أحذّر من الكبر والمتكبرين، وأن الكبر بلاء كبير، وأن العاقبة ستكون وخيمة إذا كان المتكبر بيده السلطة والحكم والقرار، لأن هذا التكبر يدمر البلاد ويفرق شمل العباد، ويحول بين المرء وربه، وبين المرء وقبول الحق، والاحتكام إليه.
وأن أهم ما يميز الإسلام أنه جعل المؤمن أخاً للمؤمن، ورفع -في سبيل القضاء على الفوارق الاجتماعية- شعار «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»، لافتاً إلى أن الإيمان هو القاسم المشترك بين جميع من ينتسب إلى هذا الدين.
بينما الكبر من أشد أنواع الأمراض القلبية والنفسية والاجتماعية وأخطرها، ويصيب الإنسان فيظنه خيراً له، بل هو شر له.
إن الكبر يجعل صاحبه مبغوضاً ومكروهاً من قبل الآخرين، ذلكم المرض القلبي والنفسي والاجتماعي هو الكبر، الذي يظن صاحبه أنه أفضل من الآخرين، ويستعظم نفسه ويعلو بها ويستصغر الآخرين، ويجعله لا يقبل الحق، ولا يرضى به، ويجعله رافضاً له، ولا يخضع له، حتى ولو كان الحق واضحاً جلياً، وظاهراً بيناً، يحسب أن التزامه بموقفه، وثباته على رأيه عز وفخر، ويظن أن الرجوع إلى الحق وقبوله والأخذ به ذل.
إن الكبر يحول بين المرء وربه، وبين المرء وقبول الحق والاحتكام إليه، وبين المرء ومن يعاشره في المجتمع، وبين المرء ومن يعايشه في بيئته، ينأى به عن الحق ويدعوه إلى ظلم الناس وبخسهم حقهم، ويؤجج بين أفراد المجتمع نيران البغضاء والكراهية، ويقضي على الحب والوئام.
لعنات السكوت على الظلم
إن بعض الشعوب لم تنجُ من لعنات الله تعالى، ولعنات التاريخ والأمم، بسبب سكوتهم عن المطالبة بالحرية والكرامة، لأنهم رضوا بأن يكونوا أداة ظلم وطغيان بأيدي الظالمين المتكبرين، وأن الله تعالى لا يقبل من الأمة الخنوع، ولا يرضى عنها إذا سكتت عن عبث العابثين بأمنها واستقرارها، بل الواجب على الأمة كلها أن تقوم بالإصلاح، وأن تأخذ على يد الظالم فتمنعه عن الظلم.
(إن سكت الضعفاء في الأمة، فإن السكوت يحرم على علمائها ومفكريها، وأهل الرأي والمشورة فيها، يجب عليهم قول الحق، والدعوة إليه، والتناصر من أجله، بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى لا يعم الله تعالى الأمة كلها بالهلاك والفتن).
«إن الله تعالى قص علينا في هذا الجانب، ما كان من حوار بين المصلحين وبعض من تسرب اليأس إلى قلبه من الإصلاح في بني إسرائيل، وعاتبوا المصلحين على نصحهم لأولئك المفسدين، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ».
لّما آذن الله تعالى بهلاك بني إسرائيل أنجى المصلحين، لأنهم أدوا الواجب عليهم من حيث النصح والتوجيه، لأن الكبر بلاء كبير، خاصة إذا تكبر من بيده السلطة والحكم والقرار، فإن تكبرهم يدمر البلاد ويفرق شمل العباد.
إذا اقترن هذا الكبر بالظلم أدى إلى خلل في العقيدة، من حيث الولاء لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، ومن حيث البراء من الكفار والمشركين والمعتدين.
استعانة المظلوم
إن المظلوم يتعلق بأي شيء يلوح له بطوق النجاة من وطأة الظالم وجبروت المتكبر، فيستعين بغير المسلمين في سبيل التحرر من قيود الظلمة، ويلتجئ إلى من لا يرعى في الأمة الإسلامية عهداً، ولا يحفظ لها ميثاقاً.
وأن الفرصة تكون مواتية للاحتلال بشكل آخر، ويسعى العدو إلى تطبيق خططه التي خططها منذ عشرات السنين، إذ يمر احتلالهم عبر مراحل، المرحلة الأولى: الاحتلال مع الصفر في النتائج والربح، بالتدخل تحت مسمى الحماية والوصاية ورعاية الأقليات وصون الحقوق.
أنواع الكبر وعقوبته
«لما كان الكبر إلى هذه الدرجة من الخطورة على الفرد والمجتمع، فقد حرمه الله تعالى، وجعله من الكبائر، وتوعد المتكبر بعذاب أليم، ونفى محبة الله تعالى له، ولكل من يرى لنفسه ميزة دون مبرر على عباد الله تعالى، بل تكبراً واستبداداً..
وأن الكبر نوعان، الأول: وهو الكبر على الله تعالى، وترك أوامره، وفعل نواهيه، ويؤدي بصاحبه إلى الكفر، لأنه لا يقبل الحق ولا يحتكم إليه، ويحسب أنه يحسن صنعاً، وهنا تكمن الخطورة، إذ يؤدي هذا النوع من الكبر والغرور بصاحبه إلى التهلكة وإلى الكفر.
وأن النوع الثاني من الكبر، هو استصغار الناس والاستهانة بهم، والاعتداد بالنفس غروراً وتكبراً، مما يزيد المرء طغياناً وفساداً وشراً.. لافتاً إلى أن هذا المرض الخطير إذا أصاب شخصاً ما أدى به إلى المصائب والهاوية، وسعى به إلى جهنم وبئس المصير، ويجعله في الدنيا متخبطاً في آرائه، لا يهتدي إلى صواب، ولا يبصر هدى، فيتخذ القرارات غير الصحيحة، ويبني في نفسه سداً يمنعه من قبول نصح الناصحين، والاسترشاد بقول الراشدين، والأخذ بحكمة المستشارين.
المتكبرون يفشلون
إن المتكبرين والمتجبرين من الذين بأيديهم زمام الأمر فشلوا في حماية الأمة، وساروا بها إلى الحضيض، بل فشلوا في كل شيء، وفي التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وفي التربية والتعليم، وفي الرعاية الصحية، والرفاهية الدنيوية الحقة لشعوبهم، وفي إيجاد ما يحقق السعادة في الآخرة، حتى ذاع صيتهم في الفشل في الحرب ضد العدو، إلا ما كان في حرب 1973، حيث غيروا بعض الشيء من سلوكهم، ومكنوا العلماء في التربية المعنوية للجيوش للارتقاء بهم، وحاربوا في ظل «الله أكبر»، ولو استمروا على تلك الحال لأزالوا إسرائيل.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين