يُجبَرُ اللاجئون على ترك أوطانهم فارين من الظروف الخطرة كالحروب والزلازل والظلم، وباحثين عن حيوات أفضل، ولعل الوصف السطحي لهذا الظرف لا يبين حقيقة موقفهم وما هم مقبلون عليه من ظروف؛ فاللاجئون -والأطفال منهم تحديداً- قد عانوا بالتأكيد من صدمة شديدة، وهم مضطرون لمعاشرة أناس لا يفهمون لغتهم ولا يعرفون طباعهم، وقد يضاعف مأساتهم كونهم قد لجأوا بدون والديهم!
كيف نثير تعاطف الناس مع اللاجئين؟
يشعر الكثيرون بالنفور من أي وافد جديد، ويزداد النفور حدة إذا علموا بأنه لاجئ هُجّر من وطنه -لأي سبب كان- وهو مضطر للعيش بينهم، هذا إن لم يواجه بالتحامل والمكائد والتهم الملفّقة بينما ينتظر الجميع منه أي خطأ ويتهمونه بأي مصيبة تحدث ويحجرون على التعامل معه خوف أن يكون مصاباً بالأمراض أو حاملاً إياها من بيئته التي قدم منها فيشعرون بالاشمئزاز مع النفور ويتجنبونه، وفي أحسن الحالات يواجه اللاجئ مشاعر مختلطة من النفور (أو الاشمئزاز) والتعاطف الحذر عن غير قناعة، ونادراً جداً ما يشعر اللاجئون بالدفء في البلاد التي لجأوا إليها!
اللاجئون عانوا بالتأكيد من صدمة شديدة، وهم مضطرون لمعاشرة أناس لا يفهمون لغتهم ولا يعرفون طباعهم
في شريعة الإسلام، ليس هنالك ما هو أوضح وأجلى من قصة المهاجرين والأنصار حين آخى بينهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحين قاسم الأنصارُ إخوتهم المهاجرين أموالهم ومساكنهم وأزواجهم... في مشهد وموقف لم يتكرر؛ إلا أن تربية الإسلام للمسلم تجعله يحمل من الرحمة والعدل والتآخي ما يجعله يقدم أكثر بدون مقابل!
أما في الدول الليبرالية -وفق دراسات أجراها باحثون وعلماء نفس استهدفت الشعوب وقبلهم الحكومات- ثبت أن التعامل مع اللاجئين يظل حاملاً علامات استفهام عديدة، ولعل أهم سبب لذلك ليس الفقر ولا ضيق الأماكن ولا القوانين، وإنما السياسة وحسب ؛ لأن الدراسات نفسها أثبتت أن مشاعر النفور والتحيّز ضد اللاجئين وكراهيتهم إنما لها جذور نفسية عميقة تتطور مع نمط الحياة السائد؛ لأن الأطفال يولدون بدون تحيّز لعرق أو جنسية أو نوع إلا أن العنصرية والتحيز يتطوران لديهما شيئاً فشيئاً في المرافق التعليمية، وعبر وسائل الإعلام والطرائق التربوية المتّبعة التي تمحو التواضع من نفس الطفل وتبدله بالغرور والكبر على مدار مراحله العمرية مع أن قوانين السلطة منذ الأزل تنص على التواضع واستماع الآخر وتقديم الخدمات لمن يحتاج إليها!
مشاعر النفور والتحيز ضد اللاجئين وكراهيتهم إنما لها جذور نفسية عميقة تتطور مع نمط الحياة السائد
اقرأ أيضاً: لماذا يحتاج الناس إلى التعاطف؟
ولذلك فقد أوصت الدراسة بما يلي:
1. الدعم من جانب عاطفي: بالقضاء على الخوف من الغرباء.
2. الدعم من جانب عقلاني: لتصحيح المخاوف مثل الخوف من الأمراض.
3. تدريب الأطفال منذ الطفولة على فحص معتقداتهم بتجريبها من وقت لآخر.
4. عند صياغة سياسة الهجرة واللجوء يجب أخذ أمرٍ في عين الاعتبار، وهي حقيقة أن اللاجئ إنسان لديه حياة وممتلكات وتاريخ وآمال وأحلام وقصص لا تصدق!
5. توضيح القوانين التي تحمي اللاجئين والغرباء وتطبيق العقوبة على من يخرقها.
6. تعميم قاعدة: "اجلس مع المهاجرين، تناول معهم وجبة، اسمع إلى قصّتهم!".
لماذا نحكي لأبنائنا قصص اللاجئين؟
أشارت دراسة حديثة إلى أن استماع الأطفال إلى قصص اللاجئين والمنكوبين تجعل قلوبهم أكثر رقة وتثير تعاطفهم مع الوافدين الجدد، بدل استهجانهم والنفور منهم، أو التنمر عليهم .
اقرأ أيضاً:
كيف تحمي ابنك من التنمر؟ الجزء الأول
كيف تحمي ابنك من التنمر؟ الجزء الثاني
بعد ازدياد أعداد اللاجئين بسبب الحروب واضطراب ظروف الأوطان عموماً، أجرى اثنان من علماء النفس دراسة تقيس ارتباط سرد قصص اللاجئين الأطفال بتوجيه السلوك وشحذ التعاطف وتكوين موقف إيجابي لدى أطفال الوطن الذي يستقبل اللاجئين -في أيرلندا الشمالية / وهي منطقة تشهد زيادة كبيرة في عدد اللاجئين في ظل ثقافة تفتقر إلى التنوع العرقي- وقد شملت الدراسة مجموعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و 11 عاماً أخبر الباحثان عينة من مائة طفل أن تلميذاً لاجئاً جديداً سيلتحق بمدرستهم قريباً، وقسم الباحثان الأطفال إلى ثلاث مجموعات، سردوا قصصاً عن اللاجئين لأطفال مجموعتين منهم فقط، وطلبا من أطفال إحدى المجموعتين التركيز على القصّة، ومن أطفال المجموعة الأخرى طلبوا التركيز على المشاعر، بينما أملوا تعليمات على أطفال المجموعة الثالثة بأن يحكموا على مشاعر اللاجئين -بعد اللجوء- وحسب.
وقد تفاعل الأطفال الذين سمعوا قصص اللاجئين بقياس الأمر على أنفسهم وكيف سيحبّون أن يتعاطف معهم المقيمون الذين يلجؤون إليهم، وبناءً على ذلك قرروا أن يتعاطفوا مع الطفل اللاجئ القادم إليهم، أما أطفال المجموعة الثالثة فتعاملوا مع الأمر بشكل رسميّ.
فيما بعد... وجّه الباحثان أسئلة للأطفال في المجموعات الثلاث عن تفكيرهم في كيفية التعامل مع الطفل اللاجئ، وقد أجاب الأطفال في المجموعتين اللتين استمعتا إلى قصص اللاجئين إجابات متشابهة أظهروا فيها المزيد من التعاطف -سواء أولئك الذين ركزوا على أحداث وحقائق القصة، أو أولئك الذين ركزوا على مشاعرهم تجاه اللاجئين- وقد أظهروا نيتهم الصادقة في تقديم مساعدة للطالب الجديد اللاجئ بمجرد انضمامه إلى مدرستهم رسمياً، أما المجموعة الثالثة فقد اختلفت ردة فعل أطفالها عن ردة فعل نظرائهم في المجموعتين الأخريين؛ فلم يظهروا تعاطفاً أو استعداداً لتقديم المساعدة.
ومع أن الباحثين حصلا على نتيجة جيدة بشأن المجموعتين اللتين استمع أفرادهما إلى قصص اللاجئين، إلا أن أمراً أحبطهما وهو أن الطلبة أبدوا استعداداً لمساعدة اللاجئين خلال الدوام المدرسي فقط، ولم يتشجعوا لمساعدتهم في تسهيل معيشتهم خارج المدرسة!
ومع ذلك خلص الباحثان إلى ضرورة إخبار الأطفال -والبالغين أيضاً- بقصص عن اللاجئين؛ لكي يثيروا فيهم شعور التعاطف، وبالتالي يحفزون رغبتهم بتقديم المساعدة.
في المقال القادم نتحدث عن تقنيات عملية تساعد على دمج اللاجئين بالمجتمع وتسهيل تمكينهم ومنحهم الأمان والثقة.
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- https://greatergood.berkeley.edu/article/item/why_children_need_to_hear_refugee_stories
- https://greatergood.berkeley.edu/article/item/how_to_foster_empathy_immigrants