صحتنا النفسية على المحك

الرئيسية » بصائر تربوية » صحتنا النفسية على المحك
-Satisfied-Customers

مع تغير نمط الحياة ودخولنا عصر التكنولوجيا والإنترنت، ومواكبتنا لكل هذه التغيرات المتسارعة، أصبحنا مثقلين بالكثير من الضغوط النفسية في مختلف مجالات الحياة، أصبحنا قلقين على كافة تفاصيل حياتنا، فنادراً ما نجد إنساناً يسعد بحياة هانئة سعيدة مطمئن القلب والبال لا يفكر في شيء ينغص عليه حياته، بل على النقيض نرى أن أغلبية الناس قلقين مهمومين يفكرون دائماً وأبداً بحياتهم ومتاعبهم ومسؤولياتهم، لينتهي بهم المطاف حاملين الكثير من الضغوط والأمراض النفسية كالاكتئاب مثلاً والذي أصبح يطلق عليه اسم مرض العصر.

لكي نفهم معنى الضغط النفسي لا بد لنا من تعريفه بطريقة بسيطة، فهو رد الفعل الطبيعي الذي يصدر من أجسامنا للدفاع عنا إن تعرضنا لأي خطر أو تهديد من أي نوع كان، فمثلاً إن تعرضنا لأمر مخيف أو أي تهديد يفرز الجسم هرمون الأدرينالين؛ ليرفع من سرعة ضربات القلب ويزيد التعرق وسرعة التنفس، ليكون الجسم على أهبة الاستعداد للمواجهة، هذا الأمر طبيعي وينتهي بانتهاء الخطر، ولكن إن استمر الجسم في إعلان حالة التأهب والدفاع فهنا تكمن الخطورة؛ لأن الضغط النفسي المستمر يرهق النفس البشرية، كما يؤثر على كل أعضاء الجسد سلباً ويؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض ، كالسكري وأمراض القلب وكذلك القولون العصبي والصداع الدائم وغيره، على الجانب الاخر، هناك أعراض نفسية تظهر على من يعاني من الضغط النفسي، كالقلق المستمر وعدم التركيز والنسيان والأرق وكذلك المزاج المتأرجح المتقلب، والذي قد يؤدي إلى نوبات مفاجئة وغير مفسرة من الغضب، فما العمل لكي يحمي الانسان نفسه من الضغط النفسي؟

فلنحاول أن نحصر أسباب الضغط النفسي قدر المستطاع وإن كان من الصعوبة بمكان حصرها؛ لتعددها واختلاف مصادرها:

1. المشاكل الأسرية: فهذه المشاكل هي من أكثر الأنواع شيوعاً فلا يكاد يخلو بيتاً واحداً من المشاكل العائلية سواء كانت بين أفراد الأسرة كالوالدين مثلاً أو بين الأخوة والأخوات وما إلى ذلك، الأمر الذي يحيل الفرد إلى إنسان يعاني من الضغط النفسي والقلق المستمر مما يجعل المضي قدماً في حياته شبه مستحيلة كما أنه لا يستطيع العيش والتنعم في حياته أو فيما يملك من نعم بشكل اعتيادي.

2. طبيعة الحياة الحالية: ففيها الكثير من التغيرات والأحداث السريعة على كافة الأصعدة والمستويات، الأمر الذي يجعل الفرد متأهباً منتظراً ما سيحصل هنا وهناك، وهذا الأمر في حد ذاته متعب للأعصاب ومرهق للنفس البشرية.

3. هناك من يرزح تحت طائلة متطلبات الحياة المادية والتي تجعل من الإنسان شخصاً مهموماً، متعباً ومرهقاً يفكر في كيفية تحقيق سبل العيش له ولأسرته، فتأمين المال ليس بالأمر السهل، ناهيك عن متطلبات تعليم الأبناء وتأمين احتياجاتهم وتزويد الأسرة بكل متطلبات الحياة العصرية مما يضع الانسان تحت ضغط نفسي هائل؛ فهو لا يريد أن يقصر في تأمين احتياجات عياله وأسرته وبنفس الوقت لا يجد ما يساعده على تحقيق ذلك، وبالمقارنة مع الحياة في الماضي؛ فقد كانت البساطة عنواناً للحياة، نجد أن الحياة الآن باتت معقدة وتتطلب الكثير من الجهد والمال للحصول على كماليات أصبحت تدعى بالأساسيات في عصرنا الحالي.

4. العمل، وما أدراك ما العمل! فهو في الغالب يعد السبب الرئيس الذي يساعدنا على تأمين حياة حرة كريمة لنا ولأبنائنا، ولكن للمحافظة على هذا العمل، يسعى الإنسان لتقديم الجهد المتواصل لكي يثبت جدارته ويكسب ثقة أصحاب العمل، وتستمر هذه الحكاية يومياً بين شد وارتخاء أعصابه خوفاً من أن يفقد عمله، أو قد تكون هناك مشاكل أخرى كأن تكون للإنسان تجارة أو مشروع يخشى فشله، فيصبح التفكير في هذا العمل هو الشغل الشاغل مما يؤثر سلباً على النفس التي تتعب وتستنزف من التعامل اليومي مع هذه المشاكل فتكون النتيجة ضغوطاً نفسية ما أنزل الله بها من سلطان.

بعد عرض بعض أسباب الضغط النفسي الذي يعاني منه أغلبية الناس في عصرنا الحالي، سأذكر بعض الأمور التي تساعد في التغلب والتخلص من هذه الأسباب لينعم الناس بحياة هانئة سعيدة تريح الأعصاب والنفس:

 الإيجابية في كل شيء، أعني أن يحوّل الانسان كل سلبية في حياته إلى إيجابية، عن طريق التفكير الإيجابي الذي يساعده على تخطي الصعاب ورؤية الفرج يلوح من بعيد، واحتساب الخطأ إن حصل كمحاولة تؤدي للنجاح بإذن الله، كما أن إيجاد أعذار للغير في حالة شعوره بالضيق من أحد ما، هو أمر محمود يريحه من هم التفكير السلبي الذي قد يسلب النوم من عينيه ويؤرقه ليل نهار، إن التفكير الإيجابي يشعر الإنسان بأنه دائماً عنصر متميز في هذه الحياة، وأنه لا مستحيل في حياته، كذلك له دور كبير في شحن نفسه بطاقة إيجابية كافية لإسعاده وإشعاره بالقناعة وبالرضى بكل ما لديه .

 الايمان بالله تعالى بأنه وحده القادر على كل شيء، فيعلم ويوقن الإنسان أنّ ما من أحد يستطيع أن يضره أو ينفعه بشيء إلا بإذن الله، شعور جميل وهو أن من خلقه هو وحده يتولى أمره وبالتالي يسلم أمره لله ويتوكل عليه ويسعى في طلب رزقه كما أمر من غير خوف من مجهول أو تطيّر من فشل.

 المحافظة على الصلاة بشكل صحيح؛ لأنها تريح النفس وتمنح الانسان شعوراً عظيماً بصلته الدائمة بخالقه كما أنها تساعده على الاسترخاء وتذكره بأن كل شيء بيد الله وتحثه على الطلب والالحاح على الله والدعاء بكل ما يريد.

 إخراج النفس من محيط الضغط والقلق النفسي وتضخيم الصعاب بالتحدث مع الآخرين وزيادة محيط العلاقات الاجتماعية والتي تساعد الانسان على الخروج من دائرة القلق ونسيان المشاكل والهموم، كما أن كل من يرى مشاكل غيره تهون عليه همومه وصعابه، ولكن يحبذ في هذه الأحوال أن يختار الإنسان شخصاً يحبه ويقدره ليتحدث إليه فيستمع له وينصحه فيما ينفعه، فنجاح العلاقات الاجتماعية لا تقيّم بكثرة عدد الأشخاص بل بنوعيتهم .

 التأكد من الحصول على الوقت الكافي للترفيه والترويح عن النفس والاسترخاء، فالضحك مثلاً هو أمر ضروري للتخلص من الضغط النفسي، كذلك إخراج النفس عن المألوف والروتين اليومي هو أمر محبب كالذهاب في رحلة أو السفر إلى وجهة جديدة، إضافة لذلك ممارسة الرياضة التي تساعد الجسم بشكل كبير على التخلص من التوتر والقلق.

وأخيراً... لا يسعني إلا أن أقول أنّ على الإنسان أن يتفاءل بالخير ليجده، فمهما ثقلت أعباء الحياة وهمومها، عليه أن يتذكّر أنه في نعمة كبيرة ، ولينظر إلى غيره ممن لا يستطيعون الحراك مثلاً أو ممن لا يملكون نعمة النظر أو غيرهم ممن ابتلاهم ربهم بالأمراض أو ممن يعانون معاناة حقيقية بطرق مختلفة هنا وهناك، وليتذكر بأنه يملك من النعم ما لا يعد ولا يحصى، فليحمد الله ويسعد ويقنع بما لديه وليتأكد أن يوم غد سيكون أفضل من اليوم بإذن الله.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
باحثة وأديبة ومحاضرة في الأدب والفكر، لها العديد من البحوث والمؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية. حاصلة على شهادة الدكتوراة في التعليم (القيادة التربوية والإدارية). تقوم بتقديم العديد من الدورات التدريبية وورش العمل في مجالات عديدة. درست الأدب الانجليزي والشريعة الإسلامية. وقدمت مساهمات في العديد من المؤتمرات العالمية والمحلية فيما يختص بتطوير التعليم وطرائقه. لها اهتمامات عديدة في مجالات الأسرة وكذلك تنمية وتطوير الذات.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …