حوَّلت الصين تركستان إلى سجن، وعزلتها عن العالم الإسلامي، فأصبحت بلداً إسلامياً منسياً.
التركستانيون يتعرضون للإبادة، فيُحرمون من دينهم ولغتهم وثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم ويُجبرون على اعتناق الشيوعية
الصين تعتقل الأويغور المثقفين الذين لهم تأثير فعال في المجتمع، ولا تستطيع أسرهم التعرف على أخبارهم.
يعاني مسلمو #الأويغور من أكبر حملة تصفية بالعالم في ظل صمت عالمي، وفي تقرير صدر في سبتمبر الماضي، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الصين بتنفيذ "حملة منهجية لانتهاكات حقوق الإنسان" ضد مسلمي الأويغور في شينجيانغ.
ومنذ عام 1949، تسيطر بكين على إقليم تركستان الشرقية، وهو موطن أقلية الأويغور التركية المسلمة، وتطلق عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة".
وفي أغسطس/ آب 2018، أفادت لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة بأن الصين تحتجز نحو مليون مسلم من الأويغور في معسكرات سرية بتركستان الشرقية.
وتفيد إحصاءات رسمية بوجود 30 مليون مسلم في الصين، منهم 23 مليوناً من الأويغور، فيما تقدر تقارير غير رسمية عدد المسلمين بقرابة 100 مليون، أي نحو 9.5 بالمائة من السكان.
وللوقوف أكثر على أوضاع المسلمين في تركستان الشرقية التقت "بصائر" بالناشط والإعلامي الأويغوري مدير وكالة أنباء تركستان عبد الوارث خوتن، الذي أكد على أن مسلمي الأويغور عانوا 70 عاماً من الظلم والذل والهوان والاضطهاد الذي لم تشهد البشرية مثله في القرون المتأخرة.
إلى نص الحوار:
بصائر: بداية.، من هم الأويغور؟ ولماذا تضطهدهم الصين؟
عبد الوارث خوتن: الأويغور مسلمون وتعود أصولهم إلى الشعوب التركية (التركستان)، ويعدون أنفسهم أقرب عرقيا وثقافيا لأمم آسيا الوسطى، يعاني أبناء تركستان الشرقية من الظلم والاضطهاد القمعي منذ الاحتلال الصيني سنة 1949م، حيث تتبع السلطات الصينية سياسات لا تعد ولا تحصى من أجل إبادة التركستانيين، ومن ثم السيطرة الكاملة على تركستان الشرقية لعدة أسباب هي:
-الجانب الاقتصادي: المسألة الاقتصادية هي العامل الأساسي في هذه القضية، تركستان الشرقية تساهم بنسبة كبيرة جداً في نمو الاقتصاد الصيني ، تركستان الشرقية غنية جداً بالموارد الطبيعية والمواد الخام التي تعتمد عليها الصين لتغذية نموها الاقتصادي الكبير، الصين حولت منطقة تركستان الشرقية إلى مركز وطني أساسي للطاقة والغاز والفحم وتمتلك حوالي 21 مليار طن من احتياطيات النفط أي خمس إجمالي الاحتياطي الصيني.
وتمتلك تركستان الشرقية أكبر احتياطيات الفحم في البلاد وتقدر الاحتياطيات بـ 40% من إجمالي الاحتياطيات الموجودة في الصين، كما تشتهر تركستان الشرقية بصناعة المنسوجات أضخم الصناعات الصينية، فتعد الصين ثالث أكبر منتج للقطن في العالم بعد الهند والولايات المتحدة، ففي العام 2018 – 2019 كانت الصين توفر 22% من الإنتاج العالمي للقطن في العالم، حوالي 85% من إنتاج القطن الصيني مزروع بأيدي الأويغور في منطقة تركستان الشرقية، ملايين الأطنان من القطن يتم شحنها كل سنة من تركستان الشرقية إلى مناطق أخرى في الصين، ليصنع كملابس ومنسوجات تصدرها الصين لدول أخرى كالولايات المتحدة التي 30% من وارداتها من الملابس تشتريها من الصين.
-العمالة الرخيصة: الحكومة الصينية تشجع الشركات الخاصة والحكومية التي تعمل في مجال المنسوجات والملابس أن تشغل الأويغور المحتجزين في مراكز كما يسمى إعادة التأهيل وهي معسكرات النازية، وتسمح لهم بأن تدفع الشركات لهم بأقل من الحد الأدنى للأجور أو حتى لا تعطيهم أي راتب نهائياً، وبالفعل هذه الشركات تشغل المحتجزين وتعطيهم من 300 إلى 1300 يوان في السنة في حين أن الحد الأدنى في الصين هو 1820 يوان في الشهر الواحد.
الأمر الآخر هو طريق الحرير فتركستان الشرقية تلعب دورا كبيرا في الاقتصاد الصيني؛ لأنها تعد ممرا رئيساً لنقل البضاعة الى أسواق العالم، فموقعها الجغرافي يجعله البوابة الغربية للصين على العالم ، لأنه -كما قلنا- الإقليم ملاصق لحوالي ثماني دول في وسط وشرق آسيا، النقل البري من وإلى جمهوريات آسيا الوسطى ومنها إلى أوروبا يوفر فرصاً تجارية منخفضة التكلفة، لذلك تركستان الشرقية تقع في قلب طريق الحرير وبالتالي الصين تنظر للاستقرار في تركستان الشرقية كعامل حاسم في نجاح مبادرة الحزام والطريق.
وهناك أشياء أخرى كثيرة مثل التجارب النووية الصينية التي تجرى في أراضي تركستان الشرقية وغيرها من الأمور، وأيضا تركستان الشرقية تعد منجم ذهب للصين، وبالتالي السيطرة التامة عليها يعد أمراً حيوياً وحاسماً للحزب الشيوعي الحاكم بالصين، والذي يرى أن التركستانيين الذين يعيشون هناك يعدون عائقاً في طريق تحقيق هذه السيطرة، وبالتالي تقرر سحقهم بدون رحمة.
بصائر: كيف تضطهد الصين مسلمي الأويغور؟
عبد الوارث خوتن: يعاني شعب تركستان الشرقية من ظلم السلطات الصينية، من جميع الجوانب، ماديا ومعنويا وجسديا ونفسيا، سبعون عاماً من الظلم والذل والهوان والاضطهاد الذي لم تشهد البشرية مثله في القرون المتأخرة، ولقد حوَّلت الصين تركستان إلى سجن، وعزلتها عن العالم الإسلامي، فأصبحت تركستان الشرقية بالنسبة للعالم الإسلامي كسراب يظهر ويختفي، كما أصبح بلداً إسلامياً منسياً.
ومن أشكال الاضطهاد:
-الاضطهاد الاجتماعي:
انقسمت المدن الكبرى في تركستان الشرقية إلى مناطق يعيش فيها المسلمون، ومناطق يعيش فيها الصينيون جراء التناحرات بين أبناء تركستان من جهة، وبين الصينيين الغاصبين من جهة أخرى، والمسلمون الذين يعيشون في مناطقهم يعانون من القمع البوليسي الواقع عليهم، فهم يجبرون على الحصول على إذن مسبق للتنقل بين الأحياء التي يعيشون فيها، وفي إطار هذا الانقسام يصعب عليهم الإقامة في الفنادق، والبحث عن العمل، والسفر خارج البلاد، ويتعرف البوليس على هوية المسلمين بمجرد البحث عن رقم الهوية فَيُصَعِّب عليهم حياتهم ويحولها إلى مشقة بالغة.
-الاضطهاد السياسي:
في الآونة الأخيرة تقوم حكومة الصين الشيوعية بتصفية التركستانييين الذين يعملون في الدوائر الحكومية في مناصب إدارية وسياسية مهمة بتهم واهية، فتتهم الصين التركستانيين بعدم الولاء لحكومة الصين بسبب معتقدهم واعترافهم بهويتهم القومية .
والساسة التركستانيون الذين نجوا من هذه التهم الباطلة ينقلون إلى مناطق داخل الصين وتقطع علاقاتهم مع أبناء جلدتهم وينفون من أراضيهم ووطنهم، وفي كل الأحوال يبعد التركستانيون من المراكز السياسية.
إضافة إلى ذلك يعتقل المثقفون الذين لهم تأثير فعال في المجتمع، والأكاديميون الذين تخرجوا من الجامعات الكبرى في العالم، ولا تستطيع أسرهم معرفة أخبارهم.
التركستانيون بشكل عام يتعرضون للإبادة، فيُحرمون من دينهم ولغتهم وثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم وكل ما يتعلق بها، بل ويُجبرون على اعتناق الشيوعية وتمجيد الصين.
بصائر: تتحدث تقارير حقوقية عن انتهاكات جسيمة طالت أقلية الأويغور، هل لك أن تلقي الضوء على هذه الانتهاكات؟
عبد الوارث خوتن: أعربت الأمم المتحدة أكثر من مرة عن اعتقالات جماعية للأويغور، ودعت لإطلاق سراح أولئك المحتجزين في معسكرات "مكافحة الإرهاب". لكن بكين نفت تلك المزاعم معترفة باحتجاز بعض المتشددين دينيا لإعادة تعليمهم، وتتهم الصين من تصفهم بالمتشددين الإسلاميين والانفصاليين بإثارة الاضطرابات في المنطقة.
وكانت لجنة معنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد أكدت تلقيها كثيرا من التقارير الموثوقة التي تتحدث عن احتجاز نحو مليون فرد من أقلية الأويغور المسلمة في الصين في "مراكز لمكافحة التطرف". وقالت غاي مكدوغال، وهي من لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، إنها تشعر بالقلق إزاء تقارير عن تحول منطقة الأويغور ذات الحكم الذاتي إلى "معسكر اعتقال هائل".
بصائر: ماذا عن معسكرات الاعتقال؟ كم عددها؟ وما هي طبيعتها؟
عبد الوارث خوتن: منذ أبريل 2017 احتجز الأويغور في معسكرات إعادة التثقيف (مراكز التأهيل) في جميع أنحاء إقليم شينجيانغ ويصل عدد هذه المعسكرات إلى 1200 معتقل، يتعرض فيها المسلمون للضرب والصعق وتغيير قسري للمعتقدات، قد تكون الصين قد احتجزت مليوناً في مكان واحد، إلا أنها بالفعل تضع مسلمي تركستان تحت الاحتجاز النفسي، إذ يُجبر مسلمو تركستان على تثبيت تطبيقات تجسس على هواتفهم تسمح للسلطات بمراقبة نشاطهم ، ويبدو أن الاعتقالات جزء من جهود الحكومة الصينية للقضاء على المعتقدات الدينية والجوانب المتعلقة بالهوية الثقافية من أجل إنفاذ الولاء السياسي للدولة والحزب الشيوعي الصيني.
ويؤكد المسؤولون الصينيون على أنَّ معسكرات إعادة التعليم تمثل مدارس للقضاء على التطرف وتهدف إلى تعليم اللغة الصينية وترويج الفكر السياسي الصحيح.
ويُذكر أن تلك السجون بالغة الازدحام، ويجبرون على ترديد أغنيات تمتدح الحزب الشيوعي الصيني، وتشجب معتقداتهم الدينية، كما أن العشرات من المسلمين يجلسون قبالة بعضهم البعض مكبلين بالكلبشات، فيما هم يهتفون في صوت واحد: "عاش الحزب الشيوعي وعاشت الصين".
بصائر: وماذا عن المساجد في تركستان الشرقية؟
عبد الوارث خوتن: الاحتلال الصيني كان يعترف بأن هناك حوالي 30 ألف مسجد في أنحاء البلاد، منذ 2015 - 2016 بدأت حملة هدم المساجد في المدن التاريخية مثل كاشغر، وخوتن، حسب تصريح ضابط شرطة في خوتن لإذاعة آسيا الحرة اعترف بأن 70% من المساجد أزيلت وما زالت عمليات الهدم مستمرة، وتدمير المساجد يعد جزءاً من حملة الصين الضخمة على الأويغور مع العلم أن مساجد تركستان الشرقية منذ القدم كانت مزخرفة وجميلة لها طابع خاص تختلف كليا عن الطراز العثماني، لكن الاحتلال الصيني هدمها جميعها باستثناء جامع عيد كاه في كاشغر والذي يعود تاريخه إلى 1442م.
بصائر: ذكرت تقارير إعلامية أن الصين تجبر الأويغور على العمل في مصانع ذات قيود صارمة، هل لك أن توضح لنا ما طبيعة تلك المصانع؟
عبد الوارث خوتن: هناك ما يسمى بالهشار وهو نوع من أنواع الظلم الذي يتعرض له مسلمو تركستان الشرقية منذ الاحتلال الشيوعي لها عام 1949م، وهي أعمال شاقة إجبارية أقل مدتها 15 يوماً، يعمل فيها التركستانيون إجبارياً من غير أي مقابل لعملهم، وفي أماكن بعيدة عن سكنهم، وتُطَوِّر السلطات الصينية هذا النظام، وتنفذه حتى يومنا هذا.
بصائر: ما حقيقة أن حكومة الصين تمنع مسلمي الأويغور من صوم رمضان؟
عبد الوارث خوتن: يُحرم التركستانيون من جميع العبادات، فمنذ سنوات طويلة والصين تفرض عددا من القيود على المسلمين، ففي خلال شهر رمضان تجبر السلطات الصينية أصحاب المطاعم في مناطق المسلمين أن تفتح أبوابها وتقدم الطعام في نهار رمضان وكل المطاعم مجبرة أن تبيع الكحول والسجائر ومن لا يفعل ذلك يحطمون له مطعمه أو يجبرونه على إغلاقه نهائيا.
كما تمنع المدرسين والطلبة والموظفين من الصيام فيضطر كثير من المسلمين إلى الصيام في الخفاء ولكن كي يتأكدوا من أنه لا يوجد هناك صائم في العلن، كل من يرفض الأكل والشرب في وقت الغذاء يتهم بالصوم ويعاقب بالطرد من الوظيفة أو المدرسة إذا كان طالبا ، والحقيقة أنها تمنع المسلمين من الصيام وتمنع النساء وكبار السن من الصلاة في المساجد فتركستان ممنوعة من الصيام والصلاة، وليس هذا فقط فهي تتعمد أيضا إهانة المقدسات الإسلامية وطمس الهوية الدينية والثقافية للأويغور حتى أنها تجمع كل الأئمة أمام المساجد وتجبرهم على الرقص، هي تريد إهانة المسلمين وتنتهك بذلك القانون الدولي ودستورها الذي يكفل حرية الأديان والعقيدة.
بصائر: ما تقييمك لأداء المنظمات الإسلامية والدولية في قضية مسلمي الأويغور؟ وما الجهود المبذولة لاسترجاع حقوقهم من الصين؟
عبد الوارث خوتن: كما نعلم أن الحكومات العربية والإسلامية بشكل عام ليس لها أي اهتمام بقضية الأويغور كما أن المؤسسات الإسلامية والمنظمات الحقوقية أيضاً ليس لها دور كبير في تناول القضية ، ولكن شهدنا في الآونة الأخيرة -خاصة أواخر العام 2019- تحركا شعبياً في العالم العربي والإسلامي، وأطلقت الحملات التضامنية على مواقع التواصل الاجتماعي، وخرجت المظاهرات المنددة لانتهاكات السلطات الصينية بحق مسلمي الأويغور.
بصائر: أطلق في الآونة الأخيرة حملة مقاطعة المنتجات الصينية، برأيكم، هل لها أي تأثير على الصين؟
عبد الوارث خوتن: كانت هناك دعوات وتصاعدت الحملات العربية والإسلامية على خط مقاطعة منتجات الصين في العديد من الدول، تحت شعار "قاطعوا منتجات الصين" رداً على انتهاكات السلطات الصينية بحق مسلمي تركستان الشرقية، ولكن هل تنجح المقاطعة في الضغط على أكثر الدول سيطرة على الأسواق الاستهلاكية في العالم؟ نقول إن المقاطعة الفعلية للبضائع الصينية من قبل العالم الإسلامي سيكون تأثيرها قوياً على الصين، ولكن لم أرَ في واقع الأمر أي مقاطعة للمنتجات الصينية.
بصائر: ما هي رسالتكم للعالم؟
عبد الوارث خوتن: نناشد العالم بأسره حكومات وأفراد القيام بالعديد من الأدوار والواجبات تجاه المسلمين في تركستان الشرقية، منها:
ثانياً/ تستطيع الحكومات تفعيل دور المؤسسات الإسلامية والمنظمات الحقوقية للقيام بدورها تجاه هذا الشعب المستضعف.
ثالثاً/ الفهم الصحيح للقضية والإلمام بجذورها التاريخية ومراحل تطورها، مما سيكون له أعظم الأثر في تحديد أنسب الطرق لعلاج هذه القضية، وتبني أنسب الوسائل المساعدة على حلها.
رابعاً/ التحرك من الناحية الإعلامية وذلك بالتوعية والتثقيف وإلقاء الضوء على هذه القضية لوضعها في بؤرة اهتمام الرأي العام.
خامساً/ الإعانة المادية لدعم الأعمال التي تقوم بها الجالية التركستانية في الخارج خاصة الجانب الإعلامي بعمل صندوق لدعم (تركستان) عن طريق التبرع لهيئات الإغاثة.
سادساً/ تنظيم فعاليات لدعم الشعب التركستاني، والتعريف بقضيتهم ودعوة المنظمات الحكومية والأهلية لتبني القضية والقيام بدور إيجابي تجاهها.
سابعاً/ المواقف الموحدة تجاه الدولة الصينية بمقاطعة منتجاتها في العالم وخاصة في العالم الإسلامي؛ لأن العالم العربي والإسلامي يمثل سوقاً رئيسة للمنتجات الصينية.
ثامناً/ العلماء والخطباء والكتاب والإعلاميون لديهم أدوار مهمة في التوعية بالقضية والتذكير بها، وشرح معاناة المسلمين التركستانيين في كل الوسائل المتاحة.
تاسعاً/ الدعاء لهم بالنصر والتثبيت أمام محاولات التذويب من جانب الصين.