كورونا خارج أسوار “المتطهّرين”

الرئيسية » خواطر تربوية » كورونا خارج أسوار “المتطهّرين”
tun22

رحم الله زمناً كان أعداءُ الدين من علمانية العرب وليبراليتهم يتندّرون ويسخرون من العلماء الذين يدرِّسون الفقه وخاصّة باب الطّهارة، حتى قال قائلهم مستهزئًا: الناس وصلوا الى القمر، ومشايخ المسلمين لا زالوا يتحدّثون في دروسهم عن الغُسل و كيفيّة الدخول إلى بيت الخَلاء وعن الحيض والنفاس!!..

ولعلّ أكثر أولئك الذين يولغون بنقد العلماء ونقد الدين من وراء ذلك لا يعرفون بالفعل كيف يغتسلون. فضلًا عن أنهم في النقد سواء، فهم لم يكتشفوا لبلدانهم علاجات أمراض، ولم يصنّعوا الطيارات والسفن، ولم يشاركوا في الاكتشافات الفلكيّة وغيرها، بل أكثرهم من الكسالى العالة الذين يكثُر فسقهم وتنظيرهم ويُعدم نفعُهم لأنفسهم ولمجتمعاتهم، فعلمانية الغرب واللّادينيّين هناك يعملون ويكتشفون على فسقهم، أما توابعهم في بلادنا فهُم غثاءٌ كغثاء السيل.

تحت وطأة وباء (كورونا) الذي شغل الدنيا، فأوقف الملاحة، وحَجَر على الناس، كباراً وصغاراً، حكّاماً ومحكومين، فحبَسهم عن مراكز أعمالهم ودراستهم وأماكن لهوهم في موقف مَهول، تستعجل إلى أذهاننا أصداءُ ذلك الصوت الذي سيملأ الأفق يوماً ما في قوله تعالى: {يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [غافر:16].

والجدير بالذكّر أنّ المتفق عليه في الوقاية من هذا العدوّ صعب المراس _ حيث لا علاج ناجع حتى الساعة_ هو الالتزام بأمرين:

الأول: الطهارة التي احتلت في الدين الإسلامي مساحةً كبيرة، فدخلت حيّز العقيدة بعد أن عدّها الإسلام نصفَ الإيمان في الحديث الصحيح: "الطّهور شطر الإيمان". وتصدّرت كُتبَ الفقه، فكانت بمثابة الحصن الآمن من الإصابة بكثير من الميكروبات، وعلى رأسها هذا الفيروس ذائع الصيت.

الطهارة التي احتلت في الدين الإسلامي مساحةً كبيرة وتصدّرت كُتبَ الفقه، كانت بمثابة الحصن الآمن من الإصابة بكثير من الميكروبات، وعلى رأسها هذا الفيروس ذائع الصيت

ومن مظاهر الطهارة التي هوّن من شأنها أقوام وسخر من مُدارستها والالتزام بها آخرون الأمور الآتية:

1- غسل الوجه واليدين والرجلين في كل وضوء أخذاً من الآية الكريمة: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} [المائدة:6]. والمسلم يتوضّأ في اليوم ثلاثة مرات على الأقل، وهذا الغُسل كفيل بإزالة كل ما يعلق على أعضائه من أدران أو ميكروبات وغيرها.

2- شرع غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم قبل غمسها في الماء: قال رسول الله صل الله عليه وسلم في الصحيح: "إذا استيقظ أحدُكم من نومه، فلا يغمسْ يدَه في الإناءِ حتى يغسلَها ثلاثًا، فإنه لا يدري أين باتت يدُه". وكذلك يسنّ غسلها_ بل والوضوء_ قبل الطعام وبعده لقول رسول الله صلى الله عيه وسلم في حديث ابن ماجه: "من أحب أن يكثر الله خيرَ بيته فليتوضأ إذا حضر غداؤه وإذا رفع".

3- الغُسل: وفيه تنظيف الجسد كاملاً بإسباغ الماء عليه بعد الجماع وبعد الحيض والنفاس، وفي المواطن التي يلزم معها الغسل كيوم الجمعة والعيدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "إذا جاء أحدُكم الجمعةَ فليغتسلْ". بحيث لا تتجاوز مدة الغسل بحدّها الأقصى سبعة أيام، فقد صحّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حقٌّ للهِ على كلِّ مسلمٍ، أن يغتسلَ في كلِّ سبعةِ أيَّامٍ، يغسِلُ رأسَه وجسدَه".

4- تقليم الأظافر ونتف الإبط والعانة، لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب".

5- تطهير الفم من بقايا الطعام، عن طريق (السواك)، فقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لولا أن أشق على أُمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".

وأنقل هنا ما قاله البرفيسور روداث مدير معهد الجراثيم في جامعة روستوك، بحسب ما ورد في "المجلة" الألمانية في عددها الرابع: (قرأتُ عن السِّواك الذي يستعمله العرب كفرشاة للأسنان في كتابٍ لرحّالة زار بلادهم، وقد عرَّض للأمر بشكلٍ ساخر، اتخذه دليلاً على تأخر هؤلاء القوم الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين، وفكّرتُ! لماذا لا يكون وراء هذه القطعة الخشبية حقيقة علمية؟!. وجاءت الفرصة سانحة عندما أحضر زميلٌ لي من العاملين في حقل الجراثيم في السودان عدداً من تلك الأعواد الخشبية، وفوراً بدأت أبحاثي عليها، فسحقتها وبللتها، ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم، فظهرت على المزارع آثار كتلك التي يقوم بها البنسلين).

6- نظافة الثياب والمسكن: قال تعالى: { وثيابك فطهر} [المدثر:4]. وجاء عند الترمذي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نظّفوا أفنيتكم".

الثاني: محاذرة الاختلاط والانتقال (من و إلى) أيّ مكان موبوء مخافة العدوى، التي هي سبيل انتقال المرض، فقد جاء في السنّة المطهّرة أحاديث صحيحة: منها: "لا يورد المُمرضَ على المُصحّ ". "... وفِرَّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد"، وفي عدوى الطاعون قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض، وأنتم بها فلا تخرجوا ".

والجدير ذكره أنّ الغرب الذي أغمض عينيه طويلاً عن شريعة الإسلام، بل وعاداها في كثير من الأحيان، يفتش اليوم_ تحت رهبة الوباء_ عن وسائل علاج واتقاء، يرنو اليوم لتعاليم هذا الدين ويدعو إليها، فها هي المساجد التي منعت لأعوام عن المجاهرة بالأذان، ترفع التكبير على ذرى المنابر فتنقله الأصداء إلى مسامع الناس في إيطاليا وإسبانيا وألمانيا.

وها هي جريدة نيوزويك الأميركية تنقل مقالاً للكاتب "كريج كونسيدين" يتحدث فيه عن النصائح المهمّة التي قدّمها نبيّ الإسلام حول منع ومكافحة الأوبئة، ويستشهد بأحاديث عدّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ويتساءل قائلاً: (هل تعرف من الذي اقترح النظافة والحجر الصحي الجيد أثناء الوباء؟ إنّه النبي محمد قبل 1400 عام).

ويضيف: (على الرغم من أنه ليس خبيراً _تقليديّاً_ في مسائل الأمراض الفتّاكة إلا أنّ محمداً كانت لديه نصيحة جيدة لمنع ومكافحة فيروس مثل Covid 19 ).

إنها شريعة الله خالق الأكوان وعالم الأسرار، ترشد الإنسان إلى ما يسعده في حياته وما ينجيه في آخرته، فتدعوه في أول كلية من كلياتها الخمسة: إلى الحفاظ على حياته، وأنها أمانة سيسأل عنها، وأنّ هذه الحياة لا تستقيم إلا بطهارتين اثنتين الأولى طهارة القلب والثانية طهارة الجسد .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب في القضايا الفكرية، محاضر ومقدّم دورات في التربية، له مؤلفات ومقالات منشورة.

شاهد أيضاً

الخراصون… الكذبة الذين لعنهم الله!

من بين المفردات القرآنية التي نادراً ما يُسلَّط الضوء عليها، برزت كلمة "الخراصون" في مشهد …