يا كورونا!! ربي وربك الله

الرئيسية » خواطر تربوية » يا كورونا!! ربي وربك الله
F200315AHA12-Islam-corona

يا كورونا! ربي وربكِ اللَّه، أعوذ باللَّهِ من شرِّكِ وشرِّ ما فيكِ وشرِّ ما أنزلك الله له.

يا كورونا! ربي وربك الله، اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الطغاة المُتجبرين ومن أيَّدهم، وعلى أكابر المجرمين ومن عاونهم.

يا كورونا! ربي وربك الله، فلا تكن سبباً في فجيعتنا في أنفسنا، ولا في أهلينا وذوينا، ولا في من لهم فضل علينا، ولا في المسلمين والمسلمات.

يا كورونا! ربي وربك الله، فلا تكن سبباً في حرماننا من شعائرنا ولا من مناسكنا ولا من مقدساتنا!

يا كورونا! ربي وربك الله، فلا تكن سبباً في ضنك معيشتنا، ولا في ضِيق أرزاقنا، ولا في سلب ما أنعم الله به علينا.

يقول الإمام أبو بكر الطرطوشي (451هـ - 520هـ)، في كتاب (سراج الملوك في سلوك الملوك): "روى أصحابُ التواريخِ في كتبِهم قالوا، كان الناس إذا أصبحوا في زمان الحجَّاج وتلاقَوا يتساءلون: مَنْ قُتِل البارحة؟ ومن صُلِبَ؟ ومن جُلِدَ؟ ومن قطع؟ وأمثالُ ذلك.

وكان الوليدُ بن عبدالملك صاحِبُ ضِيَاعٍ واتِّخاذِ مصَانِعَ، فكان الناس يتساءلونَ في زمانه عن البُنْيَان والمصانع والضِّياع وشَقِّ الأنهار وغرس الأشجار.

ولمّا وَلِيَ سُليمانُ بن عبدِ الملك، وكان صاحبُ نِكاحٍ وطعام، فكان الناس يتحدثون في الأطعمةِ الرفيعةِ ويتوَسَّعون في الأنْكِحَةِ والسَّراري، ويغْمُرون مجالسَهم بذكر ذلك.

ولمَّا وَلِيَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ كان النَّاس يتساءلون، كمْ تحفظُ من القرآن؟ وكمْ وُرْدُك في كل ليلة؟ وكم يحفظ فلان؟ ومتى يَخْتِم؟ وكم يصوم من الشهر؟ وأمثال ذلك" أهـ.

ويقول أبو منصور الثعالبي في كتاب (لطائف المعارف): "وكان يزيد بن عبد الملك يحب الخيل وكان الناس يتنافسون في اختيارها، ويتقربون إليها، باتخاذ الأجود والأحسن منها.

وكان هشام بن عبدالملك يحب الثياب ونفائس اللباس وكان الناس في أيامه يتبارون في التجارة فيها، ويتواصفون أنواعها.

وكان الوليد بن يزيد صاحب لهوٍ وشراب وسماع، وكان الناس في أيامه يتشاغلون في الملاهي ويترخصون في النبيذ ويقولون بالسَّماع. وقد صدق من قال: "إن الناس على دين ملوكهم" أهـ.

وأزيد على كل ما سبق فأقول: "إننا في عصر العلم والتكنولوجيا قد وصلنا إلى الفضاء باتساعه، وغصنا في البحار والمحيطات بأعماقها، وعرفنا طبقات الأرض وأسرارها، وشتى العلوم ومفاتيحها، وبلغت بنا التكنولوجيا مبلغها حتى أصبح العالم في ظلها قرية صغيرة لا يُكتم فيه سر، ولا توجد شاردة ولا واردة إلا عرفها أهل عصرنا لحظة حدوثها، إلى غير ذلك من الأسرار الكثيرة التي لا نحيط بمداها ولا بكنهها. وفي ظل هذا الزخم المعرفي الهائل تحول كل شخص تحولاً مادياً بحتاً حتى أصبح الشخص مُجرد ترس في آلة ضخمة لا روح فيها، إلا من رحم ربي.

إن ما زاد الطين بلة هو أن الإنسان في عصرنا قد اقتنع قناعة غير قابلة للشك أنه قد أصبح لديه لكل مشكلة حل، ولكل مُعضلة مَخرج .

لقد تبلدت مشاعر الإنسان، وجفت الروح بداخله، ونسي قوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [البقرة:255].

وقوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76].

ونسي الإنسان كذلك أن للكون إله يُسَيِّر كل ما فيه بقدرته ووفق مشيئته سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9].

ونتيجة هذا العُجب والزهو والفخر والتعالي والجفاء بل والفحش الفاحش الذي ملأ نفوس الخلائق من كل الأديان والملل والأيدولوجيات، إلا من رحم ربي، كان لزاماً أن يُحدِث الله تعالى آية من آياته تعيد للإنسان صوابه واتزانه، وتشعره بحجمه الطبيعي، وتجعله يُقر أن للكون إله، وأنه لا يجوز لمخلوق مهما بلغت قوته وقدرته ومهما بلغ علمه أن يغفل أو يبعد عن خالقه، أو أن يدور بخلده أنه يمكنه الاستغناء عن معيته وتوفيقه سبحانه وتعالى.

لا يجوز لمخلوق مهما بلغت قوته وقدرته ومهما بلغ علمه أن يغفل أو يبعد عن خالقه، أو أن يدور بخلده أنه يمكنه الاستغناء عن معيته وتوفيقه سبحانه وتعالى

سُنة الله تعالى في الأمم ماضية لا تتغير ولا تتبدل ولا تُحابي أحداً

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{42} فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:42- 43].

وقال تعالى: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40].

إننا لو نظرنا إلى ما حدث للأمم السابقة سنجد أن الله تعالى قد أنزل من آياته ما تحدى بها كل أمة حسب ما أتقنته وما برعت فيه تلك الأمم، ليعتبروا وليعرفوا أن قدرتهم لا شيء بجانب قدرة الله تعالى .
لقد تحدى الله تعالى قوم نبي الله عيسى عليه السلام بالطب الذي برعوا فيه.

وتحدى الله تعالى قوم نبي الله موسى عليه السلام بالسِّحر الذي تمكنوا منه.

وتحدى الله تعالى العرب باللغة العربية التي هم أربابها وأبرع من نطق بها.

وعندما قرَّر أبرهة الأشرم هدم الكعبة مُعتمداً على جيشه القوي الذي به سلاح لم تعرفه البشرية من قبل وهو (الفيل) أنزل الله تعالى عليه الطير الأبابيل، كل طائر يحمل ثلاثة أحجار، حجران في رجليه، وحجر في منقاره، الحجر منهم في حجم حبة الحمص أو حبة العدس ولكنه كان ينزل على أقوى الرجال من جيش أبرهة فيجعل جسده يتطاير إلى أشلاء، وإذا حاولوا إنقاذ مُصاب منهم يجدوا أعضاء جسده تتساقط وهم يحملونه ثم يموت، فيلقونه.

أما في عصرنا هذا، عصر العلم والتكنولوجيا فلقد جاء التحدي بفيروس لا يُرى بالعين المجردة، ولا تجدي معه أعتى ترسانات السلاح في العالم نفعاً، ووقف العلم الحديث أمامه عاجزاً، وفشلت التكنولوجيا في تعاملها معه فشلاً ذريعاً.

إن كل ذلك جعل الناس إذا أصبحوا يتساءلون عن عدد الموتى، وإذا أمسوا تحدثوا عن عدد المصابين، وإذا تقابلوا، تقابلوا مذعورين من بعضهم البعض خشية انتقال العدوى، حتى أصابت الجميع لوثة العدوى، ووسوسة الإصابة، والهلع من الموت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إنني أرى أن فشل العلم وعجز التكنولوجيا في التعامل مع هذا الفيروس سيستمران لفترة لن تقل بحال من الأحوال عن سنة.

إن هذا ليس تشاؤماً ولا تهويلاً مني، ولكن لكي تُحقق هذه الآية الربانية التي أرسلها الله تعالى على العالم أجمع الهدف الذي أنزلها الله تعالى من أجله، وهو كما ذكرت (أن تعيد للإنسان صوابه واتزانه، وتشعره بحجمه الطبيعي، وتجعله يُقر أن للكون إله، وأنه لا يجوز لمخلوق مهما بلغت قوته وقدرته ومهما بلغ علمه أن يغفل أو يبعد عن خالقه، أو أن يدور بخلده أنه يمكنه الاستغناء عن معيته وتوفيقه سبحانه وتعالى)، وكل ذلك لن يكون في يوم وليلة، بل ولن يكون في شهور.

وأرى أن هذه الجائحة التي اجتاحت العالم كله لن تتركه حتى تنفي عنه خبثه، وتطهره من أدرانه، ويستفرغ كل صاحب دور ما في جعبته، وحتى تنفد كل الحيل والأسباب وتتجه كل الخلائق إلى مُسَبِّب الأسباب سبحانه وتعالى، فالله تعالى إذا انتقم كان انتقامه شديداً، وإذا شاء أن ينصر عباده جعل نصره نصراً مُبيناً، وإذا أراد أن يأخذ عدوه أخذه أخذ عزيز مُقتدر.

وختاماً أقول

إذا كان الله تعالى لا ينزل آية إلا للعبرة والعظة ولا ترفع هذه الآية ولا تنتهي إلا بتحقيق الهدف الذي أنزلها الله تعالى من أجله فالمطلوب منا في هذه الأوقات العصيبة هو:-

أن يتقرب المُحسنون -أفراداً ومجتمعات وحكومات وهيئات ومؤسسات ومنظمات- إلى الله تعالى ويدعونه بصالح أعمالهم دعوة تفرِّج الكُرَب، وتستجلب العفو، وتنزِّل الرحمة.

وأن يتوب المُسيئون -أفراداً ومجتمعات وحكومات وهيئات ومؤسسات ومنظمات- إلى الله تعالى توبة نصوحاً تمحو الغضب، وتزيل النِّقم، وترفع البلاء.

وأن تأخذ كل الحكومات والهيئات والمجتمعات والأفراد بكل الأسباب التقنية والمهنية والإيمانية التي تجنب البشرية التهلكة.

وقبل ذلك كله فإن أي جهد سيبذل للخروج من هذه الجائحة لن يكون إلا كسجع الكُهَّان الذي لا يُجدي نفعاً، وستطول مدة البلاء، وستظل الجهود المبذولة كالصراخ في واد، أو كالنفخ في رماد.

وأقول

إن الجائحة التي أصابت البشرية جمعاء لن ترفع بأي حال من الأحوال قبل تحقيق الهدف منها، وإلا لتهكم الناس من البلاء ولتندروا عليه بل ولتمنوا استمراره أو تكراره لأن الغالبية العظمى منهم لم يُصبها البلاء وقضوا جل وقتهم في الطعام والشراب والراحة والدعة والخمول والكسل.

ولكن حين تأخذ هذه الجائحة مداها وتحقق الغاية التي أنزلها الله تعالى من أجلها ستشعر البشرية وكأنها قد تنفست الصعداء، ودبت فيها الروح من جديد، وستشرق الأرض بنور ربها، وسيلزم الخلق الجادة مخافة أن يصيبهم الله بمثلها مرة أخرى، وما ذلك على الله بعزيز.

اللهم إنا قد اعترفنا بذنوبنا فلا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

اللهم إنا ضعفاء إلا بك فقونا، أذلاء إلا بك فأعزنا، فقراء إلا إليك فأغننا.

اللهم إنا نعوذ بك من سُوءِ القَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الأعْدَاءِ، وَمِنْ جَهْدِ البَلَاءِ، فارفع عنا اللهم البلاء ولا تطله علينا، ونجنا من الوباء وأخرجنا منه سالمين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …