سلسلة: خواطر إيمانية للبيت المسلم في رمضان (7-10)

الرئيسية » بأقلامكم » سلسلة: خواطر إيمانية للبيت المسلم في رمضان (7-10)
رمضان13

يهل علينا شهر رمضان المبارك هذا العام ونحن في ظروف استثنائية، نسأل الله تعالى أن يُعجِّل بزوالها، هذه الظروف تحتم علينا المكوث في البيت أطول وقت ممكن.

إن المكوث في البيت لفترة طويلة يعتبرها البعض محنة ثقيلة على النفس تصيبه بالرتابة والملل لكونهم لم يتعودوا على ذلك، ولكننا لو أحسنا التخطيط لاستغلال هذا الوقت في تهذيب أنفسنا وأسرنا لاحتجنا فوق الوقت أوقاتاً.

من هنا، جاءت فكرة إعداد بعض الخواطر الإيمانية الخفيفة التي تهدف إلى غرس القيم وتقويم السلوكيات، سائلاً الله عز وجل أن تكون سبباً في تقويم ما غاب عنا من قيمنا، وما اعوج من سلوكنا.

خاطرة 19: كفالة اليتيم

قال تعالى: " أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فهدى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فأغنى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)" ‏(الضحى:6 - 11).

اليتيم في الشرع: هو مَن مات أبوه وهو دون البلوغ. وبعد البلوغ لا يُسمَّى يتيمًا؛ فعن حنظلة بن حذيم الحنفي أن النبي ﷺ قال: "لا يُتْمَ بعد احتلامٍ، ولا يُتْمَ على جاريةٍ إذا هي حاضَتْ" (السلسلة الصحيحة).

إن الآيات التي بين أيدينا تبين أن اليتيم يحتاج إلى أمور ثلاثة وهي (الإيواء، والإنفاق، والتربية)، وفي الآيات خطاب إلى الأمة بأن تضمن لكل يتيم مأوى يسكن فيه، ومالاً يُنفق منه، وتربية وتعليمًا؛ حتى لا يضل ولا يشقى.

ولقد حذر الله تعالى من أكل مال اليتيم والجور عليه حيث قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً {10}" (النساء: 10).

وللإحسان لليتيم في شريعتنا الغراء فضل كبير.

عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى" (صحيح الترمذي).

عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "أتحبُّ أن يلينَ قلبُك، وتُدْرِكَ حاجتَكَ؟ ارحَمِ اليتيمَ، وامسَح رأسَه، وأطْعِمْه من طَعامِك، يَلِنْ قلبُك، وتُدْرِكْ حاجتَكَ" (صحيح الجامع).

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "أنا أوَّلُ من يَفتحُ بابَ الجنَّةِ إلَّا أنِّي أرَى امرأةً تُبادرُني فأقولُ لها ما لك ومن أنت فتقولَ أنا امرأةٌ قعدت على أيتامٍ لي" (الترغيب والترهيب بإسناد حسن).

أوجه رعاية اليتيم

1- يتيم غني غير محتاج: حيث مات أبوه وترك له مالاً، وهو في هذه الحال لا يحتاج إلا للتربية الصالحة والدعم النفسي والمعنوي الذي يعوضه عن فقدان الأب، فقد أمن الإيواء والنفقة.

2- يتيم فقير محتاج: حيث مات أبوه ولَم يترك له من المال شيئًا، وهذا يحتاج إلى المال والعون المادي بجانب كل ما سبق.

3- يتيم فقير محتاج حيث مات أبوه وأمه دون أن يُترك له مال، هذا يكفله أحد أقاربه أو أحد المحسنين، أو إحدى الجمعيات الخيرية، وهذا يحتاج إلى الإيواء والمال والتربية وكل ما سبق.

لقد وردت في الشريعة الإسلامية حقوق عُظمى لليتيم، وإضاعة هذه الحقوق أو التقصير فيها من الكبائر، والتفريط فيها من الموبقات، وكفى كافل اليتيم فضلاً ومنزلة أن يكون في جوار النبي ﷺ في الجنة.

نصيحة

إن كفالة اليتيم بالصورة التي ذكرناها قد يغفل عنها كثير من الناس، فليس معنى أن اليتيم غنياً أن نتركه ولا نتفقد أحواله ولا ندعمه نفسياً ومعنوياً، لأن كل هذه الأمور لا تقل أهمية عن المال وغيره من الأمور المادية.

إن كفالة اليتيم يعود نفعها على الفرد والمجتمع من حيث الأجر والثواب، ومن حيث تدعيم الأخوة والتماسك داخل المجتمع.

وكفالة اليتيم تحفظه من الآفات الأخلاقية، فاليتيم إذا فسد فإن فساده يعود على الجميع، وإذا شب اليتيم على هذا الفساد صعب تقويمه، وأصبح كالقنبلة التي تتطاير شظاياها فتصيب الجميع.

**********************************************************

خاطرة 20: العفو المُطلق فساد مُطلق

جاء فتح مكة بعد أن انتهكت قريشٍ بنود صلح الحديبية وذلك بإعانتها لحلفائها من قبيلة بني بكرٍ ضد قبيلة خزاعة، الذين كانوا حلفاء المسلمين في ذلك الوقت. ردّاً على خرق قريش لبنود صلح الحديبية جَهَّزَ النبي ﷺ جيشاً قوامه عشرة آلاف مقاتل لفتح مكة.

خرج النبي ﷺ قاصدًا مكة وكان ذلك يوم الأحد الموافق العاشر من رمضان في العام الثامن للهجرة ووصلها يوم الأربعاء الموافق 20 رمضان، أي بعد 10 أيام.

بعض الأحاديث الصحيحة التي وردت في فتح مكة والتي تبين لنا تفاصيل ربما غابت عن الكثيرين:-

1- عن سعدٍ بن أبي وقاس رضي الله عنه قالَ: "لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله ﷺ الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس ابن صبابة، وعبد الله بن أبي سرح.... إلى نهاية الحديث" (رواه بن الملقن بإسناد صحيح).

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ ﷺ لمَّا دخلَ مكَّةَ سرَّحَ الزُّبيرَ بنَ العوَّامِ وأبا عبيدةَ بنَ الجرَّاحِ وخالدَ بنَ الوليدِ على الخيلِ وقالَ يا أبا هريرةَ اهتِفْ بالأنصارِ قالَ اسلُكوا هذا الطَّريقَ فلا يشرِفنَّ لكم أحدٌ إلَّا أنمَتُموه فنادى منادٍ لا قريشَ بعدَ اليومِ فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ من دخلَ دارًا فهوَ آمِنٌ ومن ألقى السِّلاحَ فهوَ آمنٌ وعمدَ صناديدُ قريشٍ فدخلوا الكعبةَ فغصَّ بهم وطافَ النَّبيُّ ﷺ وصلَّى خلفَ المقامِ ثمَّ أخذَ بجنبتيِ البابِ فخرجوا فبايَعوا النَّبيَّ ﷺ على الإسلامِ" (صحيح أبي داود) .

4- وفي الحديث الذي رواه الأشبيلي في (الأحكام الصغرى): "ولجأتْ صناديدُ قريشٍ وعظماؤُها إلى الكعبةِ يعني دخلوا فيها قال فجاءَ رسولُ اللَّهِ ﷺ حتَّى طافَ بالبيتِ فجعلَ يمرُّ بتلكَ الأصنامِ ويطعنُها بسِيةِ القوسِ ويقولُ (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهوقًا) حتَّى إذا فرغَ وصلَّى جاءَ فأخذَ بعُضَادَتيِ البابِ ثمَّ قال يا معشرَ قريشٍ ما تقولونَ قالوا نقولُ ابنُ أخٍ وابنُ عمٍّ رحيمٌ كريمٌ. ثمَّ أعادَ عليهمُ القولَ ما تقولونَ قالوا مثلَ ذلِك قال فإنِّي أقولُ كما قال أخي يوسفُ (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فخرجوا فبايعوهُ على الإسلامِ".

* من خلال ما سبق من أحاديث نخلص إلى أن ما تم يوم فتح مكة كان كما يلي :

1- الأمر بقتال أوباش قريش الذين تصدوا للمسلمين (اسلُكوا هذا الطَّريقَ فلا يشرِفنَّ لكم أحدٌ إلَّا أنمَتُموه).

2- الحكم بقتل أكابر المجرمين (أربعة نفر وامرأتين) وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة"، كما رأينا في الحديث.

3- تحييد عموم المشركين وجمعهم في أماكن حددها لهم النبي ﷺ، من دخلها كان آمناً (من دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمنٌ. ومن ألقى السلاحَ فهو آمنٌ. ومن أغلق بابَه فهو آمنٌ) وكانت موافقتهم على امتثال الأمر بمثابة الموافقة على الاستسلام والأسر، وهذا مجمل كلام الإمام بن تيمية.

- كان الهدف من الإجراءات الثلاثة هو أن يتضح المُحارب من المُسالم، وأن تزول كل العوامل التي تمنع الناس من اتباع فطرتهم التي فطرهم الله عليها واتخاذ قرارهم بالدخول في الإسلام من عدمه عن اختيار وقناعة، ودون خوف من أحد ودون إكراه ولا إجبار.

وكان الهدف كذلك ألا يكون العفو مُطلقاً لأن (العفو المُطلق فساد مُطلق).

* إن من يقوم بالعفو المطلق في مثل هذه المواقف كمن يقوم بتضميد جُرح وبه ما به من قِيح وصديد، فلا يلتئم أبداً.

السؤال هنا، من أين جاء لفظ الطلقاء؟ ومن هم الطلقاء؟

* الطلقاء ـ جمع طليق: وهو الأسير الذي أطلق عنه إساره، وخلِّي سبيله.

- يقول ابن أبي حديد في شرح "نهج البلاغة": "الطلقاء: كل من دخل عليه رسول الله ﷺ عنوة بالسيف فملكه، ثم منَّ عليه عن إسلام أو غير إسلام فهو من الطلقاء، وكذلك كل من أسر في حرب الرسول ﷺ، ثم امتن عليه بفداء أو غير فداء فهو طليق" أهـ.

إن عبارة "اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ" يتم يتداولها على أنها وردت عن النبي ﷺ لمشركي قريش أثناء فتح مكة، والحقيقة أنه لم يرد حديث صحيح به هذه العبارة، ولكن من أطلقهم النبي ﷺ بعد تحييدهم، وأسرهم في أماكن حددها لهم، ثم قام بإطلاقهم، اكتسبوا صفة "الطلقاء" وسموا بـ "الطلقاء" نتيجة لهذا الموقف، وكان عددهم ألفي شخصاً.

"يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ" (قال الألباني: ليس له إسناد ثابت، وهو عند ابن هشام مُعضل).

أخيراً أقول:

إن عفو النبي ﷺ عن فئة الطلقاء من أهل مكة ليس عملاً يسيرًا على النفس وقد بدر منهم ما بدر تجاه النبي ﷺ وتجاه صحابته الكرام، فالأمر حقاً يتطلب قوة نفسية عالية، ومقدرة روحية فائقة، خاصة أن النبي ﷺ لم يُخيِّرهم بين الإسلام مع العفو وبين البقاء على ما هم عليه مع الأسر والذل، بل عفا عنهم بلا قيد ولا شرط ليبين لهم مدى سماحة الإسلام، وليكون لنا أسوة حسنة في ضبط النفس في مقابل مصلحة الدعوة.

***********************************************************

خاطرة 21 : الاعتكاف أحكام وآداب

قال تعالى: "وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {187}" (البقرة: 187).

وقال تعالى: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ {125}" (البقرة: 125).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ عَشَرَةَ أيَّامٍ، فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا" (صحيح البخاري).

الاعتكاف شرعاً هو: المكث في المسجد بقصد التعبّد للّه وحده.

قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضاً إلا أن يُوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً فيجب عليه" أهـ.

وقال ابن قدامة: "لا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد تقام الجماعة فيه، لأن الجماعة واجبة واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها فيتكرر ذلك منه كثيراً مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف إذ هو لزوم المُعتكف والإقامة على طاعة الله" أهـ.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: " كانَ النبيُّ ﷺ، يَعْتَكِفُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أضْرِبُ له خِبَاءً فيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ... الحديث" (صحيح البخاري).

قال ابن قدامة: "يُستحب للمعتكف التشاغل بالطاعات المحضة وتجنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال، ويجتنب الجدال والمِراء والسباب والفُحش فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى، ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك".

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "السُّنَّةُ على المعتَكفِ أن لا يعودَ مريضًا ولا يشهدَ جنازةً ولا يمسَّ امرأةً ولا يباشرَها ولا يخرجَ لحاجةٍ إلَّا لما لا بدَّ منهُ ولا اعتِكافَ إلَّا بصومٍ ولا اعتِكافَ إلَّا في مسجدٍ جامِعٍ" (صحيح أبي داود).

إن كلّ ما يفسد الصوم فهو يفسد الاعتكاف ويبطله، لأنَّ الصوم شرط في صحته والمشروط يبطل ببطلان شرطه.

نصيحة

إن من وفقه الله تعالى لهذه العبادة العظيمة عليه أن ينهل من خيراتها، ولا يضيع وقتها، ولا ينتهك آدابها، وليكن من أولي الألباب، وليسد على الشيطان كل باب. .
**********************************************************
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …