اهدنا الصراط المستقيم

الرئيسية » بأقلامكم » اهدنا الصراط المستقيم
Muslim

كل منا يدعو ربه كلما قرأ الفاتحة أو صلى صلاة فرض أو نافلة بهذا الدعاء، منتبها أو غير منتبه، إلا أن وجود هذا الدعاء في سورة الفاتحة تحديداً -أي افتتاحية كتاب الله تعالى- يجعله في مربع الأولويات التي يجب أن نبحث عنها طيلة أعمارنا على هذه البسيطة، وإذا أمعنا النظر أيضا سنجد أننا نعرّف الصراط الذي نطلب الاهتداء له بأنه (صراط الذين أنعمت عليهم) ولم نسأل أنفسنا : من هم؟؟؟، ثم نكمل دعاءنا هذا بالإشارة إلى تخوفنا من الوقوع بمحذور ما وقع به فئتان من الناس فنقول (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، ثم نجأر بعدها بقولنا : آمين.

لذا، يتساءل البعض - وحق له أن يتساءل - : ما هو (الصراط المستقيم)؟؟؟ ولماذا وجب الحرص عليه لهذه الدرجة؟؟؟ ومن هم (الذين أنعم الله عليهم) من نحب أن نكون معهم؟؟؟ ومن هم (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) الذين نتخوف أن نكون معهم؟؟؟

إن الناظر لهذا الدعاء يشعر - بطبيعة الحال - بأنه مهم، فهو يكرره 17 مرة في ركعات الفريضة - ناهيك عن النوافل والأذكار -، وهذا التكرار يدفعه لكي يتفكر أكثر، ويصل إلى فهم أعمق مما ورد في بعض كتب التفسير -على جلال قدرها- من أنه (جسر دقيق كالشعر وحاد كالسيف، يعبره المؤمنون يوم القيامة إلى الجنة من فوق جهنم)، فهو أيضا خلاصة الدين كله، فهو (صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض)، وهو وصية الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- (وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، بل وأمره له بفعل الاستقامة (فاستقم كما أمرت من تاب معك ولا تطغوا)، بل إن امتداحه لأتباع نبيه المستقيمين دليل على أهميته لهم (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشر ا بالجنة التي كنتم توعدون).

فصراط الله اذاً : طريق معرفة الله تعالى وفضله وقدرته، ومعرفة غايته من خلقنا في هذه الحياة، ووضوح علاقتنا معه -جل جلاله- بالعبادة، وعلاقتنا مع إخواننا من بني آدم بالتعريف به والدعوة لدينه والتمسك بشرعه، وعلاقتنا بخلقه وكونه بالعمارة والتسخير، مستثمرين ما حبانا به من إرادة حرة وإدراك مميز وعلم نافع.

أما ما يشير إلى هذا الفهم العميق هو إحالة معرفة الصراط في نفس الدعاء لـ (الذين أنعمت عليهم)، وهم -من القرآن ذاته- (النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)، والمتتبع لقصصهم في القرآن يجد أفعالهم الصالحة المختلفة تجمع بين معرفة الله والدعوة إليه وعمارة كونه : يجدهم دعاة إلى الله كـ(نوح)، ومتحملين المصاعب لأجله كـ(إبراهيم)، أطهارا كـ(لوط)، مجادلين بالحجة كـ(شعيب)، حراساً لمجتمعهم كـ(هود وصالح)، مدافعين عن الضعفاء ببناء السدود كـ(ذي القرنين)، صناعا للمعادن كـ(داود)، ملوكا رحماء كـ(سليمان)، صابرين منيبين كـ(أيوب)، واقتصاديين بارعين كـ(يوسف)، وحكماء كـ(لقمان)، وغيرهم الكثير.

وهذه النماذج أدعى للدراسة والتمحيص والاتباع...

أما من نخاف أن نكون منهم (المغضوب عليهم) و(الضالين) فهم ليسوا (اليهود والنصارى) فقط -كما يرد في العديد من كتب التفسير-، بل كل من اتصف بصفاتهم، من سوء الضمير الذي يمنع صاحبه من اتباع الحق، أو سذاجة المنهج المعرفي الذي لا يوصل للحق.

فاتباع الحق إذاً يقتضي :

1- سلامة الضمير لطلبه واتباعه عندما يستبين، لا التنكب عنه فيستجلب غضب الرب (غير المغضوب عليهم) ولا الزيغ عنه فيستجلب إزاغة الله للقلوب الزائغة (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).

2- سلامة المنهج في التدقيق العقلي ومناهج البحث والنظر، حتى يكون الاتباع على علم (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)، ولا يختلط به الأهواء والظنون فيؤدي إلى الضلال (ولا الضالين).

فإذا فهمنا الأمر على هذا المحمل : أدركنا أهمية هذا الدعاء وتكراره، وادركنا أيضا سبل الهداية والوصول إلى هذا الصراط. والله أعلم

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدير علاقات عامة في إحدى المؤسسات التعليمية في الأردن، ناشط اجتماعي، وإعلامي، مهتم بالشؤون التربوية.

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …