هل ظهور فايروس كورونا هو عقاب من الله عز وجل للصينيين؛ كونهم عذبوا واضطهدوا المسلمين الإيغور؟ وهل هو ابتلاء أم عقوبة لنا على تقصيرنا؟
________________________________________
الإجابة: د. بشار الشريف
بداية لا يمكن لأحد -على الإطلاق- من البشر أن يجزم بأن ما وقع من وباء هو عقاب من الله للصينيين وذلك لعدة أسباب، منها قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [فاطر:18]، ووزر المسلمين الأيغور -ممن أبيدوا وأهينوا وذلوا في الصين- يقع على فئتين من الناس:
الفئة الأولى/ هم من أوقعوا بهم هذا الأذى.
والفئة الثانية/ هم من كانوا قادرين على نصرتهم من بني جلدتهم ولم يفعلوا.
وهاتان الفئتان هما المسؤولتان عما جرى على المسلمين الأيغور وهما من تحملان وزرهما في الدنيا والآخرة، وبالتالي: الناس العاديون الذين أصيبوا بهذا الفايروس لا علاقة لهم بالفئتين المذكورتين، وما كان الله ليأخذ قوماً بجريرة قوم آخرين.
ولا يستطيع أحدٌ -على الإطلاق- أن يجزم بأن هذا عقاب من الله تعالى؛ لأن هذا الجزم لا دليل عليه ابتداءً، ثم هو يتنافى مع عدالة الله عز وجل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وفي حوادث مشابهة وقعت في عصره لم يجزم بأنها كانت خيراً أم شراً، عقاباً أم مكافأة.
وعن عائشة - رضي الله عنها - كانَ صلى الله عليه وسلم إذا رأى غَيْماً أو رِيحاً عُرِفَ في وَجْهِهِ الكراهية، قالت: يا رسولَ اللهِ، إنَّ الناسَ إذا رأوا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أن يكُونَ فيهِ الْمَطَرُ، وأَراكَ إذا رأَيْتَهُ عُرِفَ في وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ، فقالَ: يا عائشةُ ما يُؤْمِنِّي أنْ يكونَ فيهِ عَذابٌ؟ عُذِّبَ قومٌ بالرِّيحِ، وقدْ رأَى قومٌ العذابَ فقالُوا: {قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24].
فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى الظواهر الكونية على أنها ذات احتمالين، إما أن تكون خيراً وإما أن تكون شراً، لذا قال لعائشة "وماذا يؤمنني؟" وبالتالي لم يجزم -برغم أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم- وضرب بعد ذلك مثالاً لعائشة فقال: عذب قوم بالريح، وقومٌ رأوا العذاب فقالوا "هذا عارض ممطرنا"، لذلك لم يجزم نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن الظاهرة الكونية الفلانية تحمل في طياتها الخير أو تحمل في طياتها الشر.
ونذكر هنا أيضاً حادثة موت إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس فقال الناس: كسفت الشمس لوفاة إبراهيم (وهنا ربط الناس بين الظاهرة الكونية والحادثة الاجتماعية) فوقف النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيباً؛ ليصحح المفاهيم، وقال لهم كما جاء في الحديث الصحيح: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا".
وهنا أيضاً رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- ربط الظاهرة الكونية بالحدث الواقعي أو السياسي الذي يصيب الناس، وكأنه يريد أن يقول لنا بأن لهذه الظواهر الكونية أسباباً علمية يجب إزاءها على المسلم أن يكبر الله ويحمده ويستحضر عظمته -سبحانه وتعالى- التي تتجلى في مثل هذه الآيات وبالتالي لا يستطيع أحد أن يجزم أن هذا عقاب من الله.
وأستغرب كيف يجزم الناس على فعل الله -عز وجل- وعلى هدفه -سبحانه وتعالى- وهم لا يملكون دليلاً، بل وأستغرب هذا من بعض المتخصصين في الشريعة وممن يحملون شهادات عليا في الشريعة الإسلامية، كيف أنهم يجزمون من خلال استخدام آيات قرآنية كقوله تعالى: {مَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31]، ونحن نعلم أن هذا الفايروس هو جندي من جنود الله، ولكننا لا نستطيع أن نجزم هل هو خير أم شر، وطالما أننا لا نستطيع الجزم فعلينا أن نتوقف مع هذه الآية والقدرة الإلهية التي انتشرت خلال فترة قصيرة مهددة مئات الآلاف من أرواح البشر، ونقف أمام هذا الجندي من جنود الله ونستحضر عظمة الله ونستصغر أنفسنا أمام عظمة الله، أما أن نجزم إن كان هذا عقاباً من الله أم لا، فلا نستطيع.
نحن نجزم بأن الريح كانت عذاباً على قوم عاد؛ لأن الله -عز وجل- أخبرنا بذلك فقال: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} [الحاقّة:6]، ونجزم بأن الريح ذاتها كانت جندياً من جنود الله بيد سليمان -عليه السلام- لأن الله أخبرنا بذلك فقال: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:12].
والمشكلة تكمن في العقلية التحليلية الرغائبية، نحن اليوم نحلل الظواهر الكونية والأحداث السياسية والاجتماعية تحليلات رغائبية (أي وفقاً لرغباتنا وما نحبه) فرغبتنا جعلتنا نحلل بهذه الطريقة، والتحليل الرغائبي -سواء كان للظواهر الكونية أو للأحداث السياسية- هو الذي دمر الأمة الإسلامية... لماذا؟
لأن الرغائبية تقوم على أساس أن الأمة عاجزة، وأن الله -عز وجل- يتدخل لنصرة هذه الأمة برغم عجزها، وهذا يعطل الأخذ بالأسباب، وهذا أيضاً يتناقض مع سنن الله -عز وجل- في هذا الكون، وإذا أصبحت تحليلاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية للظواهر الكونية تحليلات رغائبية فنحن إذا نقبع في ذيل القافلة وسنظل في الذيل ولن تتغير حياتنا قيد أنملة، لذلك علينا دائماً أن نبحث عن الأسباب ونتمعن في كيفية وقوع الأحداث ثم نستنتج تحليلات لنصل إلى حلول وعلاجات، وما سوى ذلك فنحن نصر على أن نكون في ذيل القافلة طالما أن تحليلاتنا مستقاة من رغباتنا.