لماذا ننتظر نتائج الانتخابات الصهيونية!

الرئيسية » بصائر الفكر » لماذا ننتظر نتائج الانتخابات الصهيونية!
7WbzM

هذا السؤال استنكاري، وليس من المقصود به بالدرجة الأولى البحث عن إجابة له؛ فليست له سوى إجابة واحدة: وهي أننا ضعفاء؛ ننتظر -بل وبشغف- تطورات الحال السياسي والاجتماعي عند خصومنا، لعل وعسى تأتيهم صاعقة من السماء تقضي عليهم، فتنتهي مشاكلنا!

هذا بطبيعة الحال يتنافى مع السُّنَن والقوانين الحاكمة والنافذة، التي وضعها اللهُ تعالى في خلقه، والتي منها قوانين العمران السياسي والاجتماعي، ومنها القوانين الحاكمة للصراعات الإنسانية، مثل قانون التدافع، وقانون الإعداد.

وفي الحقيقة، فإن الاعتقاد في هذه القوانين إنما هو أمر عَقَدي بالدرجة الأولى، ولا جدال في ضرورة وجوده -أي هذا الاعتقاد- لكي يقول الإنسان إنه مسلم.

ويعود ذلك إلى أنه يرتبط بإيماننا بضرورة الأخذ بالأسباب، وبالتالي، إيماننا برب الأسباب، وبأن هذه القوانين وحتمياتها ومساراتها، إنما هي لدن اللهِ -عزَّ وجلَّ- بل إنها جزء من قضاءِ اللهِ تعالى وقدره، والذي الإيمان بهما جزءٌ من عقيدتنا كمسلمين، والتعامل معهما، هو كذلك جزء من مظاهر تأكيدنا على هويتنا كمسلمين.

وفيما يتعلق بعنوان هذا الموضع من الحديث، فإن هناك الكثير من الظواهر السياسية والإعلامية، بل والنفسية التي يعكسها نمط الاهتمام، في مختلف مساحاته: الفردية والاجتماعية، والسياسية والإعلامية، التي تستوجب التدقيق والمراجعة.

وبمراجعة معمَّقة بعض الشيء في المحتوى الذي تنشره المصادر الفلسطينية - بالدرجة الأولى، والعربية التي تقع بعدها بمسافة فيما يتعلق بمساحة الاهتمام - فإن أول هذه الظواهر، ولامست عليه مقدمة هذا الحديث، هو أننا صرنا فقط مجرد متابعين لحدث يؤثر على مصائرنا وقضايانا، مع حالة من الدونية، والإحساس بالعجز، والتي هي أسوأ من العجز ذاته؛ فإن التاريخ يخبرنا بأن هناك الكثير من النماذج لطالوت الذي هزم جالوت.

بل إن هذه الدونية وصلت إلى أننا ننتظر أن تُحلَّ قضايانا من لدُن خصومنا! والأدهى أن البعض يفعل ذلك وهو يصدق أنه من الممكن أن تغيِّرَ نتائج الانتخابات الصهيونية من مسارات الأحداث وتطوراتها، وأن بعض نتائجها قد يحمل الخير للفلسطينيين وقضيتهم عن بعض النتائج الأخرى!

فمن أكثر الظواهر الإعلامية والسياسية عجباً في هذا المقام، هو "تمنِّي" البعض فوز تحالف "أزرق - أبيض" بتشكيل الحكومة بمنطق أهون الضررَيْن، باعتبار أن تحالف اليمين الذي يقوده الليكود بزعامة الفاسد بنيامين نتنياهو، يجاهر بالكثير من الخطط والمشروعات التي تتعارض مع المصالح الفلسطينية والحلول المطروحة للقضية، وهذا أمرٌ غير واقعي باعتراف الصهاينة، وليس نرفضه لموقف قيمي لدينا مثلاً.

فزعيم تحالف أزرق- أبيض هذا، هو رئيس أركان سابق للجيش الصهيوني، وهو أحد مجرمي الحرب في غزة، بالإضافة إلى أنه أصلاً موافق على كل الترتيبات التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ موضوع نقل السفارة الأمريكية لدى الكيان الصهيوني من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالأخيرة عاصمة أبدية وموحدة للكيان الصهيوني، وصولاً إلى ما يُعرَف بصفقة القرن بتفاصيلها المعروفة والمعلنة.

زعيم تحالف أزرق- أبيض هذا، هو رئيس أركان سابق للجيش الصهيوني، وهو أحد مجرمي الحرب في غزة، بالإضافة إلى أنه أصلاً موافق على كل الترتيبات التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ موضوع نقل السفارة الأمريكية لدى الكيان الصهيوني من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالأخيرة عاصمة أبدية وموحدة للكيان الصهيوني، وصولاً إلى ما يُعرَف بصفقة القرن بتفاصيلها المعروفة والمعلنة

بل لعله في هذه الحالة، فإن فوز نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف أفضل بكثير من فوز نوعية الساسة والقوى السياسية التي تُخفي صهيونيتها خلف ستائر من الحديث السياسي الذي ليس له أي موضع من الواقع.

تماماً مثلما كانت المقارنة بين شيمون بيريز ونتنياهو في انتخابات 1996م. كان وقتها هناك الكثير من مختلف التيارات السياسية في فلسطين والعالم العربي يرجون من اللهِ تعالى أن يفوز نتنياهو واضح الوجه، على أن يفوز شيمون بيريز صاحب الألف وجه، والذي للأسف جاز نفاقه في موضوع التطبيع الاقتصادي مع العالم العربي. وكلنا نذكر جولات الدار البيضاء وعمَّان والقاهرة والدوحة في هذا الأمر.

وجانتس -كأحد قيادات الجيش الصهيوني- فإنه من صميم عقيدته السياسية ما كان من صميم عقيدته العسكرية، ومسألة ضم المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية المحتلة، والاستيلاء على غور الأردن، هي من ركائز السياسات الدفاعية الصهيونية، وأحد ثوابت مُدوَّنة الأمن القومي الصهيوني.

الملاحظة الأخرى المهمة من مطالعات اتجاهات الرأي والمواقف سواء على المستوى الفردي أو مستوى المعلِّقين -في المساحة الفلسطينية، ومن ورائها المساحة العربية- هي أنه لا يُوجد أحد قدَّم طرحاً معقولاً وواقعيّاً وشاملاً للتعامل مع البرنامج الانتخابي المعلن لنتنياهو.

فنتنياهو واليمين الصهيوني تقدم ببرنامج شديد الوضوح في مسألة الأرض واللاجئين، ويشترك في نصفها على الأقل مع اليسار الصهيوني، بينما لا تزال الأطراف الفلسطينية حتى الآن لم تتفق على أرضية تفاوضية لمصالحة من دونها لن يمكن الحديث عن أية إمكانية لتحرُّك فعال ، بل لتحرُّك الحد الأدنى أصلاً.

وهذا بديهي على المستوى القانوني؛ لأن كلا طرفي الأزمة الفلسطينية له شرعية ما، السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" لديهم شرعية الاعتراف العربي والدولي القانوني بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، بينما حركة "حماس" لديها شرعية كونها الحركة الفائزة بآخر انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني.

ووفق النظام الأساسي الفلسطيني فإن النظام السياسي الفلسطيني أقرب للنظم السياسية البرلمانية، وبالتالي فإن الحزب أو القوة السياسية الفائزة بالانتخابات، هي كذلك لديها شرعية تشكيل الحكومة.

ولا يمكن هنا قبول التعلُّل من جانب السلطة بانتهاء الفترة "الدستورية" للمجلس التشريعي الفلسطيني الثاني الذي تمثِّل "حماس" الأغلبية فيه؛ فلو طبق ذلك المبدأ سوف نجد أن جميع الأطر التشريعية والتنفيذية الفلسطينية هي بلا شرعية قانونية أساساً، بما في ذلك رئيس السلطة، محمود عباس، الذي انتهت ولايته في 2011م.

إلى الآن؛ لا أحد يفهم سبب إصرار السلطة الفلسطينية على عدم وقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، أو التصدي بهذا الإصرار الغريب على وقف المقاومة الشعبية المسلحة، وصورتها الأهم، الجهود الفردية التي هي الأداة الأكثر فاعلية، والوحيدة المتبقية أصلاً الكفيلة بتقويض استقرار المستوطنين وقوات الاحتلال في الضفة، وتجربة غزة شاهدة على ذلك. لم تخرج قوات الاحتلال ولا المستوطنون إلا بسبب أنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار.

لا أحد يفهم سبب إصرار السلطة الفلسطينية على عدم وقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، أو التصدي بهذا الإصرار الغريب على وقف المقاومة الشعبية المسلحة، وصورتها الأهم، الجهود الفردية التي هي الأداة الأكثر فاعلية، والوحيدة المتبقية أصلاً الكفيلة بتقويض استقرار المستوطنين وقوات الاحتلال في الضفة، وتجربة غزة شاهدة على ذلك

ولا أظن أن الأمر يتعلق بمصالح فلسطينية مُرسَلة، ولا على المستوى السياسي؛ لربما لو اتخذت قيادة السلطة ومنظمة التحرير هذا الإجراء لكان خيراً لهم، ولرفعهم الشعب الفلسطيني على الأعناق، وضمن لهم الحماية أمام الاحتلال، ولا أظن أن هناك أي مستقبل سياسي يمكن أن تحرص عليه قيادات السلطة والمنظمة التي شاخت!

إن تحليل مضمون المواقف والكتابات التي رافقت متابعة الانتخابات الصهيونية يعكس صورة قاتمة لواقع الحال السياسي والشعبي الفلسطيني والعربي، وهو -وفق كل اعتبارات العلوم الاستراتيجية- موقف لن يمكن كسره أو تغييره إلا من خلال حدثٍ جللٍ كبير على غرار العمليات الاستشهادية والفدائية التي كانت تتم وقت الانتفاضة الأولى والثانية، كصاعق تفجير لموقف شعبي لا يمكن لأي تنسيق أمني وقفه، وتجربة ثورات ما يُعرَف بالربيع العربي، أبلغ دليل على ذلك.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …