وأخيراً.. تم الإعلان عن صفقة القرن، بعد العديد من التكهنات حول محتواها، إلا أن ما اتفقت عليه هو أنها تتعارض بشكل كلي مع مصالح الفلسطينيين -أصحاب البلد المحتل- وتصب لصالح الاحتلال الصهيوني بالكلية.
برأيي.. كان هذا السيناريو متوقعاً، خصوصاً في ظل حالة الضعف التي تمر بها أمتنا، وحالة الانبطاح والخنوع السياسي التي تقوم بها بعض الأنظمة بشكل غير مسبوق حتى تحصل على الدعم من أمريكا ومن في فلكها، وغياب القضية الفلسطينية عن أولوياتهم كقضية مركزية تتعلق بكل المسلمين وليس الفلسطينيين وحدهم!
إن ترامب ومن معه ينظرون إلى "صفقة القرن" على أنها صفقة بين بائع ومشتري، وكأن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى عرض اقتصادي فقط بحيث تنتهي معاناته وصراعه مع المحتل الصهيوني، وأنه سيرضى بدولة مقطعة الأوصال، وسيتنازل -بكل بساطة- عن نضاله ومقاومته التي قدم لأجلها الآلاف من الشهداء!
إن ترامب ومن معه ينظرون إلى "صفقة القرن" على أنها صفقة بين بائع ومشتري، وكأن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى عرض اقتصادي فقط بحيث تنتهي معاناته وصراعه مع المحتل الصهيوني
هذا المنطق هو منطق أصحاب الأموال والشركات الذين لا يهمهم سوى المال، بغض النظر عن الثبات على المبدأ والقيم، فالمهم هو مطلق الربح بحسب التفكير الرأسمالي، بعيداً عن أي منظور قيمي أو أخلاقي أو ديني.
ومن ناحية أخرى.. فإن هذا الإعلان الأخير هو نتيجة حقيقية لمسلسل التنازلات التي تم تقديمها للاحتلال، بدءاً من أوسلو وما أعقبها من اتفاقيات وتفاهمات، وانتهاء بمنع العمل المقاوم في الضفة وحصر مقاومة المحتل بالمجال السلمي واعتباره الخيار الوحيد الذي لا بديل له!
إن الإعلان عن هذه الصفقة وما تضمنته من بنود تتجاهل أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، وتتجاهل القرارات الأممية العديدة، يفرض على شعبنا مجموعة من التساؤلات هي:
1- هل بات هناك أي أمل في تحقيق تسوية سلمية مع الاحتلال؟
2- هل يمكننا أن نثق بالإدارة الأمريكية أو المجتمع الدولي -الأصم- في ظل التجاهل الواضح لقضيتنا ومطالبنا؟
3- هل هناك أي فائدة سيجنيها الفلسطينيون من استمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال؟
4- ماذا حقق الفلسطينيون من إنجازات واضحة بعد اتفاقية أوسلو غير تعيين خمسهم -على أقل تقدير- في أجهزة أمنية مختلفة تقوم بحماية الاحتلال من المقاومة الفردية أو الجماعية؟
5- ماذا سنفعل لو أصر الاحتلال على الاستمرار في تحقيق هذه الصفقة دون النظر إلى موقف الفلسطينيين منها؟
6- هل هناك سيناريو آخر غير المفاوضات والحلول السلمية؟
7- ما هي الخطوة التالية بعد إعلان صفقة القرن؟ هل سنبقى نراوح في دائرة التنديد والشجب والاستنكار واستجداء الآخرين لإصدار بيان إدانة ورفض؟
هذه أسئلة أوجهها لكل من يراهن على المجتمع الدولي وأنظمته السياسية، التي لا تعترف إلا بالقوة كسبيل للاعتراف بحقوق الآخرين حتى لو لم يكونوا على حق، فكيف لو كانوا أصحاب حق بالفعل!
إن هذا الإعلان البائس بالأمس، يسعى لتقديم طوق نجاة للكيان الصهيوني المتخبط المشتت الذي لم يتفق على قيادة سياسية تمثله للمرة الثالثة على التوالي في غضون عام ، والذي فشل في كثير من المواقف وأصبحت صورته مهزوزة أمام الرأي العام الداخلي في ظل صمود شعبنا ومقاومته الباسلة.إن هذا الأمر يحتاج منا كفلسطينيين إلى مراجعة جادة لمسارات القضية، نحن لا نريد أن نبقى متقوقعين داخل حدود قطاع غزة، والضفة المقطعة أوصالها، نحتاج إلى مشروع تحرير واضح، نرسم فيه خطوات ظاهرة نحو تطهير أرضنا، وتحقيق الأمل للاجئين الذين يصبحون ويمسون وهم يحلمون بالعودة إلى ديارهم ووطنهم الذي سلب منهم عقوداً عديدة.
نحتاج إلى مشروع تحرير واضح، نرسم فيه خطوات ظاهرة نحو تطهير أرضنا، وتحقيق الأمل للاجئين الذين يصبحون ويمسون وهم يحلمون بالعودة إلى ديارهم ووطنهم الذي سلب منهم عقوداً عديدة
أدرك أن الأمر لا يتحقق بالأمنيات والرغبات، لكن علينا أن ندرك أن الانتصار في أي صراع يحتاج إلى الجمع بين القوة والدهاء والمرحلية ، وإذا فقدت القوة فإن دهاءك إن وجد لن يكون له أي تأثير، وفي حال انعدام الدهاء فإن القوة قد تنقلب ضد مصالحك ورغبتك.
نحتاج إلى بث روح التحرر في نفوس الفلسطينيين، أن فلسطين كلها من بحرها إلى نهرها لنا، وأن الاحتلال لا شرعية له، وأن كل ما يجري هو عبارة عن أكاذيب لتثبيت وجوده لا أكثر.
نحتاج إلى التأكيد على أن فلسطين لن تتحرر إلا بالوحدة، والعمل الجماعي المنظم، وليس الخاضع للرغبات والتشهي، أطيع أن أعجبني الأمر وأرفض إن لم يعجبني.
ونحتاج إلى تذكير الناس بجرائم الاحتلال ومجازره التي استهدفت آباءنا وأجدادنا، وأن هذا العدو ما زال يقتل ويسجن أبناء شعبنا في كل يوم، دون رقيب أو حسيب.
نحتاج إلى بث روح الجهاد في نفوس أبناء دعوتنا، أن ندعو الله بصدق أن يرزقنا شرف الجهاد والشهادة في سبيله، وأن تكون عبارة "والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" أمنية حقيقية لا مجرد شعارات فحسب .إنني موقن أن الاحتلال حتماً إلى زوال، وأن الظروف المحيطة تؤثر على صراعنا معه بلا شك، لكن هذه هي أفضل فرصة لبث روح التحرر في نفوس أبناء شعبنا الذين أنهكتهم الوعود السياسية على مدار عقود، وفي النهاية لم يجدوا إلا السراب بعد أن ضاعوا في متاهات المكر والخديعة على حساب الحرية والعودة.