كيف تتوقف عن التفكير بكلام الناس عنك؟

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف تتوقف عن التفكير بكلام الناس عنك؟
the_art_of_conversation12

قال الشافعي:

ضحكت فقالوا ألا تحتشم؟ * بكيت فقالوا ألا تبتسم؟
بسمت فقالوا يرائي بها * عبست فقالوا بدا ما كتم
صمت فقالوا كليل اللسان * نطقت فقالوا كثير الكلم
حلمت فقالوا صنيع الجبان * ولو كان مقتدراً لانتقم
بسلت فقالوا لطيش به * وما كان مجترئاً لو حكم
يقولون شذ إذا قلت لا * وامعة حين وافقتهم
فأيقنت أني مهما أرد * رضى الناس لا بدّ من أن أذم
وهذا باختصار هو حالنا مع كلام الناس الذي لا ينتهي.

نصيحتي لنفسي ولك عزيزي القارئ أن لا تأبه أبداً لما يظنه الناس عنك؛ فمن أحبك قدّرك وفرح لفرحك وحزن لحزنك، إن أصبت شجّعك وإن أخطأت لم يجاملك، بل يحاول مساعدتك على تصويب خطئك، وأمّا من كرهك فغالباً ما يتحدث عنك ولا يتوقف عن الكلام؛ ليس لأنه يهتم لأمرك بل لتسلية نفسه أو لتسلية الغير أو لسد نقص في شخصيته، فيكون ذلك نوعاً من لفت انتباه الآخرين إلى ما يقول، فيبدأ بحياكة القصص واختلاق الأقاويل بدون مراعاة لك أو لمشاعرك ليكسب المزيد من نظرات إعجاب من حوله.

إنّ من يفكر كثيراً فيما يقوله الناس عنه يرهق وتستنزف طاقته ولا يستطيع إنجاز أي عمل بل ويتحطم نفسياً؛ فليس هناك ما يدفعه للأمام فخوفه من كلام الناس يعرقل مسيرة حياته.

إنّ من يفكر كثيراً فيما يقوله الناس عنه يرهق وتستنزف طاقته ولا يستطيع إنجاز أي عمل بل ويتحطم نفسياً؛ فليس هناك ما يدفعه للأمام فخوفه من كلام الناس يعرقل مسيرة حياته

ولكي تستطيع أن تتوقف عن التفكير بكلام الناس عنك أو ما يظنه الناس بك، إليك النصائح التالية:

أولاً/ عليك أن تقوي ثقتك بنفسك فليس هناك على وجه البسيطة أحد مثالي أو كامل في كل شيء، فالكمال لله وحده، اعمل كل جهدك على تطوير ذاتك بقدر المستطاع واعلم أنك كما تتمنى أن تكون مكان شخص آخر أفضل منك -سواء أكان لعلمه أو عمله أو وضعه الاجتماعي أو غيره من الأسباب- فإن هناك من يتمنى أن يكون في مكانك أنت، فاحمد الله وتقبل نفسك ولا تلتفت لما يقوله الناس.

قد تكون لديك أمور أو صفات يصعب عليك تغييرها وتسمع الكثيرين ينتقدونك لأجلها، فمثلاً شكلك، طولك، صوتك وما إلى ذلك، في هذه الحالة، ما عليك إلا أن تتقبل نفسك كما هي فهذه أشياء لا يمكن تغييرها ، بل على العكس حاول دائماً التركيز عليها والتفكير بها كنعم منحك الله إياها وأن هناك الكثيرين ممن يتمنون الحصول على بعض ما عندك.

ثانياً/ تجنب التفكير في تقدير الأشخاص لك في أيّ عمل تؤديه أو أيّ كلمة تصدر منك، حاول التركيز على نفسك وتذكر أن الناس أيضاً لديهم ما يشغلهم غير الانتباه لك ولأفعالك، لذا إن كان لديك هدف معين فابذل قُصارى جهدك للوصول إليه وتوقف عن التحليل الزائد لما سوف يظنه الناس أوما سيحكمون عليك جراءه، هدّئ من روعك وتجنب القلق؛ فالناس سيتحدثون ويقولون سواء أقلقت من كلامهم أم لم تقلق فالنتيجة واحدة .

صدقاً إن أردت أن تحقق ذاتك وتصل إلى ما تصبو إليه فلا تستمع إلى كلام الناس ولا تفكر فيما يقولون بل ولتضرب به عرض الحائط ولتكمل مسيرتك ما دمت تتبع الطريق الصحيح والنهج السليم.

ثالثاً/ لا تجعل كلام الناس السلبي يؤثر فيك وفي شخصيتك أبداً، كأن يحكم عليك بأنك تمتلك صفة سيئة، فإن كان فيك ما قيل حقيقة فما عليك إلا أن تحاول التخلص من هذه الصفة وتتلقى الانتقاد بصدر رحب بل وتشكر من وجّه لك هذا الانتقاد فكما قيل: "رحم الله من أهدى إليّ عيوبي" أمّا إن كان ما قيل عنك زوراً وبهتاناً فقل لنفسك: "إنّ الناجح دائماً يواجه الكثير من الانتقادات " فلا تأبه ولا تفكر فيما يقال أبداً، فما قيل ما هو إلا نتيجة للغيرة العمياء التي تدفع الحاسدين لإحباطك وتثبيط همتك وإبطاء مسيرتك نحو النجاح، فمن سقط يحب إسقاط الجميع معه؛ لكي يشعر بأن هناك من يشاركه في إخفاقاته .

رابعاً/ تجنب أن تكون إمّعة للناس إن أحسنوا أحسنت وان أساءوا أسأت؛ فليس صحيحاً أن تكون انعكاساً لأحد، بل كن أنت مصدراً للضوء الحقيقي، يمشي الآخرون على هداك.

ليس صحيحاً أن تكون انعكاساً لأحد، بل كن أنت مصدراً للضوء الحقيقي، يمشي الآخرون على هداك

يوجد كثيرون ممن يتبعون الآخرين بغير هدى تجنباً لانتقاد الناس، لذا احرص على أن تكون صاحب شخصية أساسها المبادئ والقيم السليمة وليس اتباع الآخرين أو اتباع رأي الأغلبية فقط؛ لتتجنب تسليط الضوء عليك أو لا تكون محط انتقاد الآخرين فكما ذكرت آنفاً ما دمت على الصواب فلا تهتم لمقولة حاسد أو عدو أو مغرض.

خامساً/ فيما يتعلق بالقرارات، لتكن قراراتك مبنية على أخلاقك ومبادئك وأولوياتك لا على ما سيفكر أو سيظن به الناس ، رتب أولوياتك قبل التفكير بالآخرين وآرائهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر: عائلتك في قمة قائمة أولوياتك فلا تتهاون في أي حق من حقوق أفراد أسرتك لإرضاء أصدقائك أو زملائك في العمل أو لتجنب انتقاداتهم اعتمادا ًعلى قناعاتهم المختلفة.

سادساً/ لا تغير طريقة حياتك أو أسلوب معيشتك لكي تكون متوافقاً مع الآخرين من حولك بغض النظر إن كنت سعيداً بهذا التغيير أم لا، كأن تغير طريقة ارتدائك لملابسك أو طريقة كلامك، ارتد ما يعجبك وكل ما يعجبك وقل ما يعجبك طالما أنك لا تتعدى على أحد وطالما كنت على الصواب؛ فلا تغير من حياتك وتستبدلها بما لا تحب بهدف إرضاء الآخرين الذين لا يتوقفون عن الكلام والانتقاد مهما عملت.

تذكر دائماً أن الناس مختلفون في طبائعهم وأفكارهم وأذواقهم وأنّ رضاهم جميعاً من المستحيلات  فإن أردت أن تتقدم في حياتك وتحقق نجاحاً تلو الآخر فلا تأبه لكلامهم وامض على بركة الله بدون أن تنظر خلفك أو تحاول أن تسمع ما يقال عنك ممن لا يتوقفون عن الكلام والانتقاد لتفاهتهم وقلة انشغالهم بما يفيد، فأنت واثق الخطوة يمشي ملكاً.

وأخيراً، إن كنت أنت نفسك ممن يتحدث عن الناس فاعلم أن من أسوأ الأعمال هو تتبع أخبار الناس وعثراتهم ونشر الشائعات حولهم وانتقادهم بما لا يليق بهم، لذا، نصيحتي لك في كل مرة تبدأ بانتقاد غيرك من الناس، ضع نفسك مكانهم وتخيل أن الناس تتحدث عنك بما تتحدث به عنهم، هذه الطريقة كفيلة بأن توقفك عن الانشغال بالناس وبانتقادهم، واعلم أن رسولنا الحبيب - عليه أفضل الصلاة والتسليم - قال: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ " (رواه البخاري).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
باحثة وأديبة ومحاضرة في الأدب والفكر، لها العديد من البحوث والمؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية. حاصلة على شهادة الدكتوراة في التعليم (القيادة التربوية والإدارية). تقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية وورش العمل في مجالات عديدة. درست الأدب الانجليزي والشريعة الإسلامية. وقدمت مساهمات في العديد من المؤتمرات العالمية والمحلية فيما يختص بتطوير التعليم وطرائقه. لها اهتمامات عديدة في مجالات الأسرة وكذلك تنمية وتطوير الذات.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …