الطاعة .. مفاهيم ومسؤوليات

الرئيسية » بصائر الفكر » الطاعة .. مفاهيم ومسؤوليات
8711814_ml

يعتبر موضوع #الطاعة من أكثر المواضيع التنظيمية جدلاً بين أوساط العاملين في الحقل الدعوي، سواء من حيث المفهوم والمحددات، أو من حيث التطبيق والآليات، ويصبح الجدل أكثر وضوحاً حينما يتداخل هذا الأمر مع مواضيع أخرى، مثل النقد، والنصح، والاختلاف وغير ذلك.

أهمية الطاعة

بداية.. من المعلوم بداهة أن لا نجاح لأي شركة أو مؤسسة أو حزب أو دولة دون تحقيق الطاعة والالتزام بها، وإيمان الأفراد العاملين بطبيعة المشروع، والحرص على إنجاحه وإن اختلفت الرؤى والاجتهادات . كما أن موضوع الطاعة ليس مجرداً بذاته، بقدر ما هو مرتبط بالعمل الإداري، والتنفيذ الفعلي لقرارات واجتهادات يصدرها المكلّفون بها، ولهذا فهو يعكس أمرين اثنين:

1- الإيمان العميق بالفكرة والحرص على تطبيقها.

2- الثقة بالقيادة التي اختارها العاملون لتنفيذ الرؤى والمشاريع المتعلقة بالفكرة.

فلا يكفي أن يتبنى الفرد الفكرة ويؤمن بها، بل لابد أن يترجم ذلك إلى تصرفات حقيقية، وهذه التصرفات لابد أن تكون منضبطة في العمل الجماعي والمؤسسي، وإلا أصبحت هباء ومحض عشواء يضيع أثرها خصوصاً في حال وجود خصوم لها يهدفون إلى قتل الفكرة أو إضعافها على أقل تقدير.

والطاعة في العمل الجماعي تعكس مدى التناغم داخل الصف أو المؤسسة، وهي المعيار الحقيقي للالتفاف الأفراد حول الأفكار المركزية، أو القرارات التي يتم اتخاذها، وهي تمثل أكثر من 50% من نجاح العمل، لأنه لا قيمة للخطط والقرارات دون تنفيذ أو إنجاز.

الطاعة في العمل الجماعي تعكس مدى التناغم داخل الصف أو المؤسسة، وهي المعيار الحقيقي للالتفاف الأفراد حول الأفكار المركزية، أو القرارات التي يتم اتخاذها، وهي تمثل أكثر من 50% من نجاح العمل، لأنه لا قيمة للخطط والقرارات دون تنفيذ أو إنجاز

بين الطاعة والاستعباد..

يظن البعض أن الطاعة لقيادة الحركات الإسلامية هي وجه آخر للاستعباد، وصورة من صور تكريس الاستبداد، والحقيقة أن هذا فيه تجنٍ كبير وتقزيم لمفهوم الطاعة وأهميتها. صحيح أننا لا نتكلم عن الطاعة الشرعية التي تم تشريعها في القرآن والسنة، ولا عن تلك التي تتناول طاعة ولي الأمر -وهو خليفة المسلمين بناء على رأي الكثير من المفسرين- بل الطاعة التي نتكلم عنها ناتجة عن اختيار الفرد للانتساب لهذه الحركة أو لهذه المؤسسة، وبالتالي فهو يطيع بمحض رضاه وإرادته دون إجبار. وهذا يتنافى مع موضوع الاستبداد، لأنه يعتمد على الإرادة والاختيار وليس الإجبار والإكراه.

وعلى كل حال، فالطاعة قد تكون صورة من صور الاستبداد إذا كانت فيما يخالف الدين بشكل واضح، بحيث يقدّم الشخص الطاعة على ثوابت دينه، وهو ما يعتبر انقياداً للأشخاص على حساب المبدأ وهو ما لا يرضاه أي شخص يخاف ربه ويتبع سبيله.

أما في الأمور الاجتهادية، والتي يحمل صاحبها تأويلاً ولديه اجتهاد معتبر، خصوصاً إذا كان هو ومن معه يمثلون القيادة السياسية للدعوة، أو أصحاب الاجتهاد والفتوى في الأمور الشرعية، فالأصل متابعتهم، والالتزام بطاعتهم، لأن جعل الطاعة اختيارية في هذا الأمر، يقلل من قيمة قراراتهم وأهميتها بل قد يفشلها بالكلية.

الطاعة قد تكون صورة من صور الاستبداد إذا كانت فيما يخالف الدين بشكل واضح، بحيث يقدّم الشخص الطاعة على ثوابت دينه، وهو ما يعتبر انقياداً للأشخاص على حساب المبدأ وهو ما لا يرضاه أي شخص يخاف ربه ويتبع سبيله
الطاعة وقتل الإبداع

واحد من الأمور التي يتحجج بها البعض لعدم الالتزام بمفهوم الطاعة، أن المطيع يصبح في النهاية كالآلة يقع على عاتقه التنفيذ دون إبداء الرأي أو تطوير الأفكار، وبالتالي تقتل لديه روح الإبداع والابتكار، بل ويصاب بالملل ويسعى لأن يتجنب تنفيذ الأوامر الصادرة ممن هو أعلى منه بسبب قتل الحافز وانعدام الدافعية.

والحقيقة أن هناك العديد من العناصر التي يمكن أن تكرّس أو تحمي الدعوة من مثل هذه الصورة السيئة، وأبرزها:

1- القابلية لتقبل الاقتراحات أو الملاحظات على القرارات والسياسات من قبل الأعضاء.

2- تبني اقتراحات بعض الأفراد داخل الدعوة، طالما كانت لا تخالف السياسات المرسومة من قبل القيادة.

3- قدرة القيادة المحلية أو المسؤولة عن الأفراد على التعرف على طاقات أفرادها، واستغلالهم بما يتناسب معهم وما يرغبونه.

4- وجود التغيير في داخل الحركة، بحيث يكون بإمكان الأشخاص الأكفاء الوصول إلى المناصب القيادية.

5- تجاوز الأخطاء التي وقعت فيها القيادة، والاعتراف بها دون حرج.

6- دور الجهاز التربوي في تعزيز الدافعية عند الأفراد، وتعميق الإيمان بالفكرة، والإجابة عن استفسارات الأفراد، وحل الظواهر السلبية التي تواجههم في هذا الصدد.

بناء على ما سبق، نستطيع أن نجد الجواب الشافي، فيما إذا كانت الطاعة تقتل الإبداع أم لا، فالأصل أن لا يخلد الفرد للطاعة فحسب، بل عليه أن يسعى لصالح تطوير العمل ، فهو ينظر للأمور من زاوية غير التي ينظر إليها القادة، ومن هم مسؤولون عن العمل الدعوي أو الحركي، ولهذا فمن واجب الفرد أن يبادر ويسعى لتحقيق أفكاره، وفي النهاية لا ييأس في حال عدم تبنيها، لأن الآخرين قد ينظرون للأمور من زاوية تختلف عما يراه وقد يكون تقييمهم أصح مما يراه هو ويفكر فيه.

مسؤوليات القادة والأفراد

هناك مسؤولية مشتركة بين القادة والأفراد لإنجاح موضوع الطاعة، وجعلها أساساً لإنجاح الحركة الإسلامية في ظل التحديات الكثيرة التي تواجهها، ويمكن أن نلخص ذلك بما يلي:

أولاً: مسؤوليات الأفراد

1- إدراك أهمية الطاعة لإنجاح العمل الدعوي، فهي واحدة من أركان البيعة العشرة للدعوة، وسبب رئيس لإنجاحها وتحقيقها لأهدافها.

2- تنفيذ الأوامر الصادرة عن القيادة حتى لو كانت على خلاف ما يرغب المرء، فالأمور السياسية والدعوية والحركية هي في غالبها أمور اجتهادية، تتقبل الاختلاف وتعدد الرؤى ، ولهذا لا يمكن إنجاح التنظيم بتقديم رأي كل فرد على رأي التنظيم ككل.

3- احترام القادة الذين تصدر عنهم القرارات التي يقوم بها الأفراد، فحتى لو كنت مخالفاً لهم ولا تراه صحيحاً، فليس من المقبول أن أصفهم بالجهل، أو عدم الفهم، أو أشهّر بهم على حسابات التواصل الاجتماعي المختلفة، فعدم الاحترام هو نقيض الثقة التي ندعو إليها لإنجاح الدعوة وتحقيق رؤاها.

4- تحقيق واجب النصح، فالأصل أن يسعى المرء لتقديم النصيحة أو النقد بشكل دائم، حتى يتجاوز أي خلل -حال وجوده- ويسهم في تطوير العمل وإنجاحه بشكل أفضل .

ثانياً: مسؤوليات القادة:

1- أن تكون القرارات مدروسة، بحيث تكون المصالح المتوخاة منها أعلى من المفاسد، مع الحرص على معرفة أبعاد القرار ونتائجه قبل إلزام الأفراد بتحقيق الطاعة، وهذا يتطلب معرفة شاملة للأمر قبل اتخاذ القرار بشأنه، واستشارة المختصين في حال عدم وجود وضوح تام لهذه المسألة.

2- مراعاة قدرات الأفراد وتنوعهم، فلا يقبل أن تلزم الأفراد بما لا يطيقونه، أو ما يعرضهم للخطر والهلاك، فلا قيمة للقيادة دون التفاف الأفراد حولها وإنجاحهم لما تقرره من سياسات وأمور .

3- تقبل النصح والنقد والاعتراف بالخطأ، فنحن كلنا بشر، نصيب ونخطئ، ولسنا معصومين من الوقوع فيه، ولهذا على القيادة أن تأخذ بحسبانها أن نقد الأفراد واقتراحاتهم إنما هو بسبب حرصهم على الدعوة، وسعيهم إلى تطويرها، ولهذا فهم يعتبرون معينين للقيادة، ولا بأس بأخذ اقتراحاتهم، طالما أنها تصب في صالح الدعوة وتحقق أهدافها المرجوة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …