في بداية العام… وصفةٌ للانطلاق

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » في بداية العام… وصفةٌ للانطلاق
planning

دهدار: قبل كتابة الخطة حدد "مفاتيح التميّز"

بلعاوي: الخطط السنوية تنبثق من الهدف الاستراتيجي

مع كل عام جديد، يتكرر الحديث عن التخطيط للحياة، وبين من يضع الخطط ومن لا يكترث لها، ثمة فئة تجلد ذاتها، أفراد هذه الفئة يؤمنون بضرورة تحديد الأهداف والسعي لتحقيقها، لكنهم لا يعرفون من أين البداية ولا كيف يكون الانطلاق، ومنهم إذا وضع الخطة سرعان ما ينسى أمرها، إما لضعف الإرادة أو لصعوبة الأهداف المرصودة.

في هذا التقرير وصفةٌ لكل من يبحث عن خطة بسيطة قابلة للتطبيق.

تقييم الذات

يقول مدرب التنمية البشرية الدكتور مروان دهدار: "تكثر الطرق والنماذج للخط الذاتية، لكن شكل الخطة ليس مهماً، الأهم هو اتخاذ الخطوة والمضي فيها، فعلى الإنسان أن يسير على بصيرة، ووفق بوصلة واضحة، ساعياً نحو القمة، وهذا ما أمرنا به ديننا الحنيف".

ويضيف: "أولاً/ يجب أن تتوفر الرغبة، ومن ثم يبدأ الفرد بالتخطيط، ويلي ذلك التطبيق، وهذا يلزمه العزيمة والإصرار؛ ليشعر بمتعة الإنجاز."

ويتابع: "يجب أن تكون الأهداف ذكية، بمعنى أن تكون محددة بدقة، وقابلة للقياس، وللتحقيق، وواقعية، ومقيدة بزمن، على سبيل المثال من كان هدفه النجاح بمستوى معين في الدراسة، فلا يقول (أرغب بالنجاح في الفصل الثاني)، بل يقول (سوف أحقق نجاحاً بنسبة 95% في الفصل الثاني لعام 2020).

د. مروان دهدار: لا قيمة للخطط بدون التقييم

ويشير إلى أنه قبل كتابة الخطة، يجب أن يحدد الشخص "مفاتيح التميز" لديه، وأن يبحث عن الميزة التنافسية لذاته، ومن أجل ذلك لا بد من الإجابة على ثلاثة أسئلة، هي: "من أين أبدأ؟"، و"كيف أصل؟"، و"ماذا أريد؟"، ثم يأتي دور تحديد الأولويات، وترتيب الحاجات والرغبات وفق مصفوفة الأولويات، وبذلك تتحقق الاستفادة القصوى من الوقت والموارد المتاحة.

ويلفت إلى أن فرض المواعيد النهائية وممارسة الانضباط الذاتي في الالتزام بها يساعد صاحب الخطة على التغلب على الحيرة والتردد والتسويف.  

ويقول دهدار: "إن من أهم الجوانب التي يجب أن تتضمنها الخطة الذاتية والتي تحافظ على توازن شخصية الفرد: الحياة الشخصية (الروح، النفس، الصحة الجسدية، الهوايات)، والعلاقات (الأسرة، الأصدقاء، صلة الرحم، الالتزام بالمواعيد)، والعمل (الإنتاج والإبداع والمال)، والفكر (بناء المعرفة والمهارات والقدرات والكفايات التي تساعدك في مواجهة الصعاب والتحديات). ويضيف: "تحديد تلك الجوانب ومدى أولويتها يكون من خلال تقييم الشخص لنفسه، مع ضرورة المحافظة على التوازن في كل أمور حياته".

ويؤكد على ضرورة "تحليل الذات"، وهو تحليل الشخص للبيئة الداخلية (ما فيه هو)، وللبيئة الخارجية (ما حوله)، لمعرفة نقاط القوة والضعف لديه، ولتحديد الفرص والتهديدات التي حوله، ليتمكن من الانطلاق نحو المستقبل بأرضية واضحة وراسخة.

ويبين: "هذا التحليل يتطلب وضع قائمة مكونة من أربعة أعمدة، يحصر فيها الفرد أهم نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، ومنها ينطلق لصناعة خطته، مثلا يحوّل نقاط ضعفه لأهداف ذكية، ويجد طريقة للاستفادة من الفرص".

وصفةٌ علاجية

ويوضح: "التقييم ضرورة من ضرورات النجاح، وليس لأية خطة قيمة دون تقييم قبل التخطيط وأثناء التنفيذ وبعده ".

ويقدّم دهدار ما يصفه بأنه "وصفة علاجية لاستقبال العام الجديد" يخاطب فيها كل من يخشى التعثر في تطبيق خطته: "الجأ إلى الصلاة، واستعن بالله في كل أمورك، وكن واثقاً من الاستجابة، وأعط الأمور الجدية الواجبة دون تضخيم أو يأس، كُن واقعياً في نظرتك للأمور ولا تجعل طموحاتك تفوق ما يمكنك تحقيقه، أعد ترتيب أهدافك إذا وجدت بعضها صعب التحقيق، وضع جدولاً لأعمالك وحدد أولوياتك ورتب مواعيدك".

وفي قائمة نصائحه أيضاً: "اجعل لنفسك فترة للاسترخاء يومياً وخلالها لا تعمل ولا تتحدث مع الآخرين ولتكن مدتها من خمس إلى عشر دقائق، تنفس بعمق وحدث نفسك بقدرتك على التعامل مع مصادر الأرق بين كل شهيق وزفير، ولا تنسَ أن تأخذ فسحة صغيرة تمارس فيها عملاً عضلياً مثل الجري أو إعادة تنظيم المكتب، خذ قسطاً وافياً من النوم، وتذكر أن لبدنك عليك حقاً، وأعد اكتشاف شخصيتك فالحياة عبارة عن اكتشاف مستمر للنفس، وجرب اللعب مع الصغار أو محاورتهم ولو لدقائق معدودة، واختَر صديقاً تبوح له بأسرارك ومشاكلك عند الحاجة، حاول أن تحصل على إغفاءة بسيطة عندما تواجه ضغوطاً حادة، وابحث عن مصادر الابتسامة، وتجنب التركيز على مصادر الضغط التي لا تملك السيطرة عليها، اتصل بأحد الأصدقاء الذين تهوى نفسك الحديث معهم ولو لمرة واحدة يومياً".

وينصح أيضاً: "ركز على إنجاز مهمة واحدة في الوقت الواحد، ولا تحاول تنفيذ كل شيء يطلبه الآخرون ، تقبل أخطاء الآخرين، ولا تنتقد كثيراً، وحاول إصلاح ما يمكنك إصلاحه، وتذكر أنه ليس منا من يخلو من العيوب، وأكثر من أعمال الخير".

الإيمان والمنهجية

من جانبه، يقول مدرب التنمية البشرية/ محمود البلعاوي: قبل كل شيء، لا بد من تحديد الهدف الرئيس من الحياة، فإن غاب هذا الهدف، فلا قيمة لكل الخطط؛ لأن الخطط السنوية هي وسيلة لتحقيق أهداف صغيرة تصبّ باتجاه الهدف الكبير ".

محمود البلعاوي: بساطة الخطة تساعد على تطبيقها

ويضيف: "فكرة الهدف العام هي (أريد أن أترك أثراً قبل أن أغادر الدنيا، فما هو هذا الأثر؟)، الإجابة يحددها الشخص بنفسه."

ويتابع: "الهدف الرئيس يجب أن يكون كبيراً وواسعاً جداً، لا يتحقق في سنوات محدودة، وأن يعمل لأجله الإنسان طوال حياته، ويأتي آخرون يكملون من بعده"، مواصلاً: "الأهداف السنوية تنبثق من الهدف الاستراتيجي، وكل سنة نقترب من هدفنا البعيد أكثر".

ويؤكد البلعاوي: "لا يعيب الإنسان أن يبدأ بوضع الخطط بعد أن يقطع سنوات طويلة من عمره، المهم أن يبدأ فورا"ً.

ويرى أن التخطيط فلسفة عمل ومبدأ، أكثر منه نماذج وأدوات، برغم أن النماذج تسهل قراءة الخطة ومتابعتها، فالمهم وجود الخطة بمبدأ سليم؛ لأن أية خطة لا تُبنى على تحليل دقيق وبسيط ليست إلا وسيلة يستخدمها الفرد ليشعر نفسه أنه يواكب الناس في تخطيطهم وسيرهم نحو أهدافهم.

ويبين: "مجرد التفكير في التخطيط يعني أن الفرد إيجابي يفكر في تطوير ذاتيه، وهذه نقلة نوعية لمن لم يخطط لحياته من قبل".

ويوضح: "يتحقق المطلوب من التخطيط إذا كان الفرد يؤمن بالتخطيط كمبدأ، ويتقنه بمنهجية علمية"، لافتاً إلى أن "توفر الإيمان بالتخطيط أهم من إتقانه؛ لأن المؤمن به يستمر في المحاولة مهما تعثر حتى يصل لمراده" .

ويشير إلى أن المقصود بالمنهجية العلمية للتخطيط أن تكون الخطة مبنية على "احتياج"، والاحتياج نوعان، تطويري واستدراكي.

وعن طرق تحديد الاحتياج، يقول بلعاوي: "من أشهر الأدوات: الاستقصاءات والاستبانات، وهي نماذج لقياس الذات، تتكون من أسئلة في جوانب مختلفة من الحياة، والإجابة عنها تحدد ما يحتاجه الفرد، والكثير منها منتشر عبر الإنترنت، لكن لا بد من الانتباه؛ لكون معظمها مترجمة وفيها ما يصلح لمجتمعات دون أخرى".

ويضيف: "الوسيلة الأبسط هي محاورة النفس، فالحوار الداخلي أدق من الاستبانات؛ لأن الشخص يعرف نفسه تماماً، ويدرك بعض عيوبه التي لن تطرحها الاستبانة"، متابعاً: "سؤال الآخرين وسيلة جيدة أيضاً".

وينوّه إلى أنه من الجيد استعمال أكثر من وسيلة، يختار الفرد لكل محور الطريقة الأنسب لتحديد احتياجه فيه، فمثلا يمكن أن يطلب تقييمه في العمل ليرى نقاط الخلل في الجانب المهني، أما في شقّ العلاقات فيسأل نفسه والمقربين.

ويؤكد بلعاوي أن الخطة كلما كانت بسيطة يكون تطبيقها أسهل وأفضل، مع ضرورة مراعاة بعض النقاط لضمان المضي قدماً في تطبيقها.

ويحدد تلك النقاط: "قبل وضع الخطة، ينبغي عدم رفع سقفها، يحدد الفرد أهدافا طموحة لكنها واقعية في الوقت ذاته ، أما بعد وضعها وخلال مرحلة التطبيق فلا بد من المتابعة المستمرة، ومراجعة مقدار الإنجاز بين حين وآخر".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية من غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية، تكتب في عدد من المواقع المحلية والعربية

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …