إن الاستغفار بالنسبة للمسلم تنقية للنفس، وصفاء للروح، وراحة للقلب، وغفران للذنب، وقربة للرب سبحانه وتعالى.
إن #الاستغفار اعتراف صريح من العبد بتقصيره وحاجته إلى معونة ربه، كما أنه ندم على ما فعله مخالفاً لشرع الله عز وجل، وعزماً على الاستقامة على ذلك ما بقي من عمره. وذلك واجب على كل مسلم.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} {آل عمران:135].
وعن عبدالله بن بسر وعائشة وأبي الدرداء رضي الله عنهم أن النبي ﷺ قال: "طوبى لِمَنْ وجدَ في صحيفتِهِ استغفارًا كثيرًا" (صحيح الجامع).
إن صيغ الاستغفار كثيرة ومتعددة، والحكمة من كثرتها وتعددها هي أن تناسب كل ذنب، وكل غاية، وأن تناسب حال كل مُستغفر.
أولاً: بعض صِيغ الاستغفار الواردة في القرآن الكريم
1- قال تعالى: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} {البقرة:من الآية 286].
2- قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:من الآية 16].
3- قال تعالى: {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} {آل عمران: من الآية 147].
4- قال تعالى: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} {آل عمران:من الآية 193].
5- قال تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:109].
ثانياً: بعض صِيغ الاستغفار الواردة في السنة النبوية
1- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عَنِ النبيِّ ﷺ أنَّه كانَ يَدْعُو بهذا الدُّعَاءِ: "رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرَافِي في أمْرِي كُلِّهِ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ" (صحيح البخاري).
2- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله ﷺ: "عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو به في صَلَاتِي، قالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ" (صحيح البخاري).
3- عن زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ أن النبي ﷺ قال: " من قال: أستغفرُ اللهَ العظيمَ الذي لا إلهَ إلَّا هو الحيَّ القيومَ وأتوبُ إليه غُفِرَ له وإنْ كان فرَّ من الزحفِ" (سنن الترمذي).
4- عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ فقال: إنِّي لا أُحسِنُ مِن القُرآنِ شيئًا فعلِّمْني شيئًا يُجزِئُني منه فقال: (قُلْ: سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلّا اللهُ واللهُ أكبَرُ) قال: هذا لربِّي فما لي؟ قال: قُلِ: (اللَّهمَّ اغفِرْ لي وارحَمْني وارزُقْني وعافِني)" (صحيح ابن حبان).
5- عنِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما، قالَ: "إن كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ ﷺ في المَجلِسِ الواحدِ مائةَ مرَّةٍ: ربِّ اغفر لي، وتُب عليَّ، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" (سنن أبي داود).
ثالثاً: أقوال بعض الأئمة وعلماء السلف عن الاستغفار
1- قال الإمام علي رضي الله عنه: (العجبُ ممنْ يَهْلَكُ وَمَعَهُ النَّجاةُ، قيل: وما هي؟ قال الاستغفارُ)، وكان رضي الله عنه يقول: (ما أَلْهَمَ الله سبحانه وتعالى عَبْداً الاستغفارَ، وهو يُرِيدُ أن يُعَذِّبَهُ).
2- قال ابن حجر رحمه الله: "وقال القرطبي، الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارناً للسان لينحل به عُقد الإصرار ويحصل معه الندم، لا من قال أستغفر الله بلسانه وقلبه مُصِر على تلك المعصية، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار".
3- وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سئل بعض أهل العلم أيما أنفع للعبد: التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له (أي: التسبيح)، وإن كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له (أي: الاستغفار)".
4- جاء في (مجموع الفتاوى) للإمام ابن تيمية رحمه الله: "الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب، ومن العمل الناقص إلى العمل التام، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل" أهـ.
5- عن يونس بن عبيد عن بكر بن عبد الله قال: "إنكم تستكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار وإن الرجل إذا أذنب ذنباً ثم رأى إلى جنبه استغفاراً سره مكانه".
رابعاً: عِبَر وأسرار من دعاء "سيِّد الاستغفار"
إن ذروة سنام صِيْغ الاستغفار، والجامع لمعاني التوبة كلها هو ما سمَّاه النبي ﷺ بـ "سيد الاستغفار".
ومعنى سيد الاستغفار: أي أنه يسُود كل صيغ الاستغفار الأخرى ويتقدم عليها في الفضل والدرجة.
إن العبد الذي تتجاذبه مُلهيات الدنيا، ولا يكف الشيطان عن وسوسته له، وتنازعه نفسه للركون للراحة والدعة، ويُسَوِّل له هواه الوقوع في المعصية، لابد له من سلاح ناجز، وعلاج ناجع، وقلب سليم، وإرادة لا يثنيها شيء عن الوصول إلى باريها، ولقد وُجدت كل هذه الخصال في سيد الاستغفار.
عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا أنْتَ قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ" (صحيح البخاري).
إن من الأسرار التي أودعها الله تعالى في سيد الاستغفار:-
1- الإقرار بالألوهية، وذلك في قول العبد "اللَّهُمَّ".
2- الإقرار بالربوبية، وذلك في قول العبد " أنْتَ رَبِّي".
3- الإقرار بالتوحيد المُطلق، وذلك في قول العبد " لا إلَهَ إلّا أنْتَ".
4- الإقرار بأن الله تعالى هو الخالق وهو وحده المستحق للعبودية، وذلك في قول العبد "خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ".
5- الإقرار بالخضوع التام والوفاء المُطلق، وذلك في قول العبد "وأنا على عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ".
ومن تمامِ الوفاء، الالتزامُ بالعهد الَّذِي أخذه الله تعالى على عباده وهو الالتزامِ بالتوحيدِ وبالشرعِ أمرًا ونهيًا.
ومن تمام العبودية، التصديق بكل ما أخبر الله تعالى به وبكل ما وعد به من ثواب وعقاب، وبعث ونشور، وجنة ونار.
ومن تمام العبودية كذلك، اعتراف العبد بالتقصير، والإقرار بالضعف والافتقار إلى عون الله وتوفيقه.
6- الإقرار بالذنب وإظهار الخضوع والمسكنة بين يدي الله تعالى، وطلب الدخول في كنفه والتحصن بحصنه، وذلك في قول العبد "أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ".
7- الاعتراف بأن الله تعالى وحده هو من يُسْدِي النِّعم، وذلك في قول العبد "أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ".
إن من تمام العبودية أن يعترف العبد بين يدي ربه بأنه لم يفعل الذنب جحوداً للنعم، ولكن لغلبة الهوى وضعف النفس.
8- الاعتراف بالذنب وطلب المغفرة، وذلك في قول العبد "وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي".
إن من تمام العبودية الاعتراف بين يدي القدير بالتقصير، وطلب المغفرة من الغفور.
ومن تمام العبودية الاعتراف بأن الخير من الله وحده، وأن الشر لا يكون إلا من العبد لغفلته وتقصيره، لذلك قال "بذنبي".
9- الإقرار بأنَّه لا يَغفِر الذنوب إلا الله لِكَمالِ مُلكِه، وواسع رحمته، وذلك في قول العبد "فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا أنْتَ".
10- بعد كل ذلك اشترط النبي ﷺ أن يكون كل ما سبق بيقين تام وإخلاص لا تشوبه شائبة، حينها يتم القبول، وتغفر الذنوب، ويتم الرضا، وتفتح الأبواب، ويكون المُستغفر من أهل الجنة.
وأخيراً أقول
إن المُوفق هو من يُوفقه الله تعالى فيجأر بسيد الاستغفار بين يدي الغفار آناء الليل وأطراف النهار، مُتحرياً أوقات الإجابة ومُحققاً لأسباب القبول.