يحلم جميع الآباء بتنشئة أبناء على أعلى قدرٍ من الأخلاق، بالرغم من أن أغلبهم يعجز عن تحقيق ذلك؛ ربما لأن طريقة تمرير المعلومة لا تناسب الابن، أو أن أسلوب تعليم المهارة واستراتيجيتها تحتاج للتعديل.
قبل أن نبدأ بسرد أهم السلوكيات التي تضمن أن يكون ابنك على خلق حسن، سوف نعرج على أمر مهم جداً وهو طريقة التعليم واستراتيجياته؛ لأن الأجيال تتغير تبعاً للتطور المجتمعي والتكنولوجي، وبالتالي فإن المنظومة القيمية يجب أن تخضع للتنقيح بالحذف والإضافة من وقت لآخر، وأن يعاد النظر في الوسائل والأساليب التربوية، وتوظيف أقصى قدر ممكن من الوسائل التربوية الحديثة.
فمثلاً، لا بأس أن تقول لابنك: "إن الله يحب ذلك الخلق... ويبغض ذاك"، لكن الأسلوب الأقوى في إيصال الفكرة وموثوقية تحقيق هدفك التربوي - عملياً وتربوياً - هو تعليمه فوائد ونتائج الخلق الحسن في حياته وأثره على حياته ، وتنفيره - في المقابل - من الخلق السيئ بشرح أضراره وعواقبه الوخيمة.
الأجيال تتغير تبعاً للتطور المجتمعي والتكنولوجي، وبالتالي فإن المنظومة القيمية يجب أن تخضع للتنقيح بالحذف والإضافة من وقت لآخر
ولتعلم أن القدوة هي أول وأهم طريقة لتربية الأبناء وتعليمهم، فلتكن قدوة حسنة في أي سلوك تودّ أن يسلكه ابنك؛ لأن الطفل يحاكي بيئته بشكل تلقائي وبدون وعي، وأنصحك بأن تستغل العواطف النقية لدى ابنك؛ لكي تستطيع إقناعه بما يمليه العقل والمنطق.
والآن إليك أحد عشر خلقاً / أو سلوكاً طيباً - ستحبّ أن تعلمها لأبنائك - مع نصائح لكيفية تربيتهم عليها:
1. اعدل لتعلمه العدل
اعدل بين أبنائك، يتعلمون العدل ويتخلقون به تلقائياً، فتفضيل أحد الأبناء عن غيره يوغل صدورهم عليه فيكرهونه، ويمنحه الإذن بالتكبر وإهانة إخوته.
لا شك أن بعض تصرفات أبنائك وظروفهم -الصحية أو الدراسية أو مكان إقامتهم مثلاً- تجعل أحدهم أقرب إليك من غيره، لكن من حقه إخوته الآخرين عليك ألا تفضله في المعاملة ولا المصروف ولا الحب!
اقرأ أيضاً.. لا تقارنوا أبناءكم بغيرهم
2. علمه الالتزام والوفاء بالوعد
كي يتعلم منك الوفاء وتكسب ثقته فيصدقك، فيلتزم بمواعيده ويفي بوعوده، لا تخلف وعدك أبداً -له أو لغيره- والتزم بمواعيدك، ولعل أول خطوة في تحقيق الالتزام وتعويد أبنائك عليه هي الالتزام بمواقيت الصلوات المفروضة .
تعمّد بين وقت ووقت أن تعده بفسحة أو مكافأة وتنفذ وعدك، ولا تضطره لتذكيرك بوعودك وإن فعل فأشعره بأنك ملتزم وقد كتبت وعدك له في مذكرتك أو وضعت تنبيها في هاتفك.
3. تجنب القسوة ما استطعت
ليس هنالك والد لا يحب أولاده حباً غريزياً، إلا أن ظروفه أو طباعه قد تغلبه فيقسو، ولا يشك لمرة أن هذه القسوة تؤذيهم وتخلّف اضطراباً في صحتهم النفسية ونموهم جسدياً أيضاً؛ لأنه يقصد مصلحتهم على الدوام، إلا أن الأمر إذا زاد عن حده، ولم ينتبه الوالدان للأثر وتستمر المعاملة السيئة فيدوم العقاب أو ينعدم الثواب تماماً... دون أن ينتبه الوالدان للآثار السلبية والتدهور، قد يصبح الابن عدوانياً، عنيفاً، وقد يتطور ليصبح الأثر جزءاً من شخصيته، فيصير مجرماً، أو على النقيض فيكون عديم الشخصية ضعيفها.
وقد تؤثر القسوة سلباً جسدياً وعقلياً أيضاً، فيصاب الابن بالسلس البولي والخوف الدائم ومشاكل الرؤية والحركة وضعف التحصيل.
فاللين أمر نبويّ؛ لأنه يحسّن العلاقات، وهو من أخلاق الإسلام التي حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعليمها أصحابه؛ لما لها من أثر إيجابي عميق في النفوس وقدرة على الوصول للقلوب وتقوية العلاقات.
اللين أمر نبويّ؛ لأنه يحسّن العلاقات، ولما له من أثر إيجابي عميق في النفوس وقدرة على الوصول للقلوب وتقوية العلاقات
4. علمه أضرار الخداع والغش والسرقة
الغش يعني إخفاء حقيقة الشيء -سواء كانت رديئة أو جيدة- وقد ساد الغش بإخفاء الشيء الرديء -أو الذي نراه رديئاً- وسط الأشياء الجيدة، وقد انتشر في مجالات عدة كالبيع والشراء - الدراسة - الزواج ... إلخ.
ولكي تضمن لابنك ألا يقع فريسة الخداع انبذ الغش بنفسك أولاً وابتعد عنه وعن الكذبات البيضاء التي يستهين بها الآباء، واشرح له أضراره: فالغش طريق موصل إلى النار، ويشير إلى دناءة النفس وخبثها.
5. علمه أن أفضلية الناس ليست باللون ولا الشكل ولا النسب
لأنّ المفاضلة بالشكل واللون والنسب تظلم الكثيرين وتجعل المعيار سطحياً، وتحرم الفضلاء والأتقياء من فرص تليق بهم، تجنّب التعامل بعنصرية حسب النسب والشكل واللون والجنس أيضاً؛ لكي يتعلم منك ابنك تجنب الحكم على الناس حسب مقاييس سطحية.
المفاضلة بالشكل واللون والنسب تظلم الكثيرين وتجعل المعيار سطحياً، وتحرم الفضلاء والأتقياء من فرص تليق بهم
كما يمكنك تربيته على احترام الجميع بدون استثناء؛ لأن أخلاق الإنسان أولاً مرآة له، ولأن حق الجميع عليه أن يعرفهم حق المعرفة قبل أن يحكم عليهم .
ثم إن الله - سبحانه وتعالى - لا يسألنا عن أحسابنا ولا عن أنسابنا يوم القيامة، وأن أكرم البشر عند الله أتقاهم، أي أنه - عزّ وجلّ - سوف يهب أحسن بيوت الجنة وأعظمها لأتقى الناس وليس لأطولهم أو أبيضهم أو أجملهم شكلاً... إلخ.
يتبع في الجزء الثاني...