلى العرج، فأعجبته سرعة جوابها وأمر بشرائها".
14. زوجة تتعامل مع زوجها بأسلوب "شعرة معاوية" وبهدي النبي -ﷺ- الذي يقول فيه: "ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ، ولَكِنِ الواصِل الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها" (صحيح البخاري) أليس الزوج أولى وأحق من الرحم بهذا الوصل!
15. زوجة لا تقارن زوجها بغيره ولا تعايره بما ليس عنده بل ترضى بما قسمه الله لها ولتعلم أن الخير والبركة في الرضا والقناعة.
قصة من التراث
يُحكى أن امرأة كانت في شقاق وشقاء دائمين مع زوجها فذهبت إلى أحد الحكماء لتستشيره في أمرها وأمر زوجها، استمع الحكيم إلى قصتها وطلب منها أن تحضر له ثلاث شعرات من ذقن قرد لكي يقدِّم لها النصيحة النافعة الناجعة التي تسعدها وتسعد زوجها، وأمهلها ثلاثة شهور، احتارت المرأة وشعرت بأنه من المستحيل أن تستطيع إحضار الشعرات الثلاث التي طلبها ولكنها سرعان ما ذهبت إلى حديقة الحيوان وسألت حارس القرد عن عادات القرد وطباعه، وعما يحب ويكره، وعن الطريقة التي تستطيع بها استمالته وترويضه، أجاب الحارس عن كل أسئلتها باستفاضة.
واظبت المرأة على الذهاب إلى القرد يومياً تلاعبه وتقدم له ثمار الفاكهة وكل ما يشتهيه كي يألفها ويستكين لها إلى أن تم لها ما أرادت ونزعت ثلاث شعرات من ذقن القرد في نهاية المدة التي حددها لها الحكيم، ذهبت المرأة إلى الحكيم ومعها ما طلب، فقال لها: خبريني بما صنعت؟
حكت المرأة كل ما فعلته طوال الشهور الثلاثة لكي تستميل القرد وتروّضه إلى أن وصلت إلى مبتغاها، هنا ضحك الحكيم وقال لها: يا مسكينة! لو عاملت زوجك من البداية كما عاملت القرد لما وضعت نفسك في كل هذا العناء.
وأخيراً
إن شفرة قلب الزوج ليست بالمعقدة التي تحتاج إلى جهد مُضنٍ وليست بالسهلة التي يُستهان بها.
إن شفرة قلب الزوج أقرب ما تكون إلى شفرة قلب الطفل -وإن تظاهر بعكس ذلك- فهو يكفيه القليل ويُسعده التدليل، ويُدميه الفراق ويُدنيه العناق.إن شفرة قلب الزوج لا تحتاج إلا إلى زوجة تفهم معنى الأنوثة ومعنى الرجولة، وتعرف الفرق بين العقل والعاطفة فتسكب من هذا على ذاك بمقادير محددة وفي أوقات محددة وأماكن محددة، حينها يسلم لها الرجل مفاتيح قلبه فتتربع على عرشه وتتجول في أركانه وجنباته وقتما شاءت وكيفما شاءت؛ لأنه ليس أعز على قلب الزوج من زوجة تَعرف كيف تقهر قلبه بشمس عقلها ولهيب عاطفتها.
إن القلب خلقه الله تعالى من لحم ودم، وما خلق القلب إلا لينبض ويُعطي بل وليُغذِّي ويُشبع وكل ما يحتاجه القلب ليقوم بكل هذا هو ذلك الدفء الذي يجعله يواصل العطاء بأريحية وهدوء وثبات، وإن حُرِم هذا الدفء ووجد الجفاء والصدود والإهمال سيتوقف عن العطاء وإن أعطى سيكون حاله حال المُضطر الذي يتناول من الميتة ما يسد رمقه ويحفظه من الهلاك.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال أهلينا وألف بين قلوبنا ولا تجعل للشيطان مكاناً بيننا.