دراسة حديثية لحديث عالم المدينة

الرئيسية » بأقلامكم » دراسة حديثية لحديث عالم المدينة
library-books

إن أعلم الناس بعالم المدينة هم أهل زمانه الذين عايشوه، فهم أعرف الناس به، وقد اشتهر الامام مالك بهذه الصفة على ألسنة الناس من العامة والخاصة دون غيره، وشهد له نظراؤه في العلم بهذه البشارة النبوية، كيحيى بن معين وابن المديني، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، فقد كانت معرفتهم به معرفة يقينية، ومعرفة غيره به ممن طال العهد بينهم وبينه معرفة عن طريق الاجتهاد.

وقد أجمعوا كلهم على أنه مالك بن أنس إمام دار الهجرة، فهو الذي ضربت إليه أكباد الإبل من الآفاق، وحصل على إمامته الاتفاق، فكان عالم المدينة بحق، ولعل هذا أكبر مئنة على صحة الحديث وقبوله عند اهل العلم، إذ لو كان حديثا ضعيفا معلولا، لما اجتهد العلماء في تفسيره، ولما خاضوا غمار سبر أغواره، كما أن أكثر علماء المالكية قد وسموا كتبهم بهذا اللقب نسبة إليه، وإشارة إلى مذهبه، فهذا حسن بن محمد المشاط، قد ألف كتابا وسمه "بالجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة"، وهو بحث وعرض لأدلة الاجتهاد والاستنباط عند الإمام مالك خاصة، ومذاهب أتباعه عامة، وللقاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي كتاب "المعونة على مذهب عالم المدينة" في الفقه المالكي، وكتاب "عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة" لجلال الدين بن شاس.

أما فيما يخص علة الحديث، فهي كامنة ولا شك في تدليس ابن جريج وابي الزبير وعدم تصريحهما بالتحديث، إلا أن الطحاوي قد صرح بالتحديث عند ابن جريج، ولابن المفضل المقدسي في الأربعين المرتبة على الأربعين رواية فيها تصريحهما بالتحديث، ولابي طاهر الازدي السلماسي في كتابه منازل الأئمة الأربعة رواية صرح فيها بالتحديث عنهما.

أما وقف المحاربي للحديث عن ابن جريج لا يضر، لان ابن عيينة أوثق من ابن جريج، ولم يكن يدلس إلا عن ثقة، ثانيا لأن البزار صرح ان ابن جريج لم يرو عنه هذا الحديث إلا ابن عيينة، وتابع عبد الله الأنصاري ابن عيينة في رفعه، ولم يصح ترجيح الإمام أحمد الوقف، وكان سفيان يوقفه أحيانا، ويرفعه أحيانا، وهذا من عاداته، وقد رفعه كبار الثقات، كالحميدي وغيره.

وفي بعض الروايات زيادة أبي الزناد تارة، والزهري تارة، كما عند نعيم بن حماد في الزهد، وذلك لا يضر، لأن النفس مجبولة على الخطأ والنسيان.

وللحديث متابعات وشاهد من طريق أبي موسى الأشعري، وحدث به سفيان أكثر من مرة، ونقله كبار النقاد عنه، ولو كان منكرا لما سكت عنه ابن مهدي وأحمد وابن معين، فالحديث نظيف الإسناد كما قال الحافظ شمس الدين الذهبي، وليس في متنه نكارة، ومعناه صحيح، والله أعلم وأحكم بذلك، وبه التوفيق والسداد، والهدي الى سبيل الرشاد.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين ابن سيرين وفرويد: حين يصبح الحلم بوابة للعلم… أو للوهم

إذا رغبنا في المقارنة بين كتاب تفسير الأحلام لعالم النفس النمساوي المثير للجدل "سيغموند فرويد"، …