ربيع: التعليم عن بعد ليس مجرد مقطع فيديو
المصري: التعليم عن بعد أكثر إمتاعاً من التعليم التقليدي
الخوف من فيروس #كورونا الذي يجوب العالم منذ نهاية العام الماضي، غيّر الكثير من تفاصيل حياة الناس، ومن ذلك أنه أجبر العديد من الحكومات على إغلاق المدارس، بعض الدول استعاضت عن المدارس التقليدية، بالتعليم عن بعد، وهذا ما حصل في فلسطين وغيرها، لكن حداثة التجربة جعلت البعض يشكك في نجاعتها، لذا فإننا نسأل في هذا التقرير عن السبيل لنجاح التعليم عن بعد.
جهد مشكور ولكن!
إياد ربيع -معلمٌ لطلبة المرحلة الإعدادية، ومتخصص في التعليم عن بعد- يقول: "إن التعليم عن بعدٍ يعتمد على خمسة أعمدة، هي وزارة التربية والتعليم، والمدارس، والمعلمين، والأهل، وأخيراً الطلبة".
ويضيف: "للأسف، هذه الأعمدة كلها ليست مهيأةً للتعليم عن بعد؛ فنحن نفتقر لأساسيات ضرورية، ولا نملك بنية تحتية لهذا النوع من التعليم".
ويستدرك: "لكن هذا لا يعني عدم اللجوء للتعليم عن بعد في هذا الوقت، بل علينا أن نبدأه بالإمكانات المتاحة، وفي ذات الوقت نشرع بتوفير ما يلزم ليكون أكثر فاعلية".

ويلفت إلى أن التعليم عن بعد حالياً، يكاد يكون محصوراً في البرامج الإذاعية والتلفزيونية ومقاطع الفيديو المُصورة لمعلمين يشرحون الدروس، ولا يخرج عن هذه الأدوات سوى عدد محدود من المعلمين.
ويوضح: "هذا جهد مشكور، وله نتائجه بالتأكيد، لكنه ليس كافٍ إطلاقاً، فالتعليم الإلكتروني ليس مجرد تصوير فيديو، فهذا الشكل يفتقد لواحد من أهم عناصر العملية التعليمية، وهو التفاعل، وغياب هذا العنصر يحول دون قياس نسبة وصول المعلومة للطالب".
ويبين: "ثمّة مواقع على الإنترنت، وبرامج يمكن تثبيتها على الحواسيب والأجهزة الذكية، يمكن استخدامها في التعليم عن بعد، وتحقق التفاعل المطلوب، وباستخدامها تتوفر أجواء تشبه الصف المدرسي، فيشرح المعلم الدرس لطلبته، وفي ذات الوقت يمكنهم المشاركة وطرح الأسئلة عليه".
ويؤكد أن معظم المنهاج يمكن شرحه عبر الإنترنت، والصعوبة تكمن فقط في الدروس التي تشمل تجارب عمليّة، ويمكن التغلب على هذه العقبة من خلال مواقع المختبرات الافتراضية، التي تتيح للطالب اختيار العناصر وكأنه في المعمل، ومن ثم تظهر له نتيجة تجربته.
ويرى ربيع أن أول عناصر نجاح تجربة التعليم عن بعد يلزمه وضوح من وزارة التربية والتعليم، والإجابة عن التساؤلات الكثيرة التي تدور في أذهان الطلبة وأولياء الأمور، مثل كيفية تقديم الاختبارات وما إذا كانت درجات الاختبارات عن بعد ستعتمدُ أم لا، بالإضافة إلى ضرورة العمل بشكل مكثفٍ على تطوير مهارات المعلمين وتوفير الأدوات اللازمة لهم للتواصل مع الطلبة بأفضل صورة.
وعن المعلمين أنفسهم، يقول: "يجب أن يبذلوا جهداً في تطوير مهاراتهم التكنولوجية، وهذا ليس صعباً؛ فالإنترنت مليء بالمعلومات التي تساعدهم، وبإمكانهم أن يستعينوا بمختصين لو لزم الأمر، فقد صار من واجبهم أن يتعلموا التكنولوجيا لكي يؤدوا رسالتهم".
ويضيف: "توجد مواقع وجامعات متخصصة في التعليم عن بعد، تقدم دورات لمن يرغب بالعمل بهذه الطريقة، وبعض دوراتها تنتهي في يوم واحد، ويحصل الدارسون فيها على شهادات، وهذه تُمكّن المعلمين من تطوير مهاراتهم بسرعة، بالإضافة إلى أنه يقع على عاتق الوزارة تقديم دورات سريعة للمعلمين لتأهيلهم للتعامل مع التكنولوجيا".
أما بخصوص الطلبة، فيبين: "هم غير راغبين بالتعليم الإلكتروني، بالرغم من أن أغلبهم يجيد التعامل مع التكنولوجيا، بدرجة أفضل من أولياء أمورهم ومن معلميهم"، متابعاً: "على الجهات المختصة أن تستثمر ميل الطلبة للتكنولوجيا وأن تصل لهم بطرق تشجعهم على الدراسة".
عقبات
ووفقاً لتجربته في التعليم عن بعد منذ العام 2000، يوضح ربيع أن فكرة التعليم الإلكتروني ليست ناضجة في المجتمع الفلسطيني؛ فالطالب ليس لديه شغف بخوض التجربة، أما الأهل فمنهم من يرفض الفكرة تماماً، على اعتبار أن التكنولوجيا ملهاة للابن وليست وسيلة للدراسة.
ويلفت إلى أن تعامل الأنثى تحديداً مع الإنترنت هو مشكلة بحد ذاته، فبعض الأُسر لا تتقبل فكرة تعلم بناتها من خلاله، لدرجة أن بعد المعلمات يمنعن أحياناً؛ لنفس السبب.
ويوضح: "العقبة الاجتماعية ليست العائق الوحيد الذي يواجه عملية التعليم عن بعد، فإلى جانبها توجد مشكلة عدم توفر الإنترنت والحواسب والأجهزة الذكية في بعض البيوت، وأن بعض البرامج والمواقع اللازمة ليست مجانية تماماً، وهذا يحتاج لتدخل الوزارة لتحمل نفقات الاشتراك فيها".
وفي حال تذليل العقبات المذكورة، ما العناصر التي يجب توفرها في الدرس الإلكتروني ليكون ناجحاً؟
يجيب ربيع: أولاً/ يجب أن يعرف الطالب الهدف من الحصة؛ ليحدد في نهايتها إن تحقق ذلك الهدف أم لا، وثانياً أن يكون الدرس تفاعلياً، مع الاستعانة ببرامج توصل المعلومة للطالب بشكل جذّاب، باستخدام الصور والفيديو، بالإضافة إلى أن التقنيات المستخدمة يجب أن تكون متوافقة مع طبيعة الدرس".
وبحسب ربيع، فللتعليم عن بعد إيجابيات لا تتوفر في التعليم التقليدي، ومن أبرزها، المرونة في تحديد مواعيد الدروس، وأنه بإمكان الطالب الاحتفاظ ببعض الشروحات، وكذلك فهو يوطّد العلاقة بين المعلم وطلبته بدرجة لا يمكن تحقيقها في المدرسة، ومن خلاله يسهل تواصل أولياء الأمور مع المعلمين".
أكثر تأثيراً

من جانبها، تقول المشرفة التربوية في وزارة التربية والتعليم بغزة (عبير المصري): "إن التعليم عن بعد هو الحل لضمان استمرار الدراسة في هذه الظروف، ولكي يحقق النتائج المرجوة لا بد أن ينفذ بأفضل الصور الممكنة".
وتضيف: "نجاح التعليم عن بعد مرهون بوجود أهداف محددة وواضحة، وخطة تنفيذية، وتضافر جهود كل الجهات المعنية، ومن الضروري جداً التنسيق بين المؤسسة التعليمية والطلاب، وعلى المعلم والإدارة متابعة نتائج العملية التعليمية بشكل دوري، والحصول على تغذية راجعة للتأكد من الصواب وتقويم الأخطاء".
وتتابع: "في المقدمة، يأتي دور الحكومة؛ إذ عليها توفير ما يلزم للتعليم عن بعد، ونشر المعلومات المؤكدة بخصوصه عبر صفحاتها الرسمية، ومن ثم على المدرسة تنظيم جهود الطاقم التعليمي فيها، وتوجيه الأهالي لكيفية التعامل مع هذا النوع من التعليم".
وتواصل: "في البيت، حيث الطالب وولي أمره، ثمة دوران آخران؛ فعلى الأهل تخصيص أوقات للدراسة، وإن كان الطالب طفلاً فينبغي التواصل مع أساتذته بين وقت وآخر للتأكد من أن العملية التعليمية تأخذ مجراها السليم وأن الطفل يستفيد بالفعل، أما دور الطالب فهو يتمثل متابعة الدروس وتنظيم وقته".
وترى المصري أن التعليم عن بعد له مميزات قد تجعله أفضل للطالب من التعليم التقليدي، وأكثر تأثيراً عليه، فهو يعطي الطالب دافعية للتعلم والبحث؛ لكونه يواكب التكنولوجيا.
وتؤكد على أهمية تحقيق عنصر التفاعل بين المعلم والطالب في التعليم عن بعد، ويمكن فعل ذلك باستخدام منصات وتطبيقات متوفرة على الإنترنت مثل "zoom"، وهذا يتطلب اهتمام المعلمين بتطوير مهاراتهم التكنولوجية لتحقيق أقصى استفادة من الإنترنت.