آفة الإعجاب بالنفس..كيف نتعامل معها؟

الرئيسية » خواطر تربوية » آفة الإعجاب بالنفس..كيف نتعامل معها؟
islam- muslim16

السلوك الذي يسلكه الإنسان في حياته إنما هو نتاج الصراع الذي يحيا الإنسان فيه منذ أن خلقه الله، فهو يعيش في صراع بين نفسه بغرائزه وشهوته وهواه من جهة، وبين أمر الله وداعي الحق من جهة أخرى، ويأتي سلوكه ليكون انعكاساً لسلطان أي منهما ينوي اتباعه، أهو سلطان النفس والهوى أم سلطان الله بأوامره ونواهيه، فعلى هذا يكون السلوك هو النتيجة العملية لجبهات الصراع في نفسه.

فإذا ما وُفق المرء وهُدي إلى عمل صالح يُرضي البارئ عنه فلا حرج ولا مانع من أن يفرح بقيامه لهذا العمل، بل ويكره ما يصدر منه من أعمال غير صالحة قادته نفسه إليها، لكن عليه أن يحاذر في غمرة هذه الفرحة ونشوة انتصار داعي الله في نفسه على داعي الهوى والنفس الأمارة من الإعجاب بنفسه وعزو هذا الانتصار لها، بل إنّ هذا الفضل لله ابتداء وانتهاء، وأنه لولا توفيق الله وكرمه وفضله لما وفق لهذا العمل بل وما ثبتت قدماه على هذا الطريق في الوقت الذي تعثرت به خطوات الكثير وتراجع عنه الأكثر.

ومحبة المرء للعمل الصالح تكون عاملاً دافعاً لعمله ولتخلقه به، بل إن محبته هذه توجد الحوافز التي تبغضه بالعمل القبيح ليفر منه فراره من الأسد، وبالتالي مكافحته له في نفسه وبيته ومجتمعه، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا صورة من صور الدعوة للعمل الصالح ونشره بين الناس وتحبيبهم به وتقبيح العمل القبيح وتنفير الناس منه! وهل هناك أشدّ جمالاً من عمل يرضي الله ورسوله كما أشد الأعمال قبحاً أبغضها لله ورسوله، وجمالية النفس البشرية تكون بمقدار تقربها لله في الأعمال الصالحة وبعدها عن القبيح منها ، وأصل كل خبث إنما هو قبح في الفكر ينتج عنه قبح أشد منه في السلوكيات والأعمال.

وبناء على ما سبق فإن على الإنسان أولاً أن يتبرّأ من حوله وقوّته فيما وُفّق له من أعمال صالحة، بل إن صالح الأعمال ما كان ليدركها بداية لولا فضل الله عليه وإنعامه بأن بيّن له الخير والشر، وأنه لولا كرم الله عليه وفضله لما استطاع أن يخالف نفسه الأمّارة وغرائزه الحيوانية حتى تسامت واجتنبت القبيح وأقبلت على الصالح من القول والعمل.

وستظل النفس البشرية بتركيبها تنزع إلى شهواتها وأهوائها، مما يتوجب على الإنسان ما دام في هذه الحياة أن يظل يقظاً متنبهاً فلا يركن إليها ولا يعجب بها ؛ لأنه إن عجب بها ورضي عنها انقاد لها وأطاعها فكانت أول مهالكه إعجابه بهذه النفس الأمارة، فيرضى عنها إن تسامت عن قبيح الطباع ويغفل في نشوة الرضا هذه عن طبيعتها التي سرعان ما تعود إليها، وقد أخبرنا الله عنها: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] والرسول -صلى الله عليه وسلم- يخبرنا: " ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه " (رواه البيهقي في شعب الإيمان وحسنه الألباني) فإعجاب المرء بنفسه إنما هو مناقض لقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].

وعلى هذا جاءت حكمة ابن عطاء تحذر من مغبة رضا الإنسان عن نفسه قائلاً: "أصل كل معصية وغفلة وشهوة، الرضا عن النفس. وأصل كل طاعة ويقظة وعفة، عدم الرضا منك عنها" (الحكم االعطائية) فمعرفة الإنسان بطبيعة نفسه الأمارة تستلزم يقظته ومتابعتها والحذر من الغفلة عنها ؛ لأنه إن رضي عنها أطاعها فكان ذلك وروده للمهالك، والعكس هو الصحيح عدم رضا المرء عن نفسه يكون أصلاً له في مخالفتها وعدم اتباعها وبالتالي يكون هذا بداية لكل طاعة والحرص على الاستزادة منها.

ويتبادر لأذهاننا سؤال حتمي: كيف السبيل لعدم الرضا عن النفس كي لا يتورط المرء بطاعتها والانقياد لها؟

كيف يتصور من إنسان وهو المخلوق الضعيف الذي قال فيه خالقه: {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28] والمجبولة فيه كل تلك الغرائز التي تشده إلى طينيته البشرية وما فيها من شهوات وأهواء أن يرضى عن نفسه، ولا سيما أنه غير معصوم عن ارتكاب الأخطاء والمعاصي، فقد قال عنه صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" (رواه الترمذي وابن ماجه) ومهما حاول الإنسان الارتقاء بنفسه والسمو بها عن طينيته البشرية إلى النفحة السماوية فلا بد وأن يتعرض في مسيرة حياته للخضوع تحت قهر سلطانها فيظهر ذلك في تلك العثرات التي يتعثر بها من المعاصي بين حين وآخر.

فإذا ما تأمل الإنسان حاله هذه وتفكر بذاته تيقن أن إعجابه بنفسه ورضاه عنها إنما هو وهم زائف؛ لأنه يعلم أن حقيقتها الضعف والزلل، فلا يركن وقتها للرضا عن نفسه الذي حتما سيؤول به إلى الكسل ويثبطه عن العمل، فمن أدرك هذه الحقيقة كان سلاحه الحذر من نفسه واليقظة الدائمة ومراجعتها في صغير أمورها وكبيرها ولاذ بركن الله واستعصم به وأنزل نفسه منزلتها الحقيقية من صغر الشأن وذلة الحال واستعظم أمر ربه وجلال قدره وأرجع كل فضل هو فيه لصاحب الفضل والمنة عليه جل شأنه.

الرضا عن النفس أوله فساد في العمل؛ فالمعجب بنفسه لا ينظر لها بعين الاتهام والحذر وكأنها مبرأة من المعاصي والذنوب، وآخره هلاك؛ إذ قد يحبط عمل المرء ما لم يستدرك أمره ويعود ذليلاً كسيراً صاغراً على عتبات ربه راجياً القبول

والرضا عن النفس أوله فساد في العمل؛ فالمعجب بنفسه لا ينظر لها بعين الاتهام والحذر وكأنها مبرأة من المعاصي والذنوب، وآخره هلاك؛ إذ قد يحبط عمل المرء ما لم يستدرك أمره ويعود ذليلاً كسيراً صاغراً على عتبات ربه راجياً القبول، ولو تأمل حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يوضح نهاية المعجب بنفسه بقوله: "النادم ينتظر الرحمة والمعجب ينتظر المقت" (شعب الإيمان) لاستصغر شأنه وتبدد عجبه.

ولو تفكر المرء بغزوة حنين وكيف كان إعجاب الجيش المسلم بعدده وعدته وعتاده وقوته وسبباً في خذلان الله لهم وحرمانهم من توفيقه وتعريضهم للفتن بداية المعركة، إذ يقول تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 5] لضرب بينه وبين العجب نفسه بأسوار منيعة يحصنها بالاستغفار وتذكير نفسه بحقيقتها لكي لا تغيب عن بصره وبصيرته.

أنزل نفسك منزلتها يعلُ شأنك ويرتفع قدرك عند الله، وما من طاعة وُفقت إليها أيها العبد إلا والله تعالى قد تفضل بها عليك ويسرها لك وذلل سبيلك إليها ، وما من معصية وقعت في حبائلها إلا ونفسك الأمارة كان لها النصيب الأكبر في كبوتك ووقوعك فيها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة حاصلة على الدكتوراة في العقيدة والفلسفة الإسلامية من جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن. و محاضرة في جامعة القدس المفتوحة في فلسطين. كتبت عدة مقالات في مجلة دواوين الإلكترونية، وفلسطين نت، وشاركت في المؤتمر الدولي السادس في جامعة النجاح الوطنية حول تعاطي المخدرات. مهتمة بالقضايا التربوية والفكرية، وتكتب في مجال الروحانيات والخواطر والقصة القصيرة.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …