بعد مرور 72 عاماً على النكبة… هل فرضت المقاومة واقعاً جديداً؟

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » بعد مرور 72 عاماً على النكبة… هل فرضت المقاومة واقعاً جديداً؟
palestine

عدنان أبو عامر: البندقية والكاميرا صنوان للعبوة الناسفة، والمصور العسكري هو مجاهد بنفس المهمة الجهادية التي يمثلها المقاوم الاستشهادي، أو مُطلِق النار، أو واضع العبوة.

عبدالله البنا: المقاومة اليوم أصبحت خصماً عنيداً للاحتلال، واستطاعت فرض معادلاتٍ جديدة كانت غائبة عن تصوراته، فهي من قامت بتثبيت قواعد الاشتباك، وهي من حافظت على قوة الردع في وجه العدو.

اثنان وسبعون عاماً مرت على نكبة الأمة في فلسطين منذ العام 1948، ومع الإفراط الصهيوني في العنف الموجه للشعب الفلسطيني بدأت المقاومة تأخذ مكاناً بارزاً في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي.

فهل نجحت المقاومة الفلسطينية في حماية القضية؟ وكيف استطاعت أن تفرض على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تغييراً جذرياً في قواعد العقيدة العسكرية وأجبرته على الانسحاب؟ وكيف تمكنت من استنزافه، وما الذي جعل الاحتلال يضع غزة بجانب تهديدات منطقة كبيرة وخطيرة مثل: إيران وسوريا، هذه الأسئلة وغيرها يُجيب عليها التقرير التالي:

سلسلة المراحل التاريخية للمقاومة

من جهته، قال - المحلل السياسي ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الأمة في قطاع غزة - عدنان أبو عامر:" إنّ المقاومة الفلسطينية قطعت أشواطاً طويلة في مواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين، ويمكن الحديث عن سلسلة مراحل تاريخية للمقاومة منذ بدء النكبة عام 1948 حتى يومنا هذا".

وذكر أنّ: "الفلسطينيين عاشوا حالة من الصدمة، وعدم تصديق ما حصل بشأن ضياع أرضهم وبلادهم وإقامة الكيان الغاصب عليها، وهذه المرحلة استمرت حوالي 10 سنوات منذ عام 1948 وحتى أواخر الخمسينيات، ثم بدأت المجموعات المُسلحة تأتي من الأردن والضفة الغربية ومصر باتجاه قطاع غزة، إلى جانب بعض المناوشات على الحدود اللبنانية والسورية".

عدنان أبو عامر: تحرير فلسطين يتطلب جهود دول عُظمى في المِنطقة تحيط بالاحتلال الإسرائيلي وتُضيّق عليه الخِناق، وتُبطل اتفاقيات السلام معه، لتُشعِر الاحتلال بأنّ وجوده في المِنطقة بمثابة كيان غريب غير مرغوب به

وأضاف أبو عامر: "في مرحلةٍ لاحقة بعد الخمسينيات والستينيات نشأت حركات التحرر الفلسطينية فتح والجبهة الشعبية واليسار وكانت موجة من المقاومة الصعبة والقوية ضد الاحتلال الإسرائيلي".

ولفت إلى أنه "في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات بدأت تظهر الحركات الإسلامية على شكلٍ متواضع في البدايات من خلال تظاهرات شعبية، وبث روح المقاومة في نفوس الفلسطينيين، ومواجهة الاحتلال ورفض أشكال التعامل معه، إلى أن توّج الأمر بشكلٍ أو بآخر في اتفاق الحجارة عام 87".

واسترسل: "بعد ذلك جاءت الانتفاضة الأولى، ثم هَبّة النفق، ثم الانتفاضة الثانية، وبدأت العمليات الاستشهادية البطولية، إلى أن توّجت المقاومة الفلسطينية نموذج غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي الاضطراري منه تحت ضربات المقاومة".

وأشار أبو عامر إلى أنّ "هذه السلسلة المُختصرة لمراحل المقاومة شكّلت نموذجاً للإرادة الفلسطينية الجادة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الصهيوني".

وذكر أنّ: "هناك نوع من التباينات في البرامج السياسية لحركات المقاومة، قد يكون ذلك أثّر على مسيرتها الميدانية، لكنها بالفِعل وجّهت ضرباتٍ قاسية للمشروع الصهيوني، وعملت على استنزافه بشكلٍ متواصل على أرض فلسطين، ومنعته وأحالت بينه وبين الاستعمار الاستيطاني في المناطق المجاورة إلى أن جعلته ينكفئ على نفسه بعد انسحابه من لبنان عام 2000 والانسحاب من غزة عام 2005".

المقاومة واستنزافها الدائم للاحتلال

وقال أبو عامر: "إنّ قطاع غزة جزء من كل؛ فهو بقعة جغرافية صغيرة على الأراضي الفلسطينية قُدّرَ لها أن تكون رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني، خاصة خلال الانسحاب الاجباري في عام 2005، فقد تحول القطاع إلى ما نُسميها "عاصمة المقاومة المسلحة"، أو "نقطة الارتكاز" لهذا المشروع المقاوم".

وأضاف أنّ المقاومة استطاعت خلال سنوات -سواء قبل أو بعد الانسحاب- أن تستنزف الاحتلال الإسرائيلي "فمن خلال غزة أصبحت التوابيت السوداء تحمل جثث الإسرائيليين، كما شكلّت المقاومة في غزة شوكة حقيقية في حلق الاحتلال وجعلته في استنزافٍ دائم خاصة بعد أسر الجندي الإسرائيلي السابق والجنود الحاليين، الأمر الذي جعل الاحتلال يضع غزة بجانب تهديدات منطقة كبيرة وخطيرة مثل: إيران وسوريا ولبنان، وهذا لم يكن ليحصل لولا وجود مشروع مقاوم مسلح بأسلحة قد تكون متواضعة بدائية ومصنعة محلياً لكن الإرادة التي تحرك هذه المقاومة شكلت عدواً عنيداً للمشروع الصهيوني".

فهم المقاومة المبكر لأهمية الإعلام والحرب الدعائية

وأشار أبو عامر إلى أنّ المقاومة الفلسطينية -منذ البداية- تعد الإعلام محارباً رئيساً؛ فالبندقية والكاميرا صنوان للعبوة الناسفة، والمصور العسكري هو مجاهد بنفس المهمة الجهادية التي يمثلها المقاوم الاستشهادي، أو مُطلِق النار، أو واضع العبوة، لذلك لم يأتِ ذلك بشكل اعتباطي وإنما انطلاقاً من فهم المقاومة المبكر وقيادتها العسكرية لأهمية الإعلام والحرب الدعائية والنفسية وتأثيراتها.

ونوه إلى أن "تركيز المقاومة على تصوير عملياتها العسكرية الميدانية والتدريبات والمناورات، يصب في اتجاهين، اتجاه إيجابي في نفس قواعد المقاومة وحاضنتها الشعبية وجمهورها العام الذي يشعر بأنّ هذه المشاهد المُصوّرة تُشكّل له عنصر إسناد معنوي ونفسي وداخلي بأنّ لديه مقاومين أشداء كسروا أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر واستطاعوا أن يُكبّدوا العدو خسائر فادحة".

"والاتجاه الآخر السلبي، وهو الذي يوقع آثار سلبية كبيرة في نفوس الرأي العام الإسرائيلي عندما يشاهد قتلاه من الجنود الإسرائيليين يُستهدفون من قِبَلْ المُقاومين".

وتابع: "كما أنّ تصوير المقاومة لعملياتها يعطي انطباعات أخرى عند قوى سياسية في المِنطقة والعالم والتي تراقب المشهد الفلسطيني الإسرائيلي عندما تتحول تدريجياً من مجموعات مسلحة متناثرة، إلى قوة تخوض حروب عصابات، إلى ما أشبه أن يكون اليوم بالجيش النظامي من خلال الألوية والسرايا والكتائب الموزعة والتدريبات والمناورات والدرجات العسكرية والرتب الميدانية وحيازة الأسلحة".

المقاومة تعمل بمنطق "قطرات الماء على الصخر"

وقال أبو عامر: "قد لا يكون مطلوباً من المقاومة الفلسطينية في ظل إمكانيات ميدانية متواضعة وقدرات عسكرية محلية أن تُطيح بالمشروع الصهيوني، أو أن تكنسه من الأراضي الفلسطينية بمواجهةٍ واحدة، وأن نحملها ما لا تُطيق، على اعتبار اختلاف موازين القوى لصالح العدو من الناحية العسكرية والميدانية والقِتالية".

وأوضح أنّ "جيش الاحتلال الإسرائيلي قد يكون من الجيوش العشرة الأولى في العالم؛ فدولة تمتلك قدرات عسكرية وقتالية وأكثر من 200 رأس نووية ونفقات عسكرية تزيد عن مليارات الدولارات، فهي قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط، لذلك يجب ألا نحمل المقاومة أكثر من طاقتها".

وأشار إلى أنّ "المقاومة الفلسطينية منذ بدايتها تعمل بمنطق قطرات الماء على الصخر، والمراد الاستنزاف الدائم وجعل الاحتلال في حالة استنفار وعدم استقرار سياسي وأمني واقتصادي، وإشعاره أن بقاءه في هذه الأرض مُكلِف، ويمثل عبئاً عليه من النواحي السياسية والعسكرية والمالية والأمنية والاجتماعية، وأن الرحيل عن هذه الأرض سيكون الخيار الأسلم لهم".

التحرير يتطلب جهود دول عُظمى

وأكد أبو عامر على أنّ "المقاومة الفلسطينية بقدراتها وإمكاناتها هي خطوة مُهمّة على طريق التحرير، لكن التحرير يتطلب جهود دول عُظمى في المِنطقة تحيط بالاحتلال الإسرائيلي وتُضيّق عليه الخِناق، وتُبطل اتفاقيات السلام معه، لتُشعِر الاحتلال بأنّ وجوده في المِنطقة بمثابة كيان غريب غير مرغوب به، وبالتالي إجباره على مغادرة المنطقة".

وختم أبو عامر حديثه بالقول: "إنّ المقاومة من الناحية المُسلحة الميدانية القتالية هي مساهمة أساسية، ونقطة محورية، لكن قد لا يكون مطلوباً منها التحرير بشكلٍ كامل، وإن كان ذلك ضمن خطتها الاستراتيجية بعيدة المدى، لكن ذلك بحاجة إلى جهود مختلفة على الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وليس فقط المقاومة الفلسطينية، التي قد تكون رأس الحربة لكنها بحاجة إلى إسناد من دول كبرى وجهود متعددة المجالات".

المقاومة تفرض معادلات جديدة

وفي السياق ذاته، قال الباحث في الشأن الصهيوني عبد الله البنا: "إنّ المقاومة الفلسطينية مرّت بمراحل متعددة، فقد بدأت برمي الحجارة وانتهت بامتلاك الصواريخ والقذائف الموجهة والطائرات المُسيّرة، ولا تزال المقاومة تتقدم بوتيرةٍ مُتسارعة وتطوي الليل بالنهار من أجل تطوير نفسها في شتى المجالات".

عبد الله البنا: قوة الردع التي امتلكتها المقاومة، مكنتها من فرض شروطها على الاحتلال والتي كان من ضمنها تخفيف الحصار عن القطاع من خلال فتح المعابر التجارية التي تربط قطاع غزة بالكيان الغاصب، بالإضافة إلى معبر رفح، وإدخال المنح والمشاريع إلى القطاع

وأضاف أنّ "المقاومة اليوم أصبحت خصماً عنيداً للاحتلال، واستطاعت فرض معادلاتٍ جديدة كانت غائبة عن تصورات العدو، فهي من ثبتت قواعد الاشتباك، وهي من حافظت على قوة الردع في وجه العدو".

وتابع البنا "كما بادرت المقاومة بتطوير وسائل وأدواتٍ جديدة كاستحداث مسيرات العودة والإرباك الليلي والطائرات الورقية الحارقة، والتي كان لها آثار إيجابية على قضيتنا الفلسطينية وأثار سلبية كبيرة على العدو كان آخرها أن يخضع لشروط المقاومة، وقد اعترف الجانب المحتل بما وصلت إليه المقاومة مما دفعه إلى أن يضعها على سلّم التهديدات الاستراتيجية".

تأثير امتلاك المقاومة لقوة الردع على العدو

وقال البنا: "إنّ امتلاك المقاومة لقوة الردع كان له أثر إيجابي كبير من ناحية تعامل العدو مع قطاع غزة، فلم يعد القطاع مسرحاً للّعب واللهو كما في السابق، وأصبح الاحتلال يحسب ألف حساب قبل أن يُقدِم على أية خطوة اتجاه القطاع".

وأردف "إنّ قوة الردع التي امتلكتها المقاومة، مكنتها من فرض شروطها على الاحتلال والتي كان من ضمنها تخفيف الحصار عن القطاع من خلال فتح المعابر التجارية التي تربط قطاع غزة بالكيان الغاصب، بالإضافة إلى معبر رفح، وإدخال المنح والمشاريع إلى القطاع مثل: المنحة القطرية، وأيضاً توسيع مساحة الصيد"، مشيراً إلى أنّ الاحتلال يخشى من التقدم المستمر والمتسارع لسلاح المقاومة الذي بدوره سيفرض معادلاتٍ جديدة ليست لصالحه.

العوائق التي تقف أمام تحرير المقدسات

وحول العوائق التي تقف أمام تحرير المقدسات، قال البنا: "إن العوائق كثيرة منها: الفرقة بين شطري الوطن في الضفة وقطاع غزة، والتبعية لدولة الكيان في المجال التجاري والاقتصادي، فمن لا يملك لقمته لا يملك قراره، وعدم مساندة حكام الدولة العربية للقضية الفلسطينية، وكبتهم لشعوبهم وعدم السماح لهم بالتعبير عن آرائهم وتضمانهم مع الشعب الفلسطيني".

واسترسل: "بالإضافة إلى تطبيع الدول العربية مع العدو والقيام بمحاولة كي الوعي وقلب الحقائق المتعلقة بالقضية الفلسطينية".

المطلوب من الحكومات والشعوب العربية

وحول المطلوب من الحكومات والشعوب العربية تجاه القضية الفلسطينية، ذكر البنا عدة أمور، منها: دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه ضد العدو في شتى المجالات، والاهتمام باللاجئين الفلسطينيين في الخارج من خلال تسهيل تحركاتهم ونشاطاتهم، وإفساح المجال للحركات التي تعمل من أجل القضية الفلسطينية، وقطع العلاقات مع العدو الصهيوني من خلال إلغاء الاتفاقات السياسية والمقاطعة الاقتصادية، ومقاطعة الدول التي تدعم الإرهاب الصهيوني على أرض فلسطين، وإعادة القضية الفلسطينية للصدارة من خلال جعلها قضية العرب والمسلمين الأولى".

العوامل المساعدة لصمود الشعب الفلسطيني

وفيما يخص العوامل المساعدة لصمود الشعب الفلسطيني رغم الحصار والحروب، ذكر البنا عدة عوامل، منها:

1- الوحدة الوطنية بين كافة أطياف الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.

2- التذكير بالمنجزات التي حققتها المقاومة الفلسطينية في الِصراع مع العدو منذ النكبة.

3- بث روح الأمل في نفوس الشعب الفلسطيني بواسطة الحملات التوعوية والإعلامية.

4- بث روح التكاتف والتكافل بين الشعب والقادة.

5- مساندة الدول والشعوب العربية والإسلامية للشعب الفلسطيني من خلال دعمه في شتى المجالات.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …