على عتبات آية

الرئيسية » بأقلامكم » على عتبات آية
reading quran-muslim

"إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا" (10) الكهف.

نظرت حولي فوجدت أنه كلما ضاقت على العبد دنياه، واجتمعت عليه من أهوال شرور من فيها من الإنس والجان والدواب، اضطر العبد اضطرارا للجوء إلى كهوف الله الآمنة، لهفة منه لرشف رحمات ظاهرة وأخرى خفية، ولكلِّ كهفٍ خصائصه التي لا يدرك سرها إلا أصحاب الألباب الآيبون إلى رحمة الباري.

ولما أطلت النظر من حولي قُدح في ذهني هذا المعنى أمام التأمل في عظمة الكبير المتعالي، كيف أن جعلنا جميعا نضطر اضطرارا للإيواء إلى كهوفنا؛ إذ لم يختر أحدنا الدخول إلى منزله طواعية، ولولا "كورونا"، والحجر المنزلي الذي أمرتنا به حكوماتنا، ما قعدنا في المنازل على النحو الذي سمع به العالم أجمع.

هل غفلنا عن اختيار طريقنا نحو الاستغاثة بالرحمات، وأن نجيد عبادة الالتجاء، ونحسن استغلالها قبل فوات الأوان، لقد منَّ الله تعالى علينا بفضله بأن دلّنا على السير نحو هذا الطريق؟

وأسبغ مزيدًا من فضله بأن آوانا رغمًا عن أنوفنا، فدخلنا إلى كهوفنا التي فيها ما فيها من النعم، ورغد الحياة، فالحمد لله أن جاء هذا الحجر في صورة الدخول غلى المنازل، وليس العكس، وأن كنا آمنين في بيوتنا، ولم يُطلب منا الخروج منها، ثم أن عشنا لحظات من الهدوء الأسري، والتأمل الذاتي في كل شيء وكل تفاصيل حياتنا، لقد كانت كورونا لكثير منا استراحة المحارب، بعد زمن طويل من الكدِّ والعمل.

فلو كانت "كورونا" عتابًا من الله، فإن عتابه كان كريمًا.

وهنا، في لحظات التأمل في الآية الكريمة السابقة تظهر أهمية اللجوء إلى ركن يلوذ فيه العبد من ضوضاء الدنيا إلى الرحمة، ليكون بعدها الرشد، ويثمر التامل في رحمات الله عودة خالصة لوجه الله، فينعم بالحكمة على من قام بهذه العبادة، فكم من تائه استرشد بصلاة الاستخارة؟ وكم من محتار لاذ بالدعاء؟

وكلما زاد التأمل في وجوه الصحة في العبادة من توبة وحسن استغلال لنعمة الوقت، وترشيد استهلاك النعم ظهرت الرجمات المرجوة من الأمر؛ الذي مآله لخير؛ فأمر ابن آدم كله خير من الله تعالى، وعندئذ سيكون - لا محالة - ما بعد كورونا محتلفًا عما كانت عليه الحال قبلها. وهنا، يظهر المعنى الحقيقي لكلمة "رَشَدا".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …