د. ماهر الحولي: لتتحقق مهمّة القرآن لا بد من التدبر
مصطفى أبو توهة: الفهم القاصر من أسباب صعوبة التدبر
ختم قراءة القرآن يكاد يكون الشكل الأكثر انتشار للعبادة في رمضان، منّا من يكتفي بقراءته مرّة واحدة، ومنّا من ينكبّ على القراءة ليل نهار ليحصي عدداً أكبر من الختمات، ومع الاهتمام بالمقدار ما نقرأ، قد ننسى تدبّر الآيات.
هكذا نتدبَّر
أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية - الدكتور ماهر الحولي- يقول: "إن شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، وذلك بنص القرآن، في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] وبالتالي علاقة المسلم به في هذا الشهر يجب أن تكون وطيدة، فيها مصاحبة حقيقية، والتزام دقيق، بحيث يرتقي بأخلاقه وآدابه ويحسّن تعاملاته".
ويضيف: "ويعزز ذلك أن الصيام يشترك في تطهير روح الإنسان وتزكية قلبه وتنقية جوارحه؛ فالمسلم يصاحب القرآن وهو صائم، فيجتمع له فضل القراءة في وقت النزول والبركة التي أعطاها الله للوقت".
وعن سؤال "هل تكفي القراءة؟"، يجيب: "مهمّة القرآن في الأصل هداية الناس، كما في قوله عزّ وجلّ: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] ولتتحقق الهداية لا بدّ من التدبر والفهم والتأثر لما جاء فيه؛ لأنه منهج حياة ودستور لكل التعاملات في الإنسانية جمعاء".
ويوضح أن القراءة وعدد الختمات مطلوب؛ فبها تطمئن القلوب، وهي فرصة لنيل الثواب، ففي الحديث الشريف: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف"، ومن المعلوم أن الحسنة بعشرة أمثالها".
ويبين: "مع ذلك، وبالرغم من أن القراءة مطلوبة، إلا أنها لا تكفي بحد ذاتها، فكلما تدبر المسلم ارتقى، فالغاية هي الفهم فالتدبر فالتأثر، لو وصل المسلم لهذه المرحلة يحقق الغاية والهدف، بأنه يتأثر بما في القرآن، فيقوّم سلوكه ويتقن العبادة ويتقرب لله أكثر".
وعن أثر التدبر على المسلم، يقول الحولي: "من يتأثر بالقرآن يتغير سلوكه للأفضل، فيصبح أميناً، صادقاً، مخلصاً، كريماً، جواداً، مجاهداً، متقناً للصلاة، باراً بوالديه، محسناً لهما، واصلاً رحمه، حسن المعاملة مع الناس، عادلاً، يبتعد عن الآثام والموبقات من أمراض اللسان والكذب والغيبة والنميمة، عن أمراض القلب من كفر ورياء ونفاق"، مضيفاً: "التدبر يوصلنا إلى درجة الاستقامة".
ولكي يتمكن المسلم من تدبر القرآن، ينصح الحولي بالأخذ بعدة أسباب، أولها الدعاء، ليدعو الشخص الله تعالى أن يعينه على فهم القرآن، وفي ذلك أدعية كثيرة معروفة، منها: "اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا"، وثانياً عليه يعقد نيّة الفهم والتدبر، فنيّات قراءة القرآن متعددة، هناك من يقرأ للرزق، أو للشفاء من مرض، أو لأي سبب آخر، ثم يستحضر الأجر العظيم الذي يناله من التدبر.
ويوضح: "من أراد التدبر، عليه ألا ينتقل من آية إلى أخرى، إلا بعد أن يفهم معناها، وبإمكانه الرجوع للكتب، أو سؤال المختصين، وقد صار ذلك يسيراً في عصر الإنترنت ومع انتشار تطبيقات التفسير المخصصة للهواتف النقالة، ومن الجيد أن يصاحب شخصاً يمكن أن يتدارس معه القرآن، أو أن يشترك في مجموعات مهتمة بالتدبر والتفسير".
ويبين: "من أهم الأمور، أن يلتزم المسلم بتطبيق ما فهمه من القرآن في حياته؛ كي لا ينطبق قول الله تعالى: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الممتحنة:3].
ويشير إلى أنه بإمكان المسلم أن يقيس تدبّره بأن يلاحظ ردّة فعله عند آيات العذاب والاستبشار، فهل يتأثر خوفاً عند آيات العذاب؟ وهل يضحك عند آيات الثواب؟
ويقول الحولي: "نحن بحاجة لأن نجعل رمضان نقطة انطلاق لقراءة من نوع جديد، تصل بنا من خلال الفهم والتفكر للتأثر، ويمكننا أن نجمع بين التدبر والكمّ، فنخصص ختمة للقراءة، وأخرى للتدبر".
فلاح الإنسان مرهونٌ بالفهم
من ناحيته، يقول الداعية مصطفى أبو توهة: "من أكبر النعم التي أنعم الله بها على الإنسان أن أنزل كتاباً -والذي هو بمثابة منهج يضبط حياته؛ لتكون على الصراط المستقيم- وهي نعمة جعلها الله تعالى مقدمة على خلق الإنسان ذاته، فقد قال جلّ وعلا في كتابه: {الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ} [الرحمن: 1-3].
ويضيف: "والغريب أن الشارع الحكيم قدّم هذا الكتاب العزيز على الصلاة نفسها، مع عظم شأنها، وذلك في أكثر من موضع، كما في قوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت:45].
ويتابع: "ولكي يكون القرآن هادياً للتي هي أقوم، فإنه ينبغي أن يُتلى على الوجه المطلوب، كما تلاه الرعيل الأول فأخرج منهم خير أمةٍ أٌخرجت للناس، فكان لها ذكرٌ في العالمين وشأن لا يُستهان به"، مذكراً بقول الله عزّ وجل: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:10].
ويوضح أبو توهة: "والقرآن لا يمكن أن يؤدي غايته ورسالته في تصويب وتصحيح مسير ومصير الإنسان إلا إذا فُهم على أنه آخر رسالة من الملأ الأعلى إلى هذا الإنسان الذي يطوي صفحات حياته ليلقى الله مهما امتدت به السنون".
ويبين: "بالتالي، فإن حق الرسالة أن تُقرأ سطورها وما بين السطور وما يريد المرسل أن يقوله لكنه لم يقله، وهذا ما نسميه (التدبر)، والتدبر هو تتبع أعقاب ودبر الكلمات والآيات لفهم المقصود وهو ما يسمى في علوم القرآن (المنطوق والمفهوم).
وبناء على ما سبق، يؤكد أبو توهة: "العبرة ليست بالهدر، ولا بكثرة القراءة، ولا بالتنافس في ختمات القرآن، مع أهمية ذلك لأنه ليس المقصود من تنزيله الآية الكريمة: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
ويلفت إلى أن: "من مجالات أو أسباب التثريب والدمدمة على الغافلين عن غايات القرآن التي تغيّاها في كلماته وآياته ما أشار إليه الوحي الكريم: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمّد:24].
ويقول: "هذا يدل على أن فلاح الإنسان منوط ومرهون بالفهم عن الله تعالى أولاً، ثم الانفعال وجدانيا، ثم التطبيق والممارسة بعد مدارسة هذا الكتاب المجيد".
ويشير إلى أن: "رمضان فرصة سانحة للعود والأوبة؛ لتصحيح العلاقة مع هذا الكتاب الذي نزل فيه، ذلك أن فراغ المعدة واليقظة والانتباه مدعاة لأن يستقبل الصائم هدايات القرآن بقلبٍ فارغ إلا من استحضار معية الله تبارك تعالى، وترطيب اللسان بذكر العلي الأعلى، والتفرغ لمائدة القرآن الكريم".
ويرى أن الصائم القارئ بهذه الطريقة تنطبق عليه بشرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان".
وعن عدم قدرة المسلم على تدبر ما يقرأه من القر أحيانا، يذكر أبو توهة بعض الأسباب، فيقول: "الغفلة عن أهمية القرآن وإنزاله كأي كتاب أو صحيفة، مضموماً إلى ذلك الاكتفاء والزهد بفهمه القاصر دون العود إلى الكتب التفسير الميسرة لغوامض الكلمات، وربما يدخل عنصر المباهاة والمكاثرة ثم التهوين من سؤال الله تعالى عن موقف القارئ لكتابه يوم القيامة إزاء الأوامر والتوجيهات يوم القيامة والذي هو شكل من أشكال الهجران المعنوي، وذلك ما أشار إليه قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30] ثم الفهم السيء للعلاقة الواجبة والأمانة المنوطة بعنق المسلم أمام القرآن".
ويضيف: "كل هذا يجعله بعيداً عن الفهم، فضلاً عن التدبر والعمل بكتابه، وعلاج ذلك أن يَقرّ في قلب المسلم أن هذا القرآن سيكون دليلاً له أو عليه يوم القيامة"، مذكراً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك".