(الالتزام) جوهر العمل التنظيمي

الرئيسية » بصائر تربوية » (الالتزام) جوهر العمل التنظيمي
PALESTINIAN-ISRAEL-WEST-BANK-STUDENTS

لا يمكن أن تنجح مؤسسة أو شركة أو حتى جمعية صغيرة دون وجود التزام وولاء من أفرادها تجاهها، فكيف بحركة تضم الآلاف من الأفراد، وتواجه تحديات كبيرة، وتستهدفها حرب ضروس، ويقع على عاتقها مقارعة المحتل وتحرير المقدسات، والنهوض بالوطن والأمة!

حينما نتكلم عن مفهوم الالتزام، فإننا نتكلم عن أمر يتعارض مع الفردية، وتقديم المصلحة الخاصة على العامة، واتباع الهوى وحب الذات، الأمر الذي يجعل الفرد -إن طبّق الالتزام- للصواب أقرب، لغياب النزعةالفردية وتحكم الهوى وحظ النفس في قراراته وتوجهاته. ورحم الله الإمام البنا إذ قال: "نفوسكم هي الميدان الأول إذا استطعتم عليها كنتم على غيرها أقدر".

والالتزام التنظيمي لا ينحصر بتنفيذ الأوامر، وإن كانت جزءاً منه، لكن هناك العديد من الأمور التي تندرج تحته ومنها:

1- الالتزام بالثوابت والأسس الدعوية والحركية: وهذا ينحصر بالأمور الثابتة الموجودة في أدبيات الحركة، لأن فقدانها يعني فقدان الهوية الخاصة بالحركة التي تميزها عن غيرها، كاعتماد المرجعية الإسلامية، واعتبار فلسطين من بحرها إلى نهرها أرضاً إسلامية يجب تحريرها. ويدخل في هذا ما تقرّه الحركة من أمور، كالمناهج التربوية، والوسائل التنظيمية لتطبيق مفردات هذه المناهج (الأسر، الكتائب..الخ).

2- الالتزام بالأوامر الصادرة عن القادة: لأن عدم تحقق ذلك يقتل العمل ويضعفه، ولا يجعل للتنظيم أية قيمة، طالما أن قرار القيادة لا يصادم نصاً صريحاً لا يقبل الاجتهاد، أو يخالف ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أما الأمور الاجتهادية التي تعتمد على المصلحة أو تلك المرتبطة بوجهات نظر سياسية معينة فالأصل أن تكون كلمة القيادة محل تقدير والتزام من قبل الأفراد. ومما يتنافى مع هذا اللمز بحق أفراد القيادة أو التقليل من قيمتهم والسخرية من قرارتهم مما يضعف تأثيرهم في النفوس ويفقدهم هيبتهم ومكانتهم.

الأصل أن تكون كلمة القيادة محل تقدير والتزام من قبل الأفراد في الأمور الاجتهادية التي تعتمد على المصلحة أو تلك المرتبطة بوجهات نظر سياسية معينة

3- الالتزام بوحدة الصف واجتماع الكلمة: قلنا إن الالتزام التنظيمي هو نقيض الهوى والفردية ، ولهذا الأصل تقديم المصلحة العامة على الخاصة، ومن ضمن ذلك أن تدور تصرفات الأفراد في فلك المحافظة على التنظيم ووحدة الصف وعدم تفريقه، ومن الأمور التي تتنافى مع ذلك تشكيل الجيوب والتيارات الداخلية، وتقسيم الأفراد وتصنيفهم بما يضعف الترابط بين الأفراد، ويجعل التنظيم هشاً من الداخل سهل الاختراق، ويجعله بيئة خصبة للفتن والمشاكل الداخلية. وكذلك السعي بشتى السبل للوصول إلى المنصب، حتى لو كان بالطعن في الآخرين، وتشويه سمعتهم، مع أنه لا يشترط أن يصل المرء لمنصب قيادي لتحقيق النجاح والتميز الدعوي ، قال الشيخ محمد أحمد الراشد: "إن قيادتنا للحياة هي القيادة، وليست مراكز المسؤولية التي تضعنا فيها التوزعات الدعوية، ويمنحنا إياها أمير الدعوة، صانع الحياة يدوس الألقاب برجله ويحطمها، بصنع الحياة من موطن التخصص والفن والإبداع . هو مليء النفس ولا يحتاج لأحد لملئها".

4- الالتزام بالطرق المعتمدة لاتخاذ القرار والنقد والتعبير: لما يترتب عليه من مصالح كبيرة، كالحفاظ على الأخوة، وقوة التنظيم، وعدم إفشاء أسراره، واجتماع الصف، وغيرها من الأمور، مع التأكيد على أن الطرق ليست ثابتة، وإنما تتغير بتغير الزمن ووسائل التعبير، وهو ما يتطلب من القيادة تعريف الأفراد بآلية اتخاذ القرار داخل الحركة، وطرق التعامل مع النقد، وأخذ أية ملاحظة على محمل الجد، في حين على الأفراد أن يلتزموا بالنقد البنّاء من خلال القنوات المقبولة تنظيمياً البعيد عن التشويه والشخصنة، مع ضرورة عدم تعميم النقد الداخلي على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، مما يعد مخالفة صريحة لسرية التنظيم، وإعطاء الفرصة لاختراقه من قبل أعدائه -كما سيتم بيانه لاحقاً- مع ضرورة أن يتم إجراء نقاش داخلي بشكل متجدد، حول مخاطر استخدام هذه الوسائل على الحركة، والوسائل المقبولة والبديلة لذلك.

مخاطر ومحاذير

قد يتسائل البعض، وما الأثر الذي سيترتب في حال عدم التزامي بهذا الأمر أو ذاك، مع التزامي بغالب ما تدعو إليه الحركة، وهذا التقليل يعتبر من أخطر الأمور، حيث يظن صاحبه أن هذا هو أمر هامشي لا يقدم ولا يؤخر، مع العلم أن تغييبه يؤدي إلى العديد من المخاطر أبرزها:

1- تسهيل الاستمرار في الإخلال بالأمور التنظيمية والدعوية: فمن لا يلتزم بما تدعو إليه حركته يبدأ في حالة من الانزلاق شيئاً فشيئاً، فيبدأ الأمر بعدم تنفيذ هذا الأمر أو ذاك، ثم يبدأ بالتخلي عن بضعة أمور، حتى يصبح متمرداً أو يجد نفسه بأنه بات حجر عثرة، وسبباً في ترهل التنظيم وإفشال مشاريعه، ثم يصف أولئك الملتزمين بالرجعيين والمتشددين، تماماً كما وصفهم سيد قطب رحمه الله في قوله: "إذا انحدرت في مستنقع التنازلات فلا تتهجم على الثابتين وتصفهم بالمتشددين، بل أبصر موضع قدميك، لتعلم أنّك تخوض بالوحل "!

من لا يلتزم بما تدعو إليه دعوته يبدأ في حالة من الانزلاق شيئاً فشيئاً، فيبدأ الأمر بعدم تنفيذ هذا الأمر أو ذاك، ثم يبدأ بالتخلي عن بضعة أمور، حتى يصبح متمرداً أو يجد نفسه بأنه بات حجر عثرة، وسبباً في ترهل التنظيم وإفشال مشاريعه

2- إضعاف قيمة التنظيم أمام الآخرين: خصوصاً أمام المنتظمين الجدد، أو المناصرين له، مما يعكس صورة سلبية تعصف بقيمة التنظيم ومكانته في نفوس الناس، ويعيق تحقيق الأهداف التربوية التي تعمل الحركة على تحقيقها في نفوس أفرادها.

3- تشجيع الآخرين على عدم الالتزام: خصوصاً إذا تغاضت القيادة عن محاسبة أولئك المخلين بالتزامهم، ولم تقم باتخاذ الإجراءات الكفيلة دون وقوع ذلك وتكراراه، مما يدفع البعض الآخر إلى الإخلال بما هو مطلوب منهم، تحت ذريعة أن هذا أو ذاك لم تتم محاسبتهم، الأمر الذي يعكس حالة من العبثية والفوضى داخل الصف، وهو ما يوقع القيادة في إشكالية محاسبة هؤلاء بعد أن تغاضت عن أولئك من قبل.

4- الوقوع في فخ الفردية وهوى النفس: فعند النظر في السبب الرئيس لإخلال الفرد بالتزامه التنظيمي، نجد أنه يدور حول النزعة الفردية وتغليب المصالح الخاصة ، وهذا الأمر قد يتطور فيما بعد ليظهر في أموره الدينية والحياتية، مما يضل به عن السبيل والطريق المستقيم. قال البوصيري:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضـــــاع وإن تفـطمه ينفطــم
وجاهد النفس والشيطان واعصهـــما وإن هما محـــضاك النـــصح فاتــهــم

5- الاختراق الأمني: وهذه نقطة بالغة الأهمية، فيظن البعض أن عدم التزامهم بما أقرته الحركة خصوصاً الحفاظ على السرية والنقد الداخلي، لا يترتب عليه أي ضرر، في حين أنه يقدم معلومات مجانية لأعدائنا، بل ويجعل المرء ضحية لحالات الابتزاز والإسقاط والعمالة، تحت ستار التضامن والالتفاف حوله، ثم يجد نفسه قد غرق في وحل العمالة والخيانة وهو لا يدري.

يقول سيد قطب: "المرة تلو المرة ينتاب بعض أفراد الجماعة نزوات وفى كل مرة يسقط أصحاب هذه النزوات كما تسقط الورقة الجافة من الشجرة الضخمة أو تذهب عنهم تلك النزوات، وقد يمسك الأعداء بفرع من فروع هذه الشجرة ويحسبون أنه باجتذابه سيقتلعون الشجرة فإذا جذبوا ذلك الفرع إليهم خرج فى أيديهم جافاً يابساً كالخطبة الجافة لا ماء فيها ولا ورق ولا ثمار ".

إننا نؤكد في النهاية أن خسارة أولئك الذين ينقضون ما التزموا به مع تنظيمهم وحركتهم هي فادحة للغاية، ولا تقارن بما ستخسره حركتهم، التي عمادها الرئيس جهد المخلصين وتضحيات من نذروا حياتهم لخدمة دين الله ونصرته.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

المتابعة الإدارية: سر المؤسسات التي لا تنهار

لا يمكن لأيّ عمل، مهما كان نوعه أو حجمه، أن يحقق أهدافه، أو يحافظ على …