قطناني: أكثر الأخطاء التي يرتكبها بعض الآباء في حال تعرضوا لمثل هذه التساؤلات، هي الإجابات المُتسرّعة، أو إهمال السؤال وعدم الإجابة عليه مُطلقاً ِبحُجة صِغَرِ عُمر الابن مثلاً، وأسوأ الآباء حالاً هو من يغضب إذا سُئِلْ
ملاّخة: يجب المعرفة بمراحل نمو الطفل وتدرجها، وتقديم الإجابة بحسب ذلك التطور دون إهمال، أو تجاهل، أو شرحٍ مُمِل
أسئلة الصغار عن مسائل العقيدة نَهَمٌ طفولي مبكر لمعرفة الله يتحوّل أحياناً إلى مأزق للآباء والأمهات حينما تتعلق تلك الأسئلة بصفات الله -عز وجل- أو قصص الأنبياء، أو يطرحون مسائل تستعصي على أفهامهم مثل الموت والملائكة والجنة والنار.
بعض الأسر تعتني بالرد على تلك الأسئلة باهتمامٍ بالغ، وتفتح حوارات شيّقة مع أطفالها حول ما يلتبس عليهم فهمه، بينما يفشل آخرون في تقديم إجاباتٍ شافية تروي ظمأ أبنائهم للمعرفة، بل ربما تؤدي بعض الإجابات المُعقّدة والخاطئة إلى تشويش أفكار الصغار.
فكيف تتعامل الأسرة مع الأسئلة العقدية المباغتة للأطفال؟ وما هو القدر الذي يمكن إمدادهم به في تلك السن الصغيرة؟ وما هي مخاطر تجاهل تلك الأسئلة أو إهمال الرد عليها؟
أسئلة الصغار للتعرف والاستكشاف
من ناحيته، قال الاختصاصي التربوي علي قطناني: "إنّ أسئلة الصّغار عن مسائل العقيدة والدين تأتي في سياق محاولاتهم التعرف والاستكشاف لما يدور حولهم، وهذه من العلامات الدّالة على قدرتهم على مراقبة الأحداث من حولهم، واستحداث أسئلة لفهمها، وهي من الأفعال الطبيعية التي يمارسونها، ولعل تصرفاتنا من أهم الدوافع لمثل هذه التساؤلات".
وأضاف: "يسأل أطفالنا الكثير من الأسئلة منها مثلاً: لماذا يصلي أبي؟ ولمن يصلي؟ ما هو القرآن؟ ولماذا نحترمه ونُطبق ما فيه؟ لماذا يعده أبي دستوراً وقانوناً لحياتنا؟ لماذا عندما نُخطئ نرجع إليه؟ من هو الله الذي أنزل هذا الكتاب؟ وأين هو؟ لماذا لا نراه؟ والكثير الكثير من الأسئلة".
الإجابة عن الأسئلة تندرج تحت التربية الإيمانية
وشدد قطناني على أنّ "أهم ما يجب الإشارة إليه هو أنّ الإجابة على تلك التساؤلات تندرج في إطار التربية الإيمانية لأبنائنا، وتحديد اتجاهاتهم الفكرية، وبناء منهجية تفكيريهم وطريقتهم في استحداث الأسئلة حول الأفكار التي تطرق عقولهم والجرأة على طرحها، إضافة إلى تغذية الاهتمام بالمعاني الإيمانية والمعرفية، وتحصينهم الاجتماعي، وتعزيز الاستقرار النفسي لديهم".
وذكر أنّه يجب على الآباء الاستقصاء عن الدوافع والأحداث التي دعت الابن لطرح هذه التساؤلات، والانتباه إلى طريقة طرحه، في محاولةٍ لتقدير شكل ونوعية الإجابة المُفترضة، ووقتها، وطريقة إيصالها ، مع عدم إغفال الفئة العُمرية للطفل، وجنسه سواء كان ذكراً أو أنثى".
وأوضح قطناني أنّه "يُمكن الاستقصاء من خلال سؤال الابن بعض الأسئلة المباشرة والانتباه لطريقة طرحه للسؤال، ولُغة جسده في ذلك، وتقدير حالته النفسية أثناء السؤال، ومحاولة معرفة الحدث الدافع للسؤال، هل هو مثلاً حوار دار بينه وبين أصدقائه؟ أم هو فيديو شاهده من خلال الإنترنت أو غير ذلك".
أخطاء يرتكبها الآباء.. ومخاطرها
وقال قطناني: "إنّ من أكثر الأخطاء التي يرتكبها بعض الآباء في حال تعرضوا لمثل هذه التساؤلات، هي الإجابات المُتسرّعة، أو إهمال السؤال وعدم الإجابة عليه مُطلقاً ِبحُجة صِغَرِ عُمر الابن مثلاً"، لافتاً إلى أنّ "من أسوأ الآباء حالاً هو من يغضب إذا سُئِل".
وتابع "مِثْلَ هذه الأخطاء تدل على قلة عِلم الأب وخبرته، وضعف مهارته واتصاله بأبنائه، الأمر الذي يترتب عليها أنّه إمّا أن يُترك الابن في حيرة دون إجابات عن تساؤلاته، أو أن تدفعه إلى البحث في مواقع غير آمنة ولا محمودة، وأحسن الأبناء حالاً من يُيسِرَ الله له من يُجيبه عن تساؤلاته".
كيف تتصرف عند عدم قدرتك على الإجابة
وأردف قائلاً: "لا ينقص من قدر الأب أن يقول لا أعلم، أو دَعْنا نبحث عن الإجابة معاً يا ولدي، أو ما رأيك أن نتصل بأهل الاختصاص فنسألهم ، وبهذا يكسب الأب احترام ولده، ويُعلّمه أن يبحث ويستقصي، ويدلّه على من يثق بهم من أهل الاختصاص الذين يعرفهم".
وأكّد قطناني على أنّه: "لا ينبغي للأب أن يكون مُحرجاً من تساؤلات أبنائه مهما كانت، بل عليه أن يُشجّعهم عليها؛ لأنّ كثرة الأسئلة العقدية من الإشارات الدّالة على ذكائهم وحُبّهم للمعرفة، وهي من الأساسيات في اعتبار الأب المرجعية المعرفية لهم".
ونوه قطناني إلى أنّ: "مثل هذه التساؤلات تُعد ركيزة أساسية مُساعِدة في بِناء عناصر التربية الخمسة وهي: (القناعات، والاهتمامات، والمهارات، والعلاقات، والقدوات) إذا أحسن الأب استغلالها وتوظيفها لصالح العملية التربوية".
عصب التربية يكون في غرس القيم والمفاهيم الدينية
من جهته، قال الأخصائي النفسي والاجتماعي زهير ملاّخة: "إنّ الفطرة قائمة على الدين الإسلامي، والنمو التدريجي لدى الفرد يدفعه لأنشطة تُلبّي احتياجه، ومنها: الجانب العقلي، لذلك نجد الطفل يستكشف ويبحث ويسأل ويُفكر بحسب إمكانياته المتطورة".
وبيّن أنّ من الأشياء التي ينشط فيها الطفل سؤاله عنها هي الأمور الدينية والعقدية التي يراها ويسمعها ممن حوله.
وشدّد ملاّخة على أنّ: "عصب التربية لا بد أن يكون في غرس القيم والمفاهيم الدينية عند الطفل ، فهو يسمع من مُربّيه ويرى سلوكاً دينياً يترك في عقله وقلبه أسئلة عديدة، خاصة أنّ المراحل الأولى لنموه ترتكز على الماديات، فهو يريد أن يرى ويتحسس ما يسمعه، لذلك يكثر السؤال عن أشياء يسمعها ولا يراها كالأسئلة العقدية والدينية".
الدور الذي يجب على الوالدين امتلاكه عند الإجابة
وأكد على أنّ للوالدين دور مهم يجب امتلاكه، موضحاً أنّه: "يجب على الوالدين أن يتوفر لديهم الفهم والاطلاع والثقافة التي تؤهلهم للإجابة على الطفل بسلاسة، وربطهم للأمور بأشياء محبوبة ومرغوبة ، وبالتالي تكون الإجابة بمثال جميل أو توضيح من خلال أشياء بين أيدينا لكي نوصل الفكرة للطفل".
وتابع: "يجب أن يمثل الوالدان قدوة تربوية وسلوكية جميلة لأبنائهم؛ لتُكوّن قيمة وغرساً حسناً في نفس الطفل، تتحول لولاء يعتقده ويمارسه ويدافع عنه".
وذكر ملاّخة أنّه يجب المعرفة بمراحل نمو الطفل وتدرجها، وتقديم الإجابة بحسب ذلك التطور دون إهمال، أو تجاهل، أو شرحٍ مُمِلْ.
ونوه إلى أنّه يجب الحرص على مُشاركة الطفل لوالديه وأهله بالسلوك والشرائع الدينية والتصرفات القيمية، وشرح ثوابها، ومُعايشة أثرها النفسي من فرحٍ، وهدوء، وحُب يملأ القلب.
ولفت ملاّخة إلى أنّه لا بد من امتثال الفراسة والفطنة وحضورها عند المُربّي؛ لأنّ بعض أسئلة الطفل تكون مُحرجة، لذلك يجب الاستماع، والإجابة بقصة، أو مَثَلْ يحمل الجمال والحب الديني وإنماء العقيدة الغيبية في الدين الإسلامي عند الطفل، على حد تعبيره.
وقال: "إنّ الطفل عندما يبدأ السؤال بأين؟ وكيف؟ ولماذا؟ -حول الخالق سبحانه- لا بد أن نُجيبه بدون تردد، بالصدق والإيضاح بدون تسويف أو حرج، ويُفضل أن يصحب الإجابة حضور نفسي جميل، وتشكيل صوت هادئ محبب، ومثال يجد فيه الطفل جوابه، وبهذا نستطيع أن نغرس ونعزز ونحصن أبنائنا بحب الدين، وتحقيق الولاء في قلبهم وعقلهم".
وختم ملاّخة حديثه بالقول: "إذا اجتمعت البيئة الأسرية ذات السلوك والقدوة الحسنة والفهم الناضج والشرح والإيضاح المحبب والمحاكاة لكل فعل، ستتكوّن مفاهيم وتوجه وبناء ديني تربوي عند أطفالنا".