عيسى المحتسب: الدعم النفسي مُقدمٌ على تكوين الشخصية
إكرام السعايدة: بنظرةٍ إيجابية سنرى المنحة في المحنة
"خليك بالبيت"، واحدة من أهم النصائح لتجنب انتشار فيروس كورونا، بتطبيقها يحمي الفرد نفسه من التقاط العدوى من غيره، ويحمي غيره منه في حال كان مُصاباً، وبقدر أهمية العزل المنزلي، يعاني كثير من الملتزمين به من الملل، وأحياناً من الخوف، وآخرون ينظرون له على أنه وقتٌ ثمين بمقدورنا الاستفادة منه في عدة اتجاهات، والعديد من المكتبات والجامعات والمؤسسات التعليمية حول العالم أعلنت عن مجانية التسجيل فيها لتساعد الملتزمين بالعزل على الخروج من الأزمة بفائدة.
أهداف سريعة وجماعية
أستاذ علم النفس، ومدرب التنمية البشرية -الدكتور عيسى المحتسب- يقول: "الوقت أمانة في يد الإنسان، كثير من الناس لا يقدرون أهميته ولا يحسنون الاستفادة منه، رغم أننا كمسلمين مُحاسبون عليه، وقد نبهنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- لذلك في أكثر من موضع".
ويضيف: "اليوم نحن نملك وقت فراغ طويل بالإجبار، وعلينا أن ننظر له كفرصة من الله لنعود لأنفسنا ونتصالح معها ومع أهلنا، قبل كل شيء نتصالح معه عزّ وجل ونتوب له تعالى، الفرصة سانحة الآن لنعود وكأننا وُلدنا من جديد".
ويتابع: "علينا أن نترك جلد الذات، وألا ننجر خلف فكرة أن ما يحدث غضبٌ من الله علينا؛ ففي التفكير بهذه الطريقة استسلام ويأس وإحباط ، ما علينا فعله أن ننظر لما يحدث بإيجابية، طبعاً هذا لا يمنع أخذ الحيطة والحذر، فنحنن مُستأمنون على أنفسنا وسنُسأل عنها".
يرى المحتسب أن الهدف الأساسي لهذه الفترة يجب أن يكون حماية نفسية الفرد من المخاوف المتعلقة بتفشي الفيروس، وليس بناء شخصيته لما بعد انتهاء الأزمة، وأن الحماية من الضغوط النفسية أهم من البناء لمواجهة العالم في الخارج لاحقاً، لذا يجب أن يكون أفراد الأسرة حول بعضهم للخروج من بوتقة التفكير في كورونا.
ويوضح: "المكوث في البيت يجب أن يتخلله تحديد أهداف قصيرة المدى، خفيفة، وتتحقق خلال أيام معدودة، لنكون قادرين على إنجازها"، مبيناً: "من لا يملك أهدافاً يسعى لتحقيقها، سيجد نفسه في حالة ضياع خلال هذه الإجازة الإجبارية التي لا نعلم إلى متى ستمتد ".
تحديد الأهداف وتنظيم الوقت خلال فترة العزل المنزلي من واجب الأبوين، اللذين عليهما أن يدركا ضرورة استثمار الفترة الطويلة التي تقضيها الأسرة في البيت، بحسب المحتسب.
أول ما يتوجب على الأهل الانتباه له إبعاد الخوف عن الأبناء، وحمايتهم دون تخويفهم، إذ يبين: "الخوف في هذا الظرف طبيعي ومطلوب، ولكن بقدر، ذلك القدر الذي يجعلنا نحمي أنفسنا، ولكن الخوف المبالغ به قد يسبب لصاحبه مشاكل وأمراض نفسية، وحينها عليه مراجعة معالج نفسي".
وينصح باختيار نشاطات متنوعة، ويومية، يمارسها أفراد الأسرة معاً، وتقسيم الوقت عليها، لافتاً إلى أن هذه الطريقة تجعل الوقت يمرّ دون ملَل، ولا خوف، وبفضلها يجد الفرد نفسه في نهاية اليوم قد جمع بين الرعاية النفسية وتعلم أشياء جديدة، له ولأسرته.
ويضرب مثالاً على تقسيم ساعات اليوم: "يمكن تخصيص وقت لتناول وجبات الطعام بشكل عائلي، ووقت لممارسة الرياضة -وهي مهمة للغاية- بالإضافة إلى مراجعة جزء من المنهج الدراسي، وحلقة لحفظ القرآن، وتعلم أحكام التلاوة والتجويد، وتنظيم تحد في حفظ القرآن، وفقرة للثقافة العامة، يقرأ فيها الأهل كتاباً لأطفالهم، أو يعطوا أحدهم قصة ليقرأها على إخوته ثم يتناقشوا فيها، ومشاهدة فيلم وثائقي، والاستعانة بألعاب تنمي الذكاء، وطبعاً إقامة الصلوات الخمس في جماعة، ولا ننسى الترفيه".
يقول: "في الأصل، هذه أمور يجب أن تكون موجودة في حياتنا دوماً، وهذه فرصتنا للاعتياد عليها، وتطبيقها ليس صعباً أبداً".
ويضيف: "هذا لا ينطبق على الصغار فقط، فهو مفيد أيضاً لشغل وقت وتفكير كبار السن في بيوتنا، لتجنيبهم القلق الناتج عن كثرة الحديث عن أنهم الفئة الأكثر تضرراً من كورونا".
ويلفت إلى أن بعض النشاطات تكون فردية، لتناسب كل فرد من الأسرة حسب عمره، فبينما يدرس الطفل مواده المدرسية، يمكن أن يتعلم الشاب مهارات وتكنولوجية ولغوية مثلاً".
فرصةٌ لك ولأسرتك
من جانبها، ترى الأخصائية النفسية إكرام السعايدة أن فترة العزل المنزلي فرصة لتحقيق الكثير من الإنجازات، فتقول: "الإنسان الذكي هو الذي يحيل المحنة منحةً، ويستثمرها، وهذا ينطبق على الإجراءات القاسية التي نعيشها بسبب كورونا".
وتضيف: "تعطيل الحياة الدراسية والعملية هو محنة صعبة بلا شك، لكن لو نظرنا لها بعين إيجابية سنرى فيها فترة ذهبية لتحقيق الكثير من الإنجازات، على الصعيدين الشخصي والأسري".
ولمن يسأل عن أوجه الاستفادة من فترة العزل، تتابع: "الوحيد القادر على تحديد وجه الاستفادة هو أنت، اتبع شغفك، واروهِ بنهم بالقراءة، وجرّب الحرف اليدوية، ولا تحصر الفائدة في جانب واحد، فقد تجد ذلك الفراغ فرصة رائعة للتواصل مع أبنائك بعد أن كان عملك يسرقك منهم، وربما تبدأ بتطوير مهاراتك على كافة الأصعدة، خاصة في ظل توافر مصادر المعلومات وسهولة الحصول عليها، إذ يمكنك الالتحاق بدورات عبر الإنترنت، ولا تنسَ الاهتمام بصحتك وممارسة الرياضة".
كما أن للفرد في هذه الفترة دورٌ تجاه نفسه، فثمة دور إضافي تجاه من يتحمل مسؤوليتهم، كالأطفال، لذا تنصح السعايدة كل أب وأم: "احمِ أبناءك قدر المستطاع، وأبقِهم في المنزل، ولا تُشع جوا من القلق والتوتر، امنح صغارك شعوراً بالأمان وبأنك بجانبهم دائماً، ولا تجعلهم عرضة لأخبار الفيروس المزعجة، وضع لهم جدولاً دراسياً، وصمم معهم برنامجاً لنشاطات يشغلون بها أوقاتهم، واحرص على تنمية مهاراتهم".
وتوضح: "الكثير من الفوائد التربوية يمكن جنيها في هذه الفترة التي يقضي فيها الأبوان وقتاً طويلاً مع أبنائهما، خاصة أن الأطفال معزولون عن أقرانهم الذين يتأثرون بهم سلباً ، ما يعني أن الفرصة كبيرة لتعديل سلوكياتهم الخاطئة، ولغرس قيم جديدة".
وتشير إلى أن إمكانية تحقيق الكثير من الفوائد عبر الإنترنت إذا استخدم بطريقة صحيحة خلال فترة العزل، وهذا ممكن في مختلف المجالات، من أبرزها التعليم؛ فالمنصات التعليمية، من خلالها يمكن تعلم لغات، وحرف يدوية، وعلوم ومهارات لكل شخص حسب تخصصه، بالإضافة إلى تطوير الذات، ومن الممكن تحقيق الأرباح بالعمل عن بعد، وهو بالطبع يساهم في كسر الملل كونه غني بمصادر الترفيه والتسلية النافعة".
في مقابل كل هذه الفوائد، فإن فترة العزل المنزلي قد تشعل الكثير من المشاكل في البيوت، وتبين السعايدة أن هذه المشكلة تعود بشكل أساسي للضغوطات الناجمة عن الوضع القائم، كذلك طول الفترة تساهم في إبراز الاختلافات بين الزوجين من جهة، وبين الأبوين وأبنائهما من جهة أخرى، وقد تتطور لخلافات كبيرة إن لم يتعامل معها بذكاء وحكمة.
وتحذّر من أن الخوف المبالغ فيه قد يجعل هذه الفترة سبباً لمشاكل لا تنتهي آثارها بانتهاء العزل، موضحة: "الخوف من فيروس يهدد حياتنا هو حالة طبيعية، والأصل أن يدفعنا الخوف للتصرف بحكمة وذكاء، وهذا يتمثل في اتخاذ التدابير الوقائية، لكن لو زاد هذا الخوف عن الحد الطبيعي فسيلقي بظلاله على صحتنا البدنية والنفسية، وقد يتسبب بضغوطات كبيرة تتطور أحياناً لاضطرابات نفسية تعكر صفو حياة الإنسان" .