لعل من أكثر الأمور التى نسمع عنها -على سبيل الأمنية والتمني بل والحلم أحياناً- هي "الإيجابية"؛ فهذه الكلمة البسيطة تحمل قيماً كبيرة جداً في الحياة، وما أعظم أن يكون المرء إيجابياً، وكما قلت فالكثير يتحدث مثلاً عن رغبته في أن يكون أولاده إيجابيون، بل وكثيراً ما تشكوا الأمهات من سلبية أبنائهن.
كذلك في العمل الإداري والشركات نسمع هذه الكلمة من المدراء أو من مسؤولي الموارد البشرية بأن مشكلات العاملين هي السلبية وعدم الإيجابية، لذلك فنحن في هذا المقال سنحدد عدة أمور تحصل بها على الإيجابية والبداية من التعريف.
الإيجابية بإيجاز بسيط هي:
التركيز على مكامن القوة والجوانب التي تحسن من نفسية الإنسان وتفكيره، وذلك برفع مستوى السعادة والطمأنينة والتفاؤل، وتعميق الشعور بالثقة والقدرة على المبادرة والإنجاز وهذا التعريف هو الأفضل والأقرب إليّ؛ لأنه ببساطة يتماشى مع المنطق والواقع وبشيء من السلاسة بعيداً عن التعقيدات والآلاف من المصطلحات التى تنتشر في مجال التطوير الذاتي، والتي لم يعد لدى الكثير من الشباب والفتيات الذين هم أساس كل نهضة وإيجابية طاقة للقراءة أو مجرد البحث عن الشرح والتفاصيل.
وعليه فإننا سنحدد بشيء من الوضوح والشفافية والسلاسة عدة خطوات وأمور يصل بها المرء ليصبح إيجابياً في حياته:
1- عرف نفسك جيداً
والمعنى أن تدرك قيمتك جيداً؛ فالإنسان استخلفه ربه على الأرض بكل ما فيها وطوّع كل المخلوقات له وهذا شرف عظيم، وعليه فشرف مثل هذا لا ينبغى أن يقابل بشيء من السلبية والميل للقعود والركون تحت أية دعوى باطلة، بل ثورة في المبادرة، وإيجابية وتقدم وثقة متناهية في الذات، والثقة الأكبر في الله أنه لن يخذلك، فمن بدأ وصل، ومن سار حتماً سيصل، في نهاية الطريق الذي يرنو إليه، المهم سلامة المقصد ونبل النية.
وليس هناك أعظم من أن تكون إيجابياً آمراً بالمعروف ناهياً عن الخطأ رافضاً للروتين ساخطاً على التقليد عاشقاً للتطوير والإبداع، تلك نفسك فلا ترض بهوانها أو تبخسها حقها في وضع جيد.
2- جدد شباب قلبك
والمقصود هنا أن القلوب تصدأ وتشيخ كما يصدأ الحديد، ونجاتها من السقوط والشيب المبكر هو طاعة الله وذكره عز وجل، لذلك فتجديد شباب القلب وقوته مرهون بطاعة الله واكتشاف المرء لذاته من الجانب التعبدي والإيماني، وهذه النقطة ليست من باب شرعنة الأمر بل هو الفهم بعينه؛ فقلوبنا بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فكيف يسعى المرء في تطوير عقله وتحويل ذاته لشخص إيجابي دون أن يبادر بتغيير مكوث قلبه في مناطق العطن والعفن والمعاصي، فضلاً على أنه لا نجاة له إلا بهذا التجدي الإيماني لقلبه، كي تنصاع كل واحة بشكل مستقيم؛ فالقلب عضلة لو استقامت أطاعه كل شيء، والعكس بالعكس المهم ألا يبخل المرء على قلبه، أو يجعله كالأرض الجفاء لا سقيا فيها ولا زرع.
3- حدد لك هدفاً
إن تحديد الهدف والتركيز فيه والسعي في حله والوصول إليه وتصور حالك بعد تذوق طعم حدوثه أمر مهم جداً في الوصول لشخصية إيجابية؛ فمجرد تحديد الهدف هو إعلان طرد لكل الأفكار السلبية الفاشلة التى عطلت مسيرك في الحياة أو أخرت وصولك نحو النجاح في أي جانب حياتي تمنيته أو سعيت إليه، المهم أن يكون الهدف متوافقاً مع مراد الله ورسوله أو هدفاً سامياً في الرقي بالذات، سواء في الجانب الحياتي التعبدي أو التطويري التحفيزي، المهم أن تستعين بتحقيقه بكل السبل الصحيحة والملبية لطموحك الجديد.
4- اقرأ ثم اقرأ
إن القراءة -في حد ذاتها إيجابية- فضلاً على أنها أصبحت اليوم -وفي ظل الأوضاع المعروفة- طوق نجاة للخروج من الاكتئاب أو لكي تسرع بالوقت في مرحلة العزلة والحجر الإجباري، وأن التبحر في قصص النافعين واليافعين الذين خلدهم التاريخ والتعرف على سيرهم لهو إيجابية كبيرة، وإضافة حقيقية للعقل البشري جدير أن يستغلها ويسعى في تطبيق بعض الجوانب المضيئة في حياتهم وضمها لحياته بشكل أو بآخر؛ فهؤلاء بشر، والعقل البشري عظيم، ولا يزال لديه الكثير ليقدمه، ولا مجال للحديث بأنهم كانوا عباقرة أو خارقين، بل إن الأمر برمته هو معرفتهم لذاتهم وسعيهم لتقديرها بالشكل الذي يرضي ربنا -عز وجل- الذي كرم الإنسان وعظم رسالته.
5- إياك والتعجل
إن التعجل بقطف الثمرة قبل نضوجها يعطي طعماً لاذعاً ينفر المرء منه، بل وقد يتسبب في كراهيته للثمرة طيلة حياته، كذلك فإن التعجل في الحياة بشكل عام ليس صواباً وإن كانت العجلة من صفات الإنسان أصلاً، كما قال ربنا: {وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11].
لذلك، فالشخص الساعي لتغيير حياته من سلبي لإيجابي والرقي بذاته عليه أن يتعلم الصبر والتريث في حياته العامة والخاصة، ولا يتسرع في المبادرة في موضوع ما دون أن يكون ملماً بأبعاده ونتائج تسرعه أو تريثه وفي الحالتين هو ميزان نفسه.
بقي القول أن الإيجابية قيمة عظيمة، وضرورة حياتية في مجتمعاتنا العربية، لكن الأهم من الحصول عليها هي أن يكون الشخص صادقاً عفيف اللسان ذا خلق يسعى في التواصل مع الجميع بكل ود وحب، والأهم أن يكون قادراًعلى محاسبة نفسه وتقويمها وإلزامها أن تسير في المسار الصحيح.
ختاماً...
نحن نعتقد أن تطوير الذات والسعي للرقي بها من علامات الحب لها؛ فما أعظم أن يطور المرء ملكاته ويضيف لطاقاته ويحسب توظيف مهارته، المهم ألا يعطله حقد حاقد أو كسل كسول أو سخرية مستهتر، فطريق التطوير صعب ولن يستمر فيها إلا أصحاب الهمم العالية فكن منهم.