زمارة: الحب من الدين إن كان مبنياً على الأخلاق والورع والتقوى
نوفل: الامتناع عن المشاركة في "الفالنتاين" أبسط طرق مواجهة التبعية
في الرابع عشر من فبراير/ شباط من كل عام، يحتل اللون الأحمر مساحاتٍ واسعة في شوارعنا وواجهات المحال التجارية وملابس الناس، عدا عن الورود التي يزدهر سوقها، وليت الأمر يقف عند الألوان والورود، هو أوسع من ذلك بكثير، فخلف الأحمر والورد ثمة أفكارٌ وسلوكياتٌ وعلاقاتٌ كلها تنافي ديننا، ومن أوجه منافاتها للدين أنها لا تتوافق مع سمات شخصية المسلم ومع فكرة الثبات، بل على النقيض هي صورة واضحة جداً للتبعية.
في الإسلام أساس الحب
يقول الداعية أحمد زمارة: "أكرم الله -سبحانه وتعالى- البشرية جمعاء بأن أتم لها النعمة بإكمال الدين، وتوج ذلك بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] فهذا الدين مكتمل الأركان كامل البنيان محفوظ من النقص والبهتان، ولهذا وجب على المسلم أن يعتز بدينه وأن يتمسك بكتابه وأن يقتفي أثر نبيه".
ويضيف: "من هنا يمكن القول إن المشكلة اليوم تكمن في ضعف الإيمان في قلوب بعض المسلمين، هذا الأمر أدى لشطط التفكير واتباع الهوى، حتى صار من المسلمين من يظن أن فكرته تكتمل وحياته تسمو حينما ينهل من معين الغرب ويتبع أفكارهم، بل تعدت أفكار البعض ومعتقداته بأن يدين بالولاء لهم معتقداً أن الحضارة هم والتقدم هم".
ويلفت إلى أن سلوك هذه الفئة يصدق فيه قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لصحابته: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْراً بشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سلكوا جُحْرَ ضَبٍّ لسلكتموه"، قلنا: "يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟"، قَالَ: "فَمَنْ؟" (رواه البخاري).
ويبين: "في هذا الحديث إشارة إلى التبعية التي تكون في زماننا للغرب وتشبّه بعض أبناء جلدتنا بكل تقاليدهم ومناهجهم".
ويوضح: "والتبعية شر محض، لأن الجاهل بالمسألة كالإناء الفارغ، يستقبل ما يُلقى إليه، فيتبع ويقلد كي يملأ فراغه ، لقد شكلت هذه المفاهيم أخطر تجليات الاستعمار الثقافي... فكيف يمكن أن نفكر بمنطق الغرب والمصطلحات والمفاهيم التي تحقق مصالحه!".
وبالعودة لأسباب التبعية، يقول: "محط هذا الأمر أن بعض الناس حسبوا أن تعاليم الإسلام قديمة بالية لا تصلح لزماننا، وأن بلاد الكفر فيها الخير؛ لأنها بلاد الحداثة والمعاصرة على حد فهمهم"، مضيفاً: "إنّ البلاء -كلّ البلاء- أن نتخيل وجودَ الحق والخير، والنفع والفضيلة في الجديد؛ فقط لأن عليه طلاءَ الجِدَّة".
ولمزيد من التوضيح، يشير إلى أن فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي أطلق على هؤلاء وصف: "عبيد الفكر الغربي"، ولما سُئل عن سبب تسميتهم بذلك، بدلاً من "تلاميذ" الفكر الغربي، قال: التلميذ النجيب كثيراً ما يناقش أستاذه، وقد يتخذ لنفسه خطاً غير خطِّه، ولكن هؤلاء يأخذون كل مفاهيم ساداتهم قضايا مسلَّمةً، لا يمتحنونها ولا يناقشونها ولا يجادلونهم فيها. فليس لهم وصفٌ يعبر عن حقيقة موقفهم إلا وصفُ العبيد، الذين ذابت شخصيتهم في ذوات سادتهم".
كل ما سبق من حديث عن التبعية يتجلّى بوضوح في هذه الأيام من خلال "الفالنتاين"، وعن ذلك يقول زمارة: "من الأفكار الغربية التي دخلت على مجتمعاتنا المسلمة من أوسع الأبواب، كثرة الأعياد، وتنوع أهدافها، واختلاف أسمائها، ومن هذه الأعياد ما يسمى بـ(عيد الحب) ، الذي يحتفل به كثيرٌ من الناس، وفيه يتبادلون الهدايا والرسائل ونحو ذلك".
ويضيف: "جعل الإسلام للمسلمين شريعتهم ومناسكهم ومنهاجهم الذي يتميّزون به عن غيرهم، والأمة الإسلامية تعرف أعيادها التي أُجيز لها الاحتفال بها، وهذه الأعياد هي عيد الفطر، وعيد الأضحى، ويوم الجمعة الذي يُعدّ عيداً أسبوعياً".
ويذكّر بما ورد في السنة النبويّة المطهّرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قدم المدينة المنورة وجد الأنصار يحتفلون بعيدين كانوا يحتفلون بهما في الجاهلية، فنهاهما عن ذلك، إذ قال: "إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيراً منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطر" (رواه أبو داود).
ويلفت إلى أن "(عيد الحب) تتخلله كثيرٌ من المعاصي والمنكرات والذنوب، وهو تقليد غربي لا أساس له في الدين".
ويؤكد: "عندنا في الإسلام أساس الحب، كيف لا والإسلام هو دين الحب والفطرة السليمة، وقد بنى القرآن الحياة الزوجية على المودة والحب، بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21].
ومما يستدل به على مكانة الحب في الإسلام، أن الحب تجلى في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في أروع صوره، حين قالت أمُّنا عائشة رضي الله عنها: "ما غِرْتُ على امرأة لرسول الله كما غِرْتُ على خديجة؛ لكثرة ذِكر رسول الله -صلى الله عليه وآله- إياها، وثنائه عليها" (رواه البخاري).
ويختم بالقول: "فالحب من الدين إن كان مبنياً على الأخلاق والورع والتقوى، وليس الحب في يوم فحسب، فحبك لزوجك وأبنائك وأهل بيتك في كل يوم وفي كل وقت لا خلاف في ذلك".
لدينا دينٌ يضبطنا
ومن جانبه، يؤكد الداعية عمر نوفل: "لا بد أن يكون للمسلم شخصيته ورأيه النابع من دينه وثقافته ومرجعياته، ومن غير المقبول أن يكون مسلوب الشخصية كالعود في مهب الريح تأخذه أينما اتجهت ".
ويلفت إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تحدّث عن تلك التبعية في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري، فقد قال رسول الله: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه".
ويقول نوفل: "سعى الغرب جاهداً لنزع الشخصية الإٍسلامية؛ لأن الإنسان منزوع الشخصية لديه القابلية لفعل أي شيء ، وقد نجح الغرب في هذا الهدف في كثير من المواضع، فقد صرنا نرى الكثير من أبناء المسلمين يتبعون الغير دون فهم ما يفعلونه، ويقلدّون الأمم الأخرى دون الانتباه للمحرمات التي يتضمنها هذا التقليد".
ويضيف: "التبعية خطرٌ ينعكس على الفرد والأمة؛ لأنها تفقد المسلم شخصيته، وإذا انتشرت حتى صارت حالة عامة، يصبح من الممكن تمرير المواقف بسهولة، بحيث يترك المسلمون مفاهيمهم الراسخة وقيمهم وأخلاقهم، ويسلكون سلوك أهل أديان أخرى".
ويتابع: "لدينا دين يضبط سلوكنا وتصرفاتنا، ورغم ذلك نفعل ما يخالف الإسلام، ومن ذلك ما نراه في (الفالنتاين)، ومن أسوأ ما تفعله بنا التبعية في هذا اليوم، الترويج للعلاقات غير المشروعة التي يمنعنا ديننا منها".
ويؤكد نوفل أن الإسلام لم يقيّد المشاعر ولم يمنع التعبير عنها، ولكنه جعل لذلك طرقاً صحيحة ومشروعة، ولم يربطها بيوم واحد، بل هي أصل في العلاقات في كل وقت ، مذكراً بأنه كان من آخر ما تحدث به النبي -صلى الله عليه وسلم- أن قال: "استوصوا بالنساء خيرا"ً.
وعن التبعية في الفالنتاين تحديداً، يوضح نوفل: "كنّا نعد الانجرار خلف الغرب في عيدهم هذا حالة خاصة، لكننا صرنا نرى الأمر يزداد سنوياً حتى بات حالة عامة، وهذا ينمّ عن خطر، ويعدّ مؤشراً على عدم ثبات الشخصية الإسلامية بشكل عام، وعلى أن الناس يسيرون باتجاه الغرب دون أن يكون المرتكز الدين".
ويشير إلى أن المراهقين والشباب في بداية شبابهم، هم من أكثر الفئات المتضررة من التبعية في الفالنتاين، ذلك أن مظاهر هذا اليوم تبدو محببة لهذه الفئة العمرية، ومناسبة لطريقة تفكيرهم.
ويبين: "لهؤلاء نزوات ورغبات متنوعة، ينبغي أن يحكمها الدين ثم العادات والتقاليد، لذا يتعين على الأهل أن يبحثوا عن الطرق التربوية الصحيحة التي تحمي أبناءهم من مظاهر التبعية المحيطة بهم".
ويقول نوفل إن الأصل هو الامتناع عن المشاركة في الاحتفال بالفالنتاين، والالتزام بذلك يساهم في تعزيز فكرة الثبات، فالمشارك يكثّر سواد المشاركين، والممتنع يكثّر سواد الثابتين.
ويضيف أن الامتناع عن المشاركة في الفالنتاين هو أقل ما يمكن للمسلم أن يفعله لتغيير المنكر .